وصلت أعداد من يقدمون على الانتحار إلى حالة انتحار جديدة كل يومين ونصف اليوم، كما تسجل محاولة انتحار كل 5 ساعات، بحسب الإحصاءات الصادرة عن دراسة علمية في الجامعة الاميركية – قسم الامراض النفسية، وتشكلت شبكة دعم وتوعية بشأن الأمراض النفسية في لبنان اسمها”Embrace” ، وسجلت الشبكة زيادة في نسبة الانتحار في العام الحالي بنسبة 25 بالمئة مقارنة مع الأعوام السابقة، خصوصا عند الشباب اللبناني في مقتبل العمر، ما يعني أن الامر وصل الى درجة عالية من الخطورة، تهز المجتمع اللبناني في الصميم، ويطرح السؤال نفسه: هل الازمة الإقتصادية الخانقة وراء هذا الإرتفاع في الانتحار عند عنصر الشباب خصوصا؟ ام أن هناك أسبابا أخرى لا نعرفها؟
دراسة تكشف خطر ارتفاع الانتحار
إنها أزمة تهدد المجتمع اللبناني بالفعل، ذلك أن معدل الانتحار ارتفع من حالة كل ثلاثة أيام في العام 2014، إلى حالة كل يومين ونصف اليوم في العام 2016، في ضوء هذه الأزمة المتفاقمة، وفقا للمعلومات الصادرة عن Embrace التي أكدت أن نسبة الانتحار تزداد، وهناك حالات كثيرة لا يتم الإعلان عنها، أما الدوافع والأسباب فعديدة، منها الوضع الاجتماعي، النفسي، الاقتصادي والسياسي في البلد، بالإضافة إلى أنه لا توجد توعية لأهمية الطب النفسي والصحة النفسية بسبب نظرة المجتمع، وتساهم هذه الأسباب في زيادة حالات الانتحار.
ووفق تقرير منظمة الصحة العالمية، فإنه يموت شخص كل 40 ثانية انتحاراً، وهناك كثيرون يحاولون الانتحار، وقد سجلت المنظمة وفاة أكثر من 800 ألف شخص سنويا إنتحاراً وخصوصا في البلدان المرتفعة الدخل، وكانت نسبة جميع الوفيات الناجمة عن الانتحار 1.7 بالمئة، وهي نسبة أعلى من النسبة المقابلة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تبلغ 1.4 بالمئة.
خط ساخن للمساعدة
في هذا السياق قال رئيس مركز الامراض النفسية والتوعية عن الانتحار والصحة النفسية في الجامعة الاميركية الدكتور زياد نحاس لـ greenarea.info: “إننا نسعى إلى إطلاق أول خط ساخن في لبنان بعنوان خط المساعدة الوطني للأزمات النفسية والحد من الانتحار الذي يتوقع أن يكون جاهزاً في نيسان (أبريل) من العام 2017”.
وأضاف نحاس: “تكمن أهمية هذا الخط الساخن في كونه متاحا للجميع، إذ يستطيع أي كان الاتصال للحصول على المشورة، ويأتي هذا الخط الساخن في ظل صعوبة تلقي المساعدة النفسية بالطرق التقليدية لسببين: الأول، نظرة المجتمع السلبية تجاه الصحة النفسية، والثاني، غلاء تكلفة أطباء علم النفس في لبنان، كما وأن معظم حالات الانتحار في لبنان تزداد عند الرجال اكثر مما هي عند النساء، وما زلنا في لبنان ضمن المعدل الطبيعي، إلا أنه لا توجد فئة عمرية محددة تقدم على الانتحار، وأكثر الأدوات استخداما هي الأسلحة والشنق، وللحد من هذه الظاهرة يجب التوعية بأهمية الصحة النفسية، ومن التوعية يبدأ الناس بالتعرف على المرض النفسي وعوارضه، ومن ثم العمل على إيجاد العلاج المناسب، وهنا نشدد على التوعية بأهمية الصحة النفسية”.
الواقع مرير ولا حلول في الافق
في هذا الإطار تحدث الاخصائي في الطب النفسي الدكتور شوقي عازوري لـgreenarea.info عن خلفية اسباب تزايد ظاهرة الانتحار، وقال: هناك مسألة أساسية يجب معرفتها مع تطور التكنولوجيا الإلكترونية والممثلة بمواقع التواصل الاجتماعي، فأصبحت حالات الانتحار تظهر الى العلن وبشكل أسرع ومن دون اي ضوابط، كالحالة التي حدثت منذ سنوات في إحدى ضواحي بيروت عندما صور رجل كيف أقدمت زوجته على الإنتحار، وهذا يعني أن عرض وسائل الانتحار أصبح اسهل، كما أنه عندما يشعر الفرد أن الافق مسدود، وأنه يعيش حالة خوف مستمرة، مثلا قلق من الوضع الاقتصادي والمعيشي وانعكاس هذا الأمر على الوضع العائلي والاجتماعي ما يساهم في زيادة عوامل القلق والاكثئاب، وهذه الأسباب هي أكثر الأسباب التي اصادفها في، فعلى سبيل المثال، عندما اعاين شخصا فقد عمله ولا يستطيع أن يعيل عائلته، ولو حاولنا تقديم المساعدة الطبية، انما ذلك لا يكفي اذا عاد الى واقعه المرير، خصوصا أن لا حلول في الافق، أضف إلى ذلك الهجرة وما تسببه من ألم نفسي ناتج غياب الاحبة، فضلا عن أن الفقر إلى ازدياد، ودون حلول ناجعة، فيقف المرء أمام افق مسدود ولا سيما أن العلاج الطبي لا يكفي للحد من الانتحار”.
فتش على الكأبة
من جهة اخرى اعتبر الأخصائي في الأمراض النفسية الدكتور جورح كرم ان عامل الكآبة يزيد من حالات الانتحار، وقال لـ greenarea.info: “تبين لنا ان كل ثلاتة ايام هناك شخص يحاول الانتحار في لبنان، كما ان هناك 100 شخص ينتحرون سنويا، ومع هذه الارقام يصنف لبنان في المرتبة الثانية في حالات تزايد الانتحار مقارنة بدول العالم، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية الذي أشار إلى أن 90 بالمئة من حالات الانتحار سببها الكآبة، و10 بالمئة من محاولات الإنتحار تأتي كردة فعل عفوية حصلت من دون تفكير بعقلانية، كصدمة نتيجة حدث اليم مفاجىء مر به الانسان، كما وتبين أن اكتر حالات الانتحار منتشرة عند الشباب ما بين عمر 15 و24 سنة، وفوق عمر 70 سنة، وانطلاقا من هذه الأرقام والإحصاءات، فالمطلوب من أي شخص يعيش وسط أفكار سلبية ان يتوجه الى اختصاصي في الامراض النفسية، فممنوع ان نفقد الامل”.
مطلوب الدعم على كافة الاصعدة
أما الاخصائية في علم النفس سمر حنا، فشددت على أهمية الدعم للشخص المصاب بأمراض نفسية، وقالت لـ greenarea.info: “إن وراء الانتحار شتى أنواع الأزمات النفسية والمعيشية والاقتصادية والعائلية أو حالات الطلاق، فضلا عن الضغط المادي وغيرها من العوامل السلبية الحياتية، والتي تجعل الشخص يفقد الأمل أحيانا، أو أن البعض يحاول الإنتحار بهدف لفت الأنظار إليه ومن أجل المزيد من الاهتمام والرعاية، وهذا معاكس لمن يصمم على الانتحار ويؤدي إلى الوفاة، وثمة أسباب جينية أو أمر ضاغط آخر والشعور بفقدان العاطفة، وأن لا شيء يجعل هذا الشخص متعلقا بالحياة ليعيش من اجله، فيلجأ إلى الإنتحار، مثلا كبار السن الذي يشعرون أن عائلاتهم تخلت عنهم أو غير موجودين قربهم، من هنا نشدد على أهمية إعالة الناس واهتمامهم ببعضهم البعض، ومد يد العون والمساندة الإجتماعية والعاطفية، كي لا يشعر الانسان بالوحدة ويقدم على الانتحار”.
وزارة الصحة والبرنامج الوطني
أما بالنسبة لوزارة الصحة، فعرضت رئيسة دائرة التثقيف الصحي في وزراة الصحة الدكتورة رشا حمرا للخطوات الواجب اتخاذها للحد من الانتحار وقالت لـ greenarea.info: “لقد تبين لنا أن تزايد نسبة الانتحار خصوصا لدى الشباب لأسباب متعددة منها، مرتبطة بحالة البلد الصعبة، ومنها أسباب نفسية وفق ما أظهرته دراسة علمية بالتنسيق مع الجامعة الاميركية قسم الصحة النفسية، وسعينا سويا إلى إنشاء برنامج وطني للصحة النفسية عن الاكتئاب والتوعية ضد الانتحار، وهذا البرنامج هدفه تقديم الخدمات الصحية الإستشارية بهدف توعية الناس عن الصحة النفسية، على غرار الدول المتقدمة في معالجة الأمراض النفسية”.