تكاد لا تخلو الموائد الجنوبية في هذه الفترة من السنة من شتى أنواع النباتات البرية، وهي تتعدى الصنف الواحد على المائدة ذاتها، بحيث ينتهز سكان منطقة حاصبيا وجوارها، فرصة تناول غذاء طبيعي غير ملوّث بالأسمدة الكيميائية والمبيدات، لتنظيف أجسامهم وطرد السموم منها، ومعالجة العديد من الأمراض.
وتنتشر في الأسواق الحاصبانية، شتى أنواع النباتات التي يتهافت على شرائها السكان، كيف لا وهو موسم “السليقة” المنتظر عاماً بعد عام. ويتضمن هذا الموسم كافة أنواع النباتات الصالحة للأكل، ذات النكهة اللذيذة، ومما يضاعف ميزتها خلوّها من المواد الكيمائية، فهي نتاج طبيعي بامتياز، فالأرض لا تضن علينا بخيراتها حتى في البراري البعيدة، وفي الحقول المهملة وعلى سفوح الجبال.
لكل نبته مكان
مع صفاء الطقس، وبداية ارتفاع درجات الحرارة، تظهر العديد من النباتات في أرض الخير المعطاء، التي لا تبخل على أبناءها بخيراتها على مدار أيام السنة. فيتوزع الأهالي بين الربوع الخضراء، لانتقاء كافة أنواع النباتات الغذائية، وهي كثيرة ومتنوعة، تبدأ في الظهور تباعا بين شهري شباط (فبراير) وحتى نيسان (أبريل).
ويعتبر الكثيرون “موسم السليقة” بمثابة نزهة بريّة، وراحة نفسية وجسدية، خصوصا وأن هذه النباتات تتوزع في أكثر من مكان.
وفي هذا السياق، تقول أم هادي التي تنتظر الموسم عاماً بعد عام أن “لكل نبته مكان محدد تظهر فيه”، وتتابع “نبتة السبينخة تنتشر تحت كروم الزيتون، ونبتة المشّا في المناطق المشمسة بين الصخور، بينما تنتشر النباتات الأخرى كالعنّة الحلّيمة والبقلّة في المناطق الدافئة”.
تعدد وتنّوع النباتات
لا يقتصر إنتظار موسم “السليقة” على النساء فحسب، فهناك العديد من شبان حاصبيا والقرى المجاورة، ينتهزون الفرصة لإنتقاء النباتات المحببة لديهم، ولا سيما في الأماكن الوعرة ، التي يتعذر وصول النساء إليها.
هذا ما يؤكده الشاب صافي الشوفي لـ greenarea.info قائلا: “إن بعض النباتات تظهر بين الصخور، وفي أماكن بعيدة أو وعرة”، وأضاف: ننتشر مجموعات من الشبّان، لإنتقاء شتى أنواع هذه النباتات بكميات كبيرة لتوزيعها في الأسواق”.
ويتابع صافي أن “موسم السليقة يعدّ من المواسم المهمة التي ننتظرها، خصوصا مع تعدد وتنّوع النباتات، وتهافت الناس لشرائها”.
“لا تبخل الطبيعة في منطقة حاصبيا على أبنائها، وهي دائماً تفيض خيراً”، هذا ما أكده أبو ربيع فرزان لـ greenarea.info الذي يقوم بتوزيع النباتات في الأسواق، ويتابع “مواسم السليقة ثابته في كل عام ودائماً العرض يلبي الطلب”.
مورد رزق
ينتظر الأهالي “موسم السليقة” على أحرّ من الجمر، فهو يشّكل فرصة لتناول غذاء طبيعي صحيّ 100 بالمئة، فضلاً عن أنه يعتبر باب رزق إضافيا للكثير من العائلات. وهذه النباتات وإن كانت موسمية، إلاّ أن إرتفاع الطلب عليها، يكسبها أهمية إضافية لدى المزارعين، خصوصا وأنّها غير مكلفة ولا تحتاج إلى جهد منهم.
وتنتشر هذه النباتات بكثرة في الأسواق، فإذا تعذّر على بعض الأهالي إنتقاءها من الواحات الخضراء، فلا يحرمون منها ويقدمون على شرائها.
وفي هذا الإطار، توضح أم هادي “أن لكل نبته سعر محدد حسب نوعها وتوافرها”، ولكن بشكل عام يتراوح سعر الكيلو الواحد “بين الثلاثة والستة آلاف ليرة لبنانية”.
تتعدد أنواع هذه النباتات، أشهرها : السبينخة، الزويتا، الكراث، الدردار، العلت، الشومر، الهندباء، الصيفي، الخبّيزة، البلعصون، الشلافين، الحمّيضة، القرص عنّي، والرشاد البرّي. وهي تؤكل إما مقليّة، مطبوخة، أو على شكل سلطة، كما يمكن إستخدامها أيضاً في صنع الفطائر.
ويبقى هناك البعض منها مطلوب أكثر من غيره، ووفق أبو ربيع “يعتبر نبات السبينخة، العنّة، المقلّى (زويتا، بقلّة، حمّيض) والمشا، الأكثر طلباً”، وجميع هذه النباتات متوفرة في منطقة حاصبيا.