كم من حالات إعتداء بالرصاص، المباشر أو الطائش، نسمع عنها يومياً؟ تجد المعتدي “يعمل عنتر عليك” لأنه يحمل سلاحاً، لا يهاب أحداً. يعترضك في الطريق إذا تجاوزته بسيارتك، في زحمة السير. يشهر مسدسه في وجهك، فارضاً هيبته عليك، تهديداً بالقتل أو تخويفاً منه، إذا لم تخضع لشروطه، في ظل إنعدام هيبة الدولة، جاعلاً حياتك مرهونة برصاصة!

هذه الأجواء المشحونة، التي تترجم يومياً بأحداث محزنة،  حاولنا الاضاءة عليها، إذا كان لها بعد نفسي، بسبب تفاقم هذه الظاهرة، مع ما فيها من تعنيف، لنعرف ردة فعل خبراء علم النفس والاجتماع. وكيف ينظرون للتعاطي مع هذه الحالة الاجتماعية الخطرة؟

بعد نفسي و إجتماعي

تقول الإختصاصية في علم النفس ونقيبة المعالجين النفسيين، الدكتورة ماري إنج نهرا، لـgreenarea.info : إن الذي يحمل سلاحاً متباهياً به ويستعمله لتثبيت قوته، له بعدين: نفسي وإجتماعي. فالتحليل النفسي، يفسّر ذلك، بأن هذا الشخص، ليس لديه إحساس كاف بالرجولة، في نفسه ولا بهويته الذكورية، فيستبدل الرجولة باللآلات الدفاعية، خارج نطاقه، أي بالأسلحة، لأن الإنسان العادي يدافع عن نفسه بكلمة ما أو بحركة دفاعية. وعندما يحمل أي إنسان، سلاحاً ويتباهى به، مستنداً إلى مرجعية مادية خارج نطاقه، فهذا دليل ضعف في ذكوريته. أما من الناحية الاجتماعية، فتفسير ذلك،   أن هذا الانسان، لم يوضع له سقف معيّن في تربييته، من صغره حتى يصبح كبيراً. فلا يهاب أي رادع، بينما المفروض وضع حد  معيّن من الهيبة، لا يجب له تجاوزه. وأن يعرف أنه خاضع لقانون، لا يجب أن يتخطاه. والخطأ ليس خطأوه، بل خطأ الدولة، في عدم فرض هيبتها كما هو واجب.

بلطجة

ويشرح ألإختصاصي في الطب العام وعلم نفس، الدكتور مرام الحكيم: إن هذه الظاهرة في التباهي بحمل السلاح، إلى حد الأذية، لها أسباب عدة، منها نفسية، كالشخصية النرجسية. أوالشخصية الرافضة للمجتمع. وهناك الهوس الإكتئابي ومرض الغضب المتفجر. هذه  حالات نفسية سريعة الغضب والانفعال. عدا عن كون صاحبها “مدعوم” من جهة سياسية أو إجتماعية معينة، تمكنه من حمل المسدس، أو أي سلاح آخر، يتباهى به ويستعرض قوته على غيره. وهذا النوع من البلطجة، من الممكن أن يكون حالة مرضية، أو ظاهرة إجتماعية، أو نفسية. إنما غالباً، ينجم عن شخصية نرجسية وعن شعور بالنقص. لذلك، يلجأ المصاب بها إلى التباهي بالسلاح، إلى حد أذية الآخرين. ومن المحتمل أن يكون الفاعل منذ صغره، تعوّد على غياب التربية الرادعة  والمحاسبة، على ما يقوم به من أعمال وتعديات على الآخرين. ولو وضع حد له من طفولته، لما وصل إلى درجة الوقاحة عند الكبر. وإذا عوقب على حمل السلاح، يكون مطمئناً بأن العقاب غير قاس، كونه مدعوماً. ولا ننسى السبب الآخر، أي الضغط النفسي، الذي نعيشه والضغوطات المادية، نتيجة الازمة الاقتصادية وغياب تطبيق القوانين.

هيبة الدولة

ويعتبر الإختصاصي في الطب النفسي، الدكتور جورج كرم: أن الشخص الذي يحمل السلاح، متباهياً ويستعرض به قوته على الآخرين، ليس عنده مرض، إنما لايهاب سلطة الدولة، في ظل غيابها. لذلك، يلجأ إلى هذه الطريقة المؤذية. كما نجد أن هذه الوسيلة في التعبير، لا تقف عند الرجال فقط، بل أيضاً، عند النساء. حيث تجد امرأة تحمل سلاحاً وتطلق الرصاص في العلن، في بعض المناطق اللبنانية. هذه المظاهر الرجعية، مازالت عندنا لسوء الحظ، على عكس ما هي عليه في أميركا وأوروبا وغيرها من الدول المتقدمة، التي تخطت هذه المظاهر منذ مائة سنة. ليس فقط نظراً لتطورها، بل أيضاً، لوجود الدولة فيها.

ويحذّر الاختصاصي في الطب النفسي، الدكتور أنطوان بستاني، من إزدياد ظاهرة السلاح العلني المؤذي. ويقول: نحن البشر لدينا غرائز. وبوجود هيبة القانون والدولة، تتوقف الغرائز حتى لا تقتل الناس بعضها البعض. لكن في المقابل، إذا كان هناك شخص عديم التربية، في دولة عاجزة وفلتان مستمر، من الممكن  أن يترك العنان لغريزته، فيتباهى على غيره بقوة السلاح؛ وبذكوريته، بانه هو القبضاي بعضلاته. إذ ليست لديه أي كفاءة علمية، أو موقع إجتماعي مرموق، يتميز به. ومن المحتمل أن يكون ذلك الرجل، مصاباً باضطرابات شخصية وليست مرضية. لذلك، لا بد من إيجاد حل له، للحد من الحاقه الأذى بالاخرين، عبر فرض هيبة الدولة عليه. ومن دون أن تعطل ذلك أي حماية سياسية له.

ويشدّد الاختصاصي في الطب النفسي، الدكتور سمير جاموس  “على أهمية مخاطبة ضمير الانسان الذي يحمل السلاح للأذية”. ويقول: الذي يتصرف هكذا، يعاني من أزمة نفسية وأخلاقية. وعندما يغيب الضمير من الانسان، لا يبقى لديه رادع  أخلاقي. والضمير على الصعيد النفسي (يسمى بالفرنسية  surmoi)، إذا غاب، يغيب معه عنصر الردع، كون الضمير يتعزز بالتربية. فإاذا رأى ولد صغير تصرفاً سلبياً من والده، سيتصرف مثله عند الكبر. وعندما تغيب الأنا الأعلى، يصبح الحلّ والردع بسلطة الدولة. ودور السجون تعليم مثل هؤلاء الصح والخطأ. لكن إذا كان المسؤول يسرق ولا من يردعه، فكيف يردع المواطن العادي الذي يطلق الرصاص على الناس؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This