تسبّب تغير المناخ، وما نتج عنه من تأثيرات إنعكست بشكل مباشر على الثروات الطبيعية، وتحديداُ المائية منها، من حيث كمية المتساقطات ومواعيدها، و إمتداد سنوات الجفاف ، بندرة هذه الثروة في معظم دول العالم، حتى تلك التي تعتبر غنيّة وذات وفرة مائية.
بناءً عليه، لجأت العديد من الدول، ومنها الدول العربية، إلى تقنيات تعوّض هذا النقص في المياه، وتكون صديقة للبيئة في الوقت عينه، منها “تقنية تحلية مياه البحر”، التي أصبحت منتشرة في معظم دول العالم العربي.
إنتشار عربي
يعتقد الخبراء أن تحلية مياه البحر ستكون من الحلول التقنية المقبولة، لمعالجة نقص مصادر المياه، التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبالفعل فإن معظم الدول العربية، لجأت إلى هذه التقنية، حيث أعلنت مصادر مغربية إطلاق برنامج ضخم ، لبناء محطة لتحلية مياه البحر في جنوب مدينة أغادير على المحيط الأطلسي، بكلفة 400 مليون دولار لتحلية 275 ألف متر مكعب يومياً، من المياه البحرية الصالحة للإستعمال المنزلي والزراعي في مرحلة أولى. على أن يرتفع إنتاج المحطة إلى 450 ألف متر مكعب في مرحلة ثانية. وهذه ثالث محطة لتحلية مياه البحر في المغرب بعد محطتي العيون والداخلة.
أما في الإمارات فقد تم إنشاء أكبر محطّة صديقة للبيئة، في العالم لتحلية مياه البحر في إمارة رأس الخيمة، بكلفة تصل إلى 196 مليون دولار. في المقابل، تبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع 1,025 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يومياً.
وفي السياق عينه، تم في مصر إنشاء محطة تحلية مياه البحر بغرب بورسعيد، بطاقة 40 ألف متر مربع يوميا على مساحة خمس أفدنة تقريبا.
على صعيد لبنان
لبنانياً لا نزال نتمتع بثروة مائية كافية، تغنينا عن مشاريع تحلية مياه البحر، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أن لا ندق ناقوس الخطر، فإذا ما إستمرت سياسة تلويث مياه الأنهر والبحار، بالمياه المبتذلة من المصانع أو عن طريق حفر الآبار الإرتوازية، فإن ثروتنا هذه ستصبح بخطر.
في هذا المجال، يقول مصدر خبير في المياه لـ greenarea.info “في لبنان لسنا بحاجة إلى تحلية مياه البحر، لدينا مياه كافية شرط أن نحافظ عليها عن طريق وضع حد للتصرفات التي تضّر بها. فنحن بحاجة إلى عدم تحويل ورمي مياه الصرف الصحي في الوديان، التي تصل بدورها إلى المياه الجوفية وتؤدي إلى تلويثها، إذ نملك كمية وافرة من المياه الجوفية، ولكن يتم تلويثها بمياه الصرف الصحي”.
يتابع “كذلك يجب منع حفر الآبار الإرتوازية في المنطقة الساحلية، إذ أن حفر هذه الآبار، يسبب بتسرب المياه المالحة (أي مياه البحر) إلى المياه الجوفية، خاصة منطقتي الدامور وبيروت، بحيث أن الآبار التي تحفر في منطقة بيروت، تصدر مياه مالحة، بسبب تسرب مياه البحر إليها”.
حلول بديلة
هناك العديد من الحلول التي تحد من خسارة لبنان لثروته المائية، إذ يوضح المصدر في هذا الإطار، “بدل أن نعمل على تحلية مياه البحر، يمكن أن نخزن مياه الأمطار التي تتساقط خلال فصل الشتاء، وبينما تذهب هدراً إلى البحر، يمكن إستغلالها عبر تخزينها كمياه جوفية، شرط أن لا يتم تلويثها هي الأخرى بمياه الصرف الصحي”.
ويستطرد “على سبيل المثال، فإن مياه نهر الليطاني تكفي لبنان ودولة أخرى معه، في حين ما فعلناه هو تلويث مياه هذا النهر عبر تحويل مياه الصرف الصحي ، فالله أنعم علينا بهذه الثروة، دون الحاجة إلى عمليات الضخ والحفر ، فضلاُ عن أن مستويات المياه مرتفعة، بشكل طبيعي بدون مضخات أو كرر . ماذا فعلنا في المقابل، لجأنا إلى تلويثها.”
المحاسبة ضرورية
إن الإستمرار بهذا الإستهتار البيئي، له عواقب وخيمة على الثروة المائية، فقد تتحوّل النعمة إلى نقمة، لذلك فالمسؤولية تقع على عاتق الجهات المختّصة لمنع هذه التصرفات.
وفي هذا المجال يؤكد المصدر “المفروض محاسبة المصانع المنتشرة في البقاع والجنوب، والتي تعمد إلى تحويل مياه صرفها الصحي إلى نهر الليطاني، تحت طائلة إقفال هذه المعامل، إذا ما تم تكرير مياه الصرف قبل تحويلها إلى مجرى المياه الشتوي. ”
ويضيف “الحل يكون بتخصيص كل معمل غرفة لتكرير المياه المبتذلة، حتى تصبح نظيفة وصالحة، من ثم تحويلها إلى مجرى المياه الشتوي. أما ما يحصل، فهو تحويل هذه المياه دون تكريرها، ما يؤدي إلى تلويث مياه النهر، التي تصب بدورها في البحر، وبالتالي تلوّث مياهه.”
تفاقم المشكلة
هذا الإستهتار يفاقم المشكلة، بحيث تصبح الحلول الممكنة، صعبة ومكلفة جداً، و يوضح المصدر في هذا الإطار، “أصبحت مياه البحر مالحة وملوّثة، وبالتالي تصبح عملية شراء المياه أفضل من تحليتها و تكريرها. خاصة وأن هكذا مشاريع مكلفة جداً”.
لذلك يتابع : “المفروض من السياسين، وللحفاظ على ثرواتنا المائية، رفع الغطاء عن المخالفين وأصحاب المصانع الذين يرمون نفاياتهم في الأنهار، وفرض عليهم تخصيص غرفة لتكرير المياه المبتذلة، قبل تحويلها إلى الأنهار.”
” كذلك يجب أن تُفرض عقوبات كبيرة وقاسية على من يحفر الآبار، ويلوّثها بمياه الصرف الصحي، فهناك من يعمد إلى حفر الآبار وتحويلها إلى جور صحيّة. وللأسف لا يوجد مراقبة أو حساب، فالأشخاص المدعومين سياسياً أو من جهات أخرى، كثر مما يحول دون معاقبتهم.”
ويستطرد بالقول ” لذلك فعندما تفرض العقوبات القاسية ويرفع الغطاء عنهم، عندئذٍ يصبح لبنان بألف خير، إذ تتوافر المياه لدينا بشكل كافٍ ووافٍ”.
إذاً المحاسبة والمراقبة، هي دوماً مطلوبة في لبنان، وإلاّ فإن ثرواتنا الطبيعية تبقى على حافة الإنهيار… فهل من مجيب! ؟