يتطوّر العالم بسرعة هائلة، وفي كل يوم يتم إختراع تقنياّت ووسائل، من شأنها أن تجعل من الحياة أكثر سهولة. إلاّ أنّ هذا الأمر يأتي بمعظم الأحيان، بنتائج سلبيّة تنعكس بشكل مباشر، على مختلف الفئات الإجتماعية، تحديداً على الحلقة الأضعف منه ألاّ وهي النساء و الأطفال.
إزدادت في الآونة الأخيرة، نسب الوفيات المبكرة ، وعلى الرغم من أنّ هناك العديد من الأسباب وراء هذا الأمر، إلاّ أنّ السبب الأكبر والرئيسي يأتي بالدرجة الأولى نتيجة التلوّث البيئي.
بحيث تقدّر منظمة اليونيسف، أنه في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه، فإن 60 مليون طفل دون الخامسة سيلقون حتفهم من الآن حتى سنة 2030. أما إذا استطاع كل بلد تحقيق أهدافه الإنمائية، فإن 10 ملايين طفل سيتمكنون من النجاة.
1.7 مليون وفاة
وفي هذا السياق، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقرير “لا تلوِّث مستقبلي!”، تعزو فيه 23 في المئة من مجمل الوفيات المبكرة إلى أسباب بيئية. وترتفع هذه النسبة بين الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم من يوم واحد إلى 14 سنة، لتصل إلى 36 في المئة.
كذلك يقترح هذا التقرير الذي صدر حديثاً ، أن هناك 5 أسباب بيئية أساسية، تؤدي إلى وفاة نحو 1.7 مليون طفل دون الخامسة سنوياً. وتأتي أمراض الجهاز التنفسي، الناتجة عن تلوّث الهواء في طليعة هذه الأسباب، إذ تودي بحياة 570 ألف طفل.
في المقابل، يموت أكثر من 360 ألف طفل، بسبب الإسهال الناتج عن تعذّر الحصول على المياه النظيفة، وخدمات الصرف الصحي، في حين تسبب الملاريا بوفاة 300 ألف طفل.
وتجدر الإشارة، إلى أنّه يلقى 270 ألف طفل حتفهم، خلال الشهر الأول بسبب ظروف مثل الولادة المبكرة، التي يمكن الوقاية منها من خلال الحصول على المياه النظيفة، وتوفير خدمات الصرف الصحي، فضلا عن الحد من تلوّث الهواء.
في حين يموت 200 ألف طفل بسبب حوادث غير متعمدة ترتبط بالبيئة، مثل حالات التسمم والسقوط والغرق.
الملوّثات الكيمائية
لا تقتصر أسباب وفاة الأطفال عند هذا الحد، فهناك الكثير منها يحدث بسبب الملوّثات الكيمائية، الناتجة من المعامل والمصانع ومنتوجاتها، ولهذه الملوّثات تأثيرات على صحة الأطفال تأتي بأشكال مختلفة.
ووفق التقرير، فإنّ هذه المواد الكيميائية، إلى جانب الزئبق وعدد من مبيدات الآفات، تقلّل من ذكاء الطفل وتقلّص فترة إنتباهه وتزيد من تشتته، وبالتالي تؤدي إلى إعاقات وصعوبات في التعلّم.
فعلى سبيل المثال، يتلقى في الولايات المتحدة، واحد من بين كل ستة أشخاص، خدمات تعليمية مخصصّة لمن يعانون مصاعب في التعلّم، وهم يشكلون 6.6 ملايين شخص، تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و21 سنة.
من جهة أخرى، هناك أيضاً علاقة بين أمراض السرطان والملوّثات الكيميائية، إذ من اللافت أن معدلات سرطان الدم (اللوكيميا) لدى الأطفال، إرتفعت بمقدار 40 في المئة خلال السنوات الأربعين الماضية.
تلوّث الهواء
يعتبر التلّوث بجميع أنواعه مضّر، ولكن هناك أنواعاً أكثر ضرراً كتلوّث الهواء، الذي يؤدي إلى العديد من الأمراض في الجهاز التنفسي. بحيث يعد هذا النوع من التلوّث أحد العوامل الرئيسية، للإصابة بالربو وترتفع معدلات الإصابة لدى الأطفال الذين يعيشون بالقرب من الطرق السريعة، أو في أماكن مكتظة ضمن الأحياء الداخلية.
ووفق التقرير، فقد تضاعفت معدلات الإصابة بالربو، لدى الأطفال خلال السنوات الماضية، خاصةً في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية. فضلاُ عن معاناة 11 إلى 14 في المئة، من الأطفال على مستوى عالمي، من أعراض الإصابة الربو، التي ترتبط في 44 في المئة من حالاتها بالإنكشاف على الأخطار البيئية.
في المقابل، فإنّ الحد من التلوّث له إنعكاسات إيجابيّة مباشرة. إذ يظهر تقرير منظمة الصحة العالميّة، أنّ تخفيف تلوّث الهواء داخل المنازل وخارجها، وتحسين المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وحماية النساء الحوامل من التعرّض للملوثات، وبناء بيئة أكثر أماناً، يمكن أن يحول دون وفيات الأطفال، والإصابة بالأمراض. وتقدّر المنظمة أن هذه الإجراءات، تكفل الحفاظ على حياة نحو 1.5 مليون طفل سنوياً، دون الخامسة يلقون حتفهم بسبب المخاطر البيئية.
أمثلة ووقائع
لجأت الكثير من الدول الكبرى، إلى حلول من شأنها التخفيف من وطأة تأثير التلوّث البيئي، وقد نجحت في الحد من الوفيات الناتجة عن هذا الأمر. مما يعني إمكانيّة طرح وإعتماد خطط ذات نتائج بيّنة، في هذ المجال.
على سبيل المثال ، أقرت وكالة حماية البيئة الأميركية إزالة الرصاص من البنزين في 1975، وقد أدى هذا الإجراء إلى انخفاض مستويات الرصاص في دم الأطفال، في الولايات المتحدة بأكثر من تسعين في المئة، كما سجلت زيادة بمقدار 5 نقاط في معدلات الذكاء لدى الأطفال في جميع أنحاء البلاد.
وفي عام 1970، عندما اعتمدت الولايات المتحدة قانون الهواء النظيف، إنخفضت الملوّثات الهوائية الرئيسية الستة، (الجسيمات الدقيقة، الأوزون الأرضي، أول أوكسيد الكربون، أكاسيد الكبريت، أكاسيد الهيدروجين، والرصاص) بأكثر من 70 في المئة.
وكان لهذا الأمر فوائد في جوانب أخرى أيضاُ، تمثّلت في إرتفاع الناتج المحلي الإجمالي، بمقدار 250 في المئة. ويتوقع أن تؤدي هذه التوجهات الجديدة، إلى زيادة حالات الربو والالتهاب الرئوي، والولادة المبكرة في الولايات المتحدة.
تدّق هكذا تقارير، ناقوس الخطر بالنسبة إلى أطفال العالم، مما يحتّم على الدول والجهات المعنيّة، إيجاد الحلول السريعة والفعّالة، من أجل خفض نسب التلوّث للحفاظ على البيئة، حتى لا يصبح دمارها شاملاً على كافة الصعد.