يعتبر تغيير المناخ أحد أهم المشاكل التي يعاني منها عصرنا الحالي، وتكمن خطورته في أنّ تداعياته السلبيّة، تتضاعف يوماً بعد يوم ، مما يجعل من حل هذه المشكلة ، أمراً محتوماً وواجباً يقع على عاتق جميع الجهات المعنيّة والدوليّة.
إذ يكاد لا يخلو يوم، من إصدار ونشر تقارير تكشف مدى خطورة تغيير المناخ، ودوره في قلب نظام الكون رأساً على عقب، لا سيما وأنّه يهدّد مختلف جوانب الحياة، البشريّة منها والحيوانيّة وحتى البحريّة.
توّقف نمو الأسماك
وفي هذا الإطار، كشفت دراسة حديثة أن التغير المناخي، المتوّقع أن يشهده العالم خلال العقود المقبلة، قد يؤدي إلى أن تصبح الأسماك أصغر حجماً، بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة من أحجامها حالياً.
وأضافت الدراسة أنّ إنكماش حجم السمك بهذه النسبة، يمكن أن يحدث في حال إرتفعت درجات الحرارة، في المحيطات بمقدار درجتين مئويتين.
تفصيلياً وحسب الدراسة التي نشرتها صحيفة “غلوبال تشينج بيولوجي”، فإن الأسماك تحتاج مزيداً من الأوكسيجين، إذا أصبح الماء الذي تعيش فيه أكثر سخونة.
وبالتالي تضطر إلى التكيّف مع الوضع الجديد، فتصغر أحجامها بشكل تدريجي. بحيث تتسارع عمليات الأيض، وعندئذٍ تحتاج الأسماك إلى كمية أكبر من الأوكسيجين للحفاظ على وظائف جسمها.
معاناة إضافية
ولا تقتصر معاناة الأسماك عند هذا الحد، إذ تضيف الدراسة ، أنّ الخياشيم لن تتمكن من إمداد الجسم بالكمّ الكافي من الأوكسيجين، وبالتالي فإنّه يتوقف عن النمو. لا سيما وأنّ حجم الخياشيم يزيد بوتيرة أقل بطئاً، من الزيادة في حجم جسم السمكة، فعلى سبيل المثال تنمو خياشيم سمكة القد بنسبة 80 في المئة، في الوقت الذي ينمو به جسمها بنسبة 100 في المئة.
وبهذا الصدد، قال البروفسور ويليام تشيونغ، من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، الذي شارك في كتابة الورقة البحثية ، ” إن الأسماك كحيوانات باردة ، لا تستطيع تنظيم درجة الحرارة في أجسادها”.
هجرة الأسماك
في الجهة المقابلة، كشف الأكاديمي محمد غوك أوغلو، في جامعة “أقدنيز” التركية ، عن بدء تغير التنوّع السمكي في البحر المتوسط، لصالح الأسماك الإستوائية (المدارية)، بعد إستيطان أنواع من سمك البحر الأحمر في المتوسط.
جاءت هذه النتيجة، جراء عدّة عمليات غوص، أجراها غوك أوغلو، الأستاذ في كلية الثروّة السمكية بالجامعة، حيث أظهرت الصور الملتقطة زيادة كبيرة، في الأماكن التي تتخذ منها أسماك بحر الأحمر، عشّاً لوضع بيوضها. كما أظهرت وجود أنواع من الأسماك السّامة، التي يعود أصلها إلى المحيط الهندي.
فعلى سبيل المثال، ووفق غوك أوغلو أنّ سمك الكاردينال، الذي يعود أصله للبحر الأحمر، ارتفعت أعداده بنسبة كبيرة جداً في المتوسط وأصبحت بالآلاف.
كذلك فإنّ “بلدان حوض المتوسط تسّجل كل يوم نوعا جديداً، من في بحارها؛ ما يدّل على وجود هجرة أسماك كبيرة “. والسبب كما يوضح هو “الإحتباس الحراري، والتغيير في مياه البحر، وتوسيع وتعميق قناة السويس، والتغيير في نسبة المياه العذبة التي تفد في البحار”.
وتشكّل هجرة أنواع الأسماك هذه، تهديداً مباشراً يطال الأنواع الأخرى الموجودة، فوفق ما يشير غوك أوغلو أنّ “إستيطان الأسماك الأجنبية في المتوسط، سيقضي على أنواع السمك المحلي ، خاصة وأنّ الأنواع الأجنبية ومنها سمك الكاردينال لديها القدرة على إلتهام الأنواع المحليّة”.
الأنواع المتضررة
يلعب تغيير المناخ دوراً سلبيّاً على صعيد الحياة البحريّة بشكلٍ عام، إلاّ أنّه يبقى هناك بعض الأنواع من الأسماك، التي تعتبر الأكثر تضرراً.
إذ وفقاً للتوقعات الأخيرة، الصادرة عن الفريق الدولي المعنيّ بتغير المناخ، والمعروف عالمياً باسم (إبك)، فإنّه بحلول نهاية هذا القرن، سترتفع درجة حرارة مياه البحر، ما بين درجتين إلى أربع درجات مئوية، الأمر الذي سيكون له عواقب مباشرة على المنتجات البحريّة، التي تعتبر مصدر للدخل القومي في العديد من البلدان.
ومن هذه المنتجات المحار(نوع من الحيوانات الصدفية المائية)، بحيث لا يمكنه الحياة لوقت طويل في المياه الدافئة، فقد تؤثر الأخيرة على أنسجته، مما يضطره إلى ضخ مياه لتبريد أعضائه الحيوية الصغيرة.
ولكن في المقابل، فإنّ هذه العملية تسرّع من التمثيل الغذائي، وتستنفذ جزءاً كبيراً من الطاقة المحدودة، لهذا الحيوان البحري الصغير، مما يؤدي إلى إنتاج جيل من المحار أقل وزنا وأقصر طولا.
كذلك فإنّ المياة الدافئة تؤثر على فسيولوجية الكابوريا (السلطعون)، وتجعلها أكثر عرضة للهجمات من قبل الفيروسات والبكتيريا.
على الرغم، من قدرة المخلوقات البحريّة على التأقلم مع التغيرات التي تحصل من حولها، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّ هذا التأقلم سيكون إيجابياً. لذلك يحاول العلماء دراسة نماذج، تقي من مخاطر المياه الدافئة، وكيفية التأقلم معها عن طريق إستعدادات مسبقة.