بداية، مبروك لمصر إنجازها الطاقوي الكبير، عله يشكل مثالا يحتذى من قبل لبنان وبلداننا العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مصر، التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، والتي تشهد أكبر نسبة نمو ديموغرافي في المنطقة، مع ما يرافق ذلك من ضغوط وتحديات اقتصادية واجتماعية على كل المستويات، وفي المقدمة منها قضايا تطوير القطاع الصحي والتعليمي والمواصلات وتوفير فرص العمل، تقدم نموذجا باهر النجاح مع افتتاح محطة إنتاج الكهرباء بالرياح، الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، في منطقة “جبل الزيت” في محافظة البحر الأحمر جنوب شرق البلاد.
يأتي هذا المشروع العملاق، الذي تم إنجازه وربطه بالكامل مع الشبكة الكهربائية الموحدة لعموم مصر، كخطوة رائدة على طريق تحقيق الهدف، الذي وضعته الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، المتمثل بالوصول إلى نسبة لا تقل عن 20 بالمئة من الطاقة النظيفة والمتجددة في قطاع الكهرباء مع حلول العام 2022.
تحقق مشروع توليد الطاقة الكهربائية من الرياح، الذي يتضمن 390 توربينة رياح بقدرة 580 ميغاوات، على ثلاثة مراحل. المرحلة الأولى، تركيب 120 توربينة بقدرة 240 ميغاوات، والثانية، تركيب 110 توربينات رياح بقدرة 220 ميغاوات، والثالثة، تركيب 60 توربينة بقدرة 120 ميغاوات. مع ربط هذا المشروع بالشبكة الكهربائية الموحدة يكون مجموع القدرات المركبة من طاقة الرياح في الشبكة الكهربائية المصرية حتى هذا التاريخ قد بلغ 750 ميغاوات.
هذا المشروع الكبير بحجمه وأهميته الاستراتيجية، على طريق تحقيق الإستهداف الموضوع لقطاع الكهرباء بأن لا تقل نسبة الطاقة النظيفة والمتجددة عن 20 بالمئة في العام 2022، تم تنفيذه خلال فترة 30 شهرا فقط، أي بسرعة تنفيذ فائقة وبمواصفات عالية.
هذا المشروع الطاقوي النظيف والمتجدد، تم تنفيذه مع احترام كامل لشروط الإدارة البيئية السليمة، وفق التشريعات البيئية الوطنية المصرية، مع الإلتزام الكامل بمتطلبات التشريعات البيئية الأوروبية والعالمية. من المعروف، أن المؤسسات المالية الأوروبية، التي تمول أو تشارك في تمويل مشاريع تنموية في مصر أو غيرها، تشترط الإلتزام الكامل بمتطلبات التشريعات البيئية الأوروبية، لجهة إعداد الدراسات البيئية، بما فيها دراسات تقييم الأثر البيئي والإجتماعي، وكذلك خطط إعادة التوطين، وفق ما تقتضيه التوجيهات والمعايير الأوروبية، والسياسات البيئية والإجتماعية لهذه المؤسسات التمويلية، مثل بنك الإستثمار الأوروبي وبنك التعمير الألماني، والمفوضية الأوروبية وغيرها. تشترط هذه المؤسسات أيضا، وتشارك بمراقبة تنفيذ خطط الإدارة البيئية والإجتماعية في كل مراحل تنفيذ المشروع، ولا سيما في مرحلة البناء والإنشاء، وفي مرحلة التشغيل والصيانة.
مشروع طاقة الرياح في “جبل الزيت” في مصر، مجهز بمنظومة لمراقبة الطيور المهاجرة من خلال الرادار، وهي من أحدث المنظومات في العالم. يتم وقف التوربينات عند مرور أسراب الطيور المهاجرة، التي يلتقطها رادار المنظومة، ويتم إعادة تشغيلها بعد ابتعاد أسراب الطيور وتواريها. هذه المنظومة الحديثة والمتقدمة، والتي تعمل آليا، تستخدم لأول مرة في العالم.
ليكن إنجاز “جبل الزيت” مثالا يحتذى.
فهل تسارع حكومة لبنان، ووزارة الطاقة والمياه لأخذ العبر والإستفادة في ما تقوم به من جهود لتحقيق الهدف الموضوع بتوليد 20 بالمئة من الطاقة النظيفة والمتجددة في قطاع الكهرباء في لبنان في العام 2020؟ وتحقيق هدف تأمين 12 بالمئة من الطاقة النظيفة والمتجددة من حاجات لبنان للطاقة عموما؟ أم أننا لا نزال نحبو حبواً نحو تحقيق الأهداف، التي فاخر لبنان بإعلانها في مؤتمر باريس لتغير المناخ؟ هل سيتم احترام القوانين والمراسيم والتشريعات البيئية الوطنية في تنفيذ هذه المشاريع التنموية في مجال قطاع الطاقة وغيرها؟ وهل سيتم الإلتزام بمقتضيات ومتطلبات التشريعات والمعايير الأوروبية عند تنفيذ المشاريع الممولة بقروض من مؤسسات مالية أوروبية؟
نحن نطالب بوحدة المعايير في هذا المضمار أيضا، ونرفض ازدواجية المعايير، التي تمارسها بعض المؤسسات التمويلية العالمية بقروض من البنك الدولي وغيره، كما هي الحال مع سد جنة وسد بسري، حيث شهدنا بدء الأعمال فيها على الرغم من الدراسات البيئية والإجتماعية غير مكتملة شروط القبول، بل أحيانا المرفوضة أصلا.