لا تنته تداعيات جائحة كوفيد -19 ، التي طالت مختلف جوانب الحياة المتوقعة وغير المتوقعة. وآخر هذه التداعيات وليس آخرها، قطع سلاسل التوريد وإنقاص المعروض من المنتجات الغذائية خلال الأشهر الماضية. وترافق ذلك مع ارتفاع الطلب والأسعار إلى أعلى المستويات، مما سهل للمنتجات المزيفة والمغشوشة، التسلل إلى الأسواق مستفيدةً من تهافت الكثيرين على الشراء.
سجل في أكثر من دولة عالمية، عمليات ضبط للغش الغذائي ، ففي الكويت مثلاً، ضبطت وزارة التجارة والصناعة مع نهاية سنة 2020 ، ما وصفته بأنه أكبر عملية غش وتقليد للمواد الغذائية في تاريخ البلاد. كما رصدت مؤخراً في أسواق متعددة حول العالم، منتجات غذائية لبنانية تقليدية معلبة منخفضة الجودة، تحت أسماء مزورة لأصناف تاريخية مشهورة.
أن الغش الغذائي يحتوي على العديد من المخاطر، إذ تنطوي المنتجات الغذائية المزيفة على خسائر اقتصادية باهظة، ومخاطر كبيرة على الصحة العامة. في حين يستغل المحتالون التقدم العلمي والتقني، لتصنيع أطعمة مزيفة على نحو متقن لا يمكن تمييزها، في المظهر والمذاق عن الأغذية المعدة من منتجات طبيعية أصلية.
أدت عمليات ضبط الغش الغذائي إلى إستنفار دول العالم، نظراً إلى خسائرها الكبيرة. إذ تشير التقديرات إلى أن قيمة الخسائر السنوية، تصل إلى 50 مليار دولار على مستوى العالم. ومع ذلك، تبقى خسائر الغش الغذائي قليلة الشأن بالمقارنة مع مخاطره الصحية.
في حين تواجه مختبرات الرقابة على الغذاء، حتى في الدول المتقدمة، مصاعب في مواكبة أساليب الغش. بحيث لا تتجح الأساليب التقليدية أحياناً في كشفه، و بالتالي تتطلب استخدام تقنيات محددة .
اليوم وعلى الرغم من التطور التقني الكبير وإمكانية كشف مختلف أساليب الغش، لا يزال العالم يعاني من عمليات غش غذائية. ففي نهاية 2020، أعلن مركز العلوم والبيئة في نيودلهي أن 10 من أصل 13 (77 في المائة)، من العلامات التجارية الهندية تبيع العسل المغشوش بشراب السكر الاصطناعي (الذرة والشمندر والرز وقصب السكر)، المستورد من الصين. وجاء هذا الإعلان في أعقاب سلسلة من الاختبارات باستخدام الرنين المغناطيسي النووي أجريت في ألمانيا، حيث لم تتمكن المختبرات الهندية من كشف الغش.
في الجهة المقابلة، تتضافر جهود علماء الكيمياء التحليلية حول العالم، لتشكيل تحالفات في وجه مافيات تزييف الغذاء الدولية. ومن بين التحالفات الجديدة مشروع مشترك بين الاتحاد الأوروبي والصين، يهدف إلى حشد الموارد لصياغة رؤية موحدة حول سلامة الأغذية وأصالتها، بمشاركة 33 منظمة بحثية تعمل في مكافحة الغش الغذائي، وبناء قواعد البيانات لتتبع حالات الاحتيال المثبتة.
وتعتبر معايير سلامة الغذاء الأوروبية من بين الأعلى عالمياً، بفضل تشريعات الاتحاد الأوروبي التي تضمن سلامة الغذاء للمستهلكين. وفي ما يعد نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف التابع للاتحاد، أداةً رئيسيةً لضمان تدفق المعلومات وتمكين الاستجابة السريعة، عند اكتشاف المخاطر على الصحة العامة في السلسلة الغذائية.
ويتيح هذا النظام، الذي بدأ في 1979، مشاركة المعلومات بكفاء بين الدول الأعضاء، ويمكن أن تؤدي المعلومات الحيوية التي يتم تبادلها إلى سحب المنتجات من الأسواق.
أما على الصعيد العربي، الذي بدوره يعاني من الغش الغذائي فإنّ الدول العربية ترتبط بالشبكة الدولية للسلطات المعنية بالسلامة الغذائية (إنفوسان)، التي تأسست في 2004 وتديرها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، للتشجيع على تبادل المعلومات بشأن السلامة الغذائية.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي، يوفر نظام الإنذار الخليجي السريع للأغذية والأعلاف آلية للتبليغ عن السلامة الغذائية في الإقليم، بما يدعم نظم الإنذار الوطنية.