“صرنا عم نفش خلقنا ببعض ..ماحدا طايق التاني ..” كم من المرات سمعنا هذه العبارات ضمن العائلة الواحدة في لبنان و للاسف لم يدفع الثمن سوى الطفل الذي يكون كبش محرقة يتلقى هذه الاجواء المشحونة على شخصيته اليانعة .ليطرح السؤال نفسه : ما هي التداعيات النفسية عليه مستقبلا ؟ خصوصا في ظل هذه الضغوطات اليومية التي نعيشها باتت اقوى مما نتحمل حتى هزت العائلة باكملها .اما زادت من الشرخ الى حد الطلاق او ضاعفت من التعنيف اللفظي الى التعنيف الجسدي . فما هورأي خبراء علم النفس امام هذا الواقع المرير الذي نعيشه ؟
الواقع المزري للاطفال في لبنان
وفق بحث اعدته اليونيسف ان الأزمة المتفاقمة في لبنان تؤدي الى فقدان الأطفال الأمل وتمنع الأسر من توفير أساسيات الحياة . حيث كشف التقرير عن الواقع المزري للأطفال في لبنان، بعد مرور ثلاثة أعوام على أزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة، وأصبح لزاما على الكثيرين منهم العمل لإعالة أسرهم، ما أدى الى تدهور صحتهم النفسية نتيجة حرمانهم من أساسيات العيش قلبت الأزمات المتراكمة حياة الاطفال في لبنان رأسا على عقب، بدءا من الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، منذ ثلاثة اعوام، مرورا بجائحة كوفيد-19، وصولا الى تفجيرات بيروت المدمرة واستفحال الغلاء.
تجدر الاشارة الى وفق ممثل اليونيسف في لبنان إدوارد بيجبيدر “أنه الى جانب تأثير الأزمات المباشر على رفاهية الأطفال، يمكن أن يكون لفقر الأطفال عواقب تدوم مدى الحياة، ما يؤثر على قدرتهم على تحقيق إمكاناتهم الكاملة ويؤدي الى إستمرار مكوثهم في دوامة الفقر والحرمان”.
كذلك، أظهر بحث اليونيسف أن الأسر في لبنان تعاني من فقر متعدد الأبعاد، بسبب إنتشار البطالة، ما يعني أن مستويات الدخل ليست وحدها التي ما عادت تكفي، بل أن تلك الاسر ما عادت قادرة حتى على توفير أساسيات العيش الى أطفالها. تبدل أسلوب حياة الأسر في لبنان كثيرا، حتى بين هؤلاء الذين كانوا يعتبرون ضمن الطبقة الوسطى، فها هم يعانون الآن من إستحالة تسديد قيمة النفقات الاساسية التي أصبحت تفوق قيمة دخلهم الشهري.
ازاء ذلك و نتيجة التضخم المستمر، وإرتفاع أسعار السلع الأساسيّة، الى جانب معدلات البطالة المرتفعة، فإن 84% من الأسر التي تحدثت عنها اليونيسف أخيرا، لا تملك ما يكفي من مال لتغطية حتى الضروريات، ما أدى الى ذهاب 23% من الأطفال الى الفراش جائعين مما تضطرّ 70% من الأسر الى إقتراض المال لشراء الطعام، ويضطرّ البعض الى بيع أثاث المنزل لتوفير الطعام الى أفراد العائلة بسبب الوضع الإقتصادي، و النتيجة تنهار العلاقات الأسرية، وبات شبه مستحيل أن يوفّر مقدمو الرعاية ما يحتاج إليه كل طفل وتلبية رغباته.
خلاصة القول انه كل ما يمرّ به الأطفال اليوم يؤدي الى تأثر علاقتهم بمقدمي الرعاية فيتلاشى، بشكلٍ أو بآخر، إحترامهم للآباء والأمهات في مختلف أنحاء لبنان وهو ما يخلق لدى الأأهل بدوره شعورا بالذنب. عدا الإحساس بالإحباط كبير جدا لدى الآباء بسبب عجزهم عن منح اطفالهم ما يحتاجون إليه من اولويات.
و هكذا مع إنهيار “هيكل الأسرة” على من فيه، وجدت أبحاث اليونيسف أن 36% من مقدمي الرعاية يشعرون بأنهم أصبحوا أقل تسامحا مع أطفالهم ويعاملونهم بقسوة أكبر.
الصدمة النفسية المزمنة
في هذا السياق تحدثت باسهاب الاختصاصية في علم النفس الدكتورة مايا بو خليل عبر ل greenarea.info عن مدى تأثير الازمات على الحياة العائلية مما قالت :”تتميز سلسلة الأزمات في لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية الى الازمات السياسية والأمنية بانعكاسهم المباشر على الفرد وعلى العائلة بشكل خاص إذ أنها تهاجم وتصيب الروابط العاطفية بين أفرادها. ”
و تابعت بو خليل قائلة:” تشكل تلك الأزمات المتراكمة ما يسمى بالصدمة النفسية المزمنة trauma chronique التي تسبب جرحا نرجسيا يترجم بالمشاعر التالية:
1- الشعور بالخسارة
2- الشعور بالعجز
3- الشعور بفقدان السيطرة على المستقبل
4- القلق على المستقبل والعصبية المفرطة
5- الشعور باليأس وفقدان الطموح
تنعكس هذه المشاعر على العائلة بسبب هشاشة العلاقات العائلية في المجتمعات الحديثة والتوقعات العالية لدى الجيل الجديد من الحياة الزوجية ومن تأسيس عائلة. كما وأن العائلة هي المكان الأنسب للتعبير عن جميع المشاعر. فهي المسرح التي تحدث على خشبته كل المشاهد النفسية الداخلية والتي يعبر عنها بحرية مطلقة: حرية ممكن أن تصبح استغلالا لهذه المساحة ولباقي أفراد العائلة في بعض الأحيان.”
التواصل غير البناء
الجدير ذكره وفق بوخليل انه :”ينتج عن مشاعر ما بعد الأزمات سلوكيات متعددة معظمها غير سليم ويؤثر على ديناميكية العائلة ككل. نذكر مثلا على صعيد التواصل :
– انقطاع التواصل
– التواصل بعصبية بطريقة سلبية أو عنيفة (تحميل العائلة ذنب خسارة الأموال أو العمل أو عدم توفر الراحة المادية السابقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
– التواصل الغير مجدي وغير البناء
كما وتوثر هذه المرحل على قدرة الأهل على تفهم الأطفال واحتوائهم والتعاطف معهم. ينتج عن ذلك تعلقا غير آمن أومضطرب يوثر على شخصية الولد في المستقبل وعلى قدرته على التعرف على مشاعره والتعامل معها.”