خبيب معلوف – السفير

في ظل كل هذه الفوضى التي ضربت البلاد عامة، لاسيما في موضوع أزمة النفايات، ضاعت المعايير والمبادئ وأصبح كل شخص «خبير»! فكيف يمكن إعادة الأمور الى نصابها الصحيح؟
بالإضافة الى اقتراحنا السابق بعودة الموضوع أولاً الى الوزارة المعنية، يفترض العودة أيضاً الى المبادئ البيئية التي يفترض أن تستند إليها وزارة البيئة نفسها وكل من يريد أن يقارب ملفاتها من قريب او بعيد. لعل اول المبادئ التي يفترض احترامها واعتمادها لتقييم أي خيار او تقنية، هو مدى شمولية هذا المبدأ. على قاعدة أن كل مبدأ لا يعرف مدى صحته الا في حال تطبيقه. فإذا حصل خير عام وشامل من خلال تطبيقه، اعتبر مبدأ عام وصالح.
انطلاقاً من ذلك، يمكن الحكم على السجال مؤخراً حول محرقة ضهور الشوير، وقبلها محرقة شكا، ومبدأ ان تقوم كل بلدية بإيجاد حل لنفاياتها عبر استيراد محرقة خاصة على سبيل المثال. بغض النظر عن نوعية هذه المحارق الصغيرة، فاذا تم تطبيق مبدأ لكل بلدية محرقة لمعالجة النفايات، فسنكون امام غابة من المحارق، تحرق المناطق اللبنانية كافة. وهو خيار خطر جداً من الناحية البيئية والاقتصادية، يستحيل ضبطه.
كما من غير المنطقي على الإطلاق ادعاء وزراء او خبراء أنه يمكن اعتماد تكنولوجيا طالما هي معتمدة في دول متقدمة. ومن غير المقبول اتباع قاعدة تقول إنه في حال تعذر وجود معايير أو مواصفات لبنانية، يجب الاعتماد على المعايير والمواصفات الأوروبية. فلكل دولة مساراتها لتبني خطط علمية او صناعات او مواصفات محددة. فكما هو معلوم، فإن زيادة حجم النفايات زاد مع الثورة الصناعية الغربية، وقد تمّ تطوير صناعة حرق النفايات أكثر من مرة من ضمن عملية تطوير أي صناعة منتجة للسلع ونفاياتها وضمن نظام معقد من التصنيع والتلويث والمعالجة والمراقبة والمواصفات والتخصص، لا يمكن نقل جزء منه (من هذا النظام الى آخر) دون سواه. بمعنى لا يمكن نقل محرقة متقدّمة من بلد متقدّم الى بلد نامٍ، لا يتمتع بالنظام المتكامل نفسه من ناحية التصنيع وإعادة التصنيع والمعالجة والمراقبة، بالإضافة الى ضرورة ان يتمتع بنظام قيمي وقانوني واقتصادي مماثل.
هذه بعض القواعد الأولية التي يفترض من خلالها تقييم اجراء استيراد محارق، كما هو مطروح حالياً، بغض النظر عن مدى تقدم تقنية الحرق، والتي تبين عدم صوابية هذا الخيار.
صحيح أن فشل كل الخطط في لبنان وعودة النفايات الى الشوارع هي التي دفعت الى اعتماد خيارات متسرعة وجنونية مثل استباحة استيراد المحارق او الترحيل، إلا ان العلة الأساسية كانت ولا تزال هي نفسها في غياب استراتيجية شاملة يمكن على أساسها تقييم الحالة اللبنانية ونوعية النفايات وطرق التخفيف والمعالجة محلياً.
نسارع الى القول، انه مهما كانت الاستراتيجية او التقنية المنقذة، فشيء أساسي يجب أن يتغير في لبنان، لكي نستطيع الخروج من هذه الأزمة التي باتت قاتلة ومهددة لأسس الحياة. العقلية اللبنانية (المسيطرة) يجب أن تتغيّر. عقلية «التشاطر» و «التشاوف» يجب أن تتغير. فمن الأساس دفعنا كلفة عالية لمعالجة النفايات، لسبب رئيسي هو «شوفة الحال»، قبل أي سبب آخر. فمن كان يهتم لموضوع النفايات (سواء في كيفية المعالجة او في الاستثمار) بعد نهاية الحرب الاهلية والدخول بشراهة ونهم لاستهلاك أي شيء دون حساب؟!
عندما تقع الكوارث، يفترض أن نتصارح أكثر. هناك فئة كبيرة من الناس تنظر بازدراء لموضوع النفايات وللعاملين فيه بشكل او بآخر. هذه النظرة يجب أن تتغير لكي نستطيع الخروج من الأزمة، قبل البحث في أي تقنية.
كما هناك أكثرية (ساحقة أو مسحوقة) شكلية، تهتم بالشكل أكثر من المضمون في كل شيء. هذا الاهتمام المبالغ به في الشكل يعتبر اكبر مصنع لإنتاج النفايات. فاذا تأملنا في النفايات، نجد ان وجود معظمها هو لأسباب شكلية وليس جوهرية، من اكياس النايلون الى اغلفة السلع الاستهلاكية على انواعها… الخ هذه القيم الشكلية يجب ان تتغير ايضاً ولنعد الى القيم التي تركز على الجوهر والمضمون. فالسلعة القيّمة هي السلعة «الضيان» ولو على حساب الشكل. فالقيمة لمدة استدامة السلعة وليس للجديد فيها ولا للشكل الحسن. وللحديث صلة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This