د. ناجي قديح

يبدو أن حفلة جنون الحكومة لا تزال مستمرة، وهي مصرة على إتمام صفقة “تصدير” النفايات، المشبعة فسادا وسوء إدارة للمال العام. وهي مستمرة أيضا في تجاهل كل الخيارات العقلانية التي تقرع رأسها، دون أن تجد من يجيب، وكأني بها تناكد الشعب اللبناني كله، وليس فقط البيئيين الذين ملأوا البلد مبادرات بيئية وعلمية وعقلانية، واقتراحات تنتمي بالأصالة لمفهوم التنمية المستدامة، الذي تجهله الحكومة أيما جهل، ويصعب عليها هضمه أو استيعاب ما يعنيه.
فـ”ترحيل” النفايات، كما يحلو لجهابذة الحكومة القول، هو وفق كل الناس العاقلين في لبنان وخارجه، إقرار بالإفلاس، والعجز، والقصور، وهو إشهار للكيدية والصلافة في وضع اليد على مال الصندوق البلدي المستقل، والتصرف به وفق مسارات الهدر والسرقة والنهب والسمسرات والعمولات، تحت كل مسميات مراحل الترحيل المجنون هذا.
بكلفة لا تتجاوز عشر (10/1) مجموع كلفة “الترحيل” يمكن أن يتم إنشاء وتجهيز وتشغيل عشرات المراكز، في مختلف المناطق اللبنانية، إضافة للثلاثة عشر (13) مركزا الموجودة حاليا والجاهزة للتشغيل، والقابلة لزيادة قدراتها كي تستوعب أضعاف قدرتها الحالية.
وهناك عشرات المصانع والمعامل التي تستوعب كل المواد القابلة للتدوير، من ورق وكرتون، ومعادن، وبلاستيك، وزجاج.
وتظهر جولة الحركة البيئية والحراك المدني، التي انطلقت اليوم، وستستمر في الأيام القادمة، باتجاه هذه المراكز والمعامل، أن هناك عددا غير قليل من معامل فرز ومعالجة النفايات، ومعامل تدوير ومعالجة بعض مكونات النفايات بطرق سليمة بيئيا واسترداد قيمتها. وتكتشف عن قرب قدرات كل منها، فإذا بمعمل فرز العمروسية يستطيع استقبال 700 طن يوميا، ومعمل الكرنتينا لما يزيد عن 1500 طن يوميا، وكثير من المعطيات، التي إن وضعت بين يدي حكومة عاقلة، لا يضربها جنون الفساد والسمسرة، لكانت أقامت أفضل نظام للإدارة المتكاملة، السليمة بيئيا، والآمنة صحيا، والتي تنتمي بكل تفاصيلها إلى التنمية المستدامة، التي يحتاجها لبنان ويطمح إليها، مراكز للفرز، ومعامل للتدوير، ومعامل للمعالجة والتسبيخ، أو للهضم اللاهوائي لاستخراج الغاز واستعماله لإنتاج الطاقة، معظمها موجود، ويمكن بقرار عاقل أن يتم إنشاء المزيد منها وتجهيزها وتشغيلها بوقت قياسي، أين منه وقت استهتار الحكومة بالنفايات المتراكمة في شوارع العاصمة والبلد الذي يستمر للشهر السابع على التوالي. وهي تحيك طبخات وصفقات، تارة لمطامر في مناطق “الأطراف”، كما يسمونها تعبيرا عن الاستخفاف بالناس والتعالي عليهم، وطورا لصفقة “الترحيل” التي لم تكتمل فصولها بعد.
حملت لنا أخبار اليوم، معلومات عن احتمالات وجهة ترحيل النفايات، فذكرت تركيا وغانا ولاتفيا.
فبدل أن تشرع الحكومة بوضع نظام لإدارة النفايات يرتكز على القدرات التقنية المتوفرة والقابلة للتطوير، لا تزال “تكافح” لاهثة وراء إتمام صفقة “الترحيل” الفاقعة بعفونتها.
“لاتفيا”، هي دولة طرف في اتفاقية بازل، وهي عضو في الإتحاد الأوروبي، وبالتالي إذا كان هذا البلد هو الوجهة الحقيقية لنفايات لبنان، فلا بد من الاحترام الصارم والشفاف لكل قواعد الشحن الأوروبية، والتزامات وشروط اتفاقية بازل، من قبل بلد التصدير والاستيراد وبلدان العبور، وإصدار الموافقات النظيفة المسبقة لعملية الاستيراد والعبور وفق الأصول، وأن يتم ذلك بعلم وتحت إشراف سكرتارية اتفاقية بازل. وعلى النفايات أن تصل إلى منشأة مرخصة للمعالجة السليمة بيئيا، تصدر تقريرا عن ذلك بعد الانتهاء من معالجة كل شحنة والتخلص منها.
تركيا أيضا دولة طرف في اتفاقية بازل، وهي تتمتع بأراض واسعة لإنشاء مواقع للمعالجة والتخلص من النفايات. ويصح عليها ما سبق ذكره عن لاتفيا، إلا إذا كان المقصود بوجهة الوصول “قبرص التركية” فتكون العملية “اتجار غير مشروع” منذ لحظتها الأولى. فالجزء “التركي” من قبرص ليس دولة ذات سيادة قانونية، ولا هي سلطة شرعية معترف بها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ولا هي دولة يعترف بها لبنان ويقيم معها علاقات. وقبرص “التركية”، هي بمعنى ما أرض محتلة، أقيمت إثر الغزو التركي لقبرص في تموز (يوليو) – آب (أغسطس) 1974، عندما أنزلت تركيا قواتها في الجزء الشمالي من قبرص يوم 20 تموز (يوليو) 1974. وقد أعلنت جمهورية شمال قبرص التركية على الجزء المحتل من قبرص في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1983. ولم تحظ هذه الجمهورية إلا باعتراف تركيا فقط.
فإذا كانت الحكومة اللبنانية تنوي التعاقد مع شركة تنقل نفايات لبنان إلى هذه المنطقة المحتلة من قبرص، والتي تقوم عليها سلطة غير شرعية وفق القانون الدولي، وغير معترف بها، فتكون في حالة “إتجار غير مشروع” وفق أحكام اتفاقية بازل التي ينتمي إليها لبنان، منذ لحظة تحرك البواخر من مرفأ بيروت باتجاهها.
أما غانا، فهي أيضا عضو في اتفاقية بازل، ولكن ليس من المؤكد أن تكون فيها منشآت فعالة لمعالجة سليمة بيئيا للنفايات، كما تشترط اتفاقية بازل، هذه الاتفاقية المطلوب احترام أحكامها من قبل الدولتين المعنيتين، لبنان وغانا. ولكن نقل النفايات من لبنان إلى غانا سوف يكون خرقا لاتفاقية “باماكو”، التي تمنع على الدول الإفريقية استيراد نفايات إليها، وغانا هي دولة موقعة على اتفاقية “باماكو” وعليها الالتزام الكامل بها.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This