سوزان أبو سعيد ضو

تواجه العالم تحديات كبيرة وخطيرة متمثلة بتزايد وتضاعف حجم النفايات، نتيجة الزيادة السكانية من جهة، يقابلها من جهة ثانية زيادة في معدلات الاستهلاك، دون إغفال تزايد أنواع النفايات التي فرضتها أنماط الحياة العصرية، يضاف إليها النفايات الخطرة والسامة، والناجمة عن التوسع الصناعي.

ولا يشكل لبنان استثناء في هذا المجال، إلا من حيث إدارته للنفايات وما قدم حتى الآن من نموذج فاضح، مع تبني الحكومة قرار ترحيلها، فيما الدول التي تواجه ضغوطا في هذا المجال، لا تتدخر وسيلة للتخلص من نفاياتها بطرق علمية تلحظ الاستدامة والاسترداد والفرز والتسبيخ، وكذلك الطمر وفق معايير محددة وصارمة.

 

جزيرة كورسيكا

 

بعيدا من لبنان، تعاني جزيرة كورسيكا الفرنسية في البحر الأبيض المتوسط من أزمة تراكم للنفايات مردها الى الانفجار السكاني ويفاقمها تدفق السياح، حتى باتت مستوعبات النفايات ممتلئة عن آخرها، والبقايا ملقاة في الشارع وعلى الشواطئ، بحيث لم تعد هذه الجزيرة الجميلة كما عهدها سكانها وزوارها من قبل.

وإضافة الى النمو السكاني المطرد الناتج عن انتقال أربعة آلاف شخص سنويا للاقامة في الجزيرة الفرنسية البالغ عدد سكانها 310 آلاف نسمة، ثمة عوامل أخرى تساهم في تفاقم الأزمة، ومنها: ضعف البنى التحتية، تضاعف ورشات البناء وما تلقيه من نفايات، والميل الاستهلاكي المتنامي لدى السكان، ما يتسبب بتردي الحال أكثر فأكثر.

وتبذل السلطات المحلية في مناطق الجزيرة جهودا لتطوير عمليات فرز النفايات، لكن هذه الجهود ينبغي أن يواكبها تقدم في الحس المدني، أما زيادة عدد المقيمين في الجزيرة أضعافا مضاعفة خلال الصيف مع تدفق ملايين السياح، فيزيد الامور تعقيدا، وكثيرا ما يصاب سكان الجزيرة أو زائروها بالدهشة لرؤيتهم مكبا للنفايات ومخلفات ورشات البناء وهياكل السيارات في مواقع طبيعية خلابة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب).

 

الفرز من المصدر والتدوير

 

لكن بعض السياح يساهمون بشكل مباشر في الازمة، اذ انهم يشعرون بنوع من الحرية بما يتيح لهم أن يفعلوا هنا ما لا يفعلونه في بلادهم، بحسب ميشال أكافيرا المسؤول عن المحمية الطبيعية في كورسيكا، ويقول ان عددا من السياح الاجانب تعرضوا للتوبيخ خلال الصيف الماضي لانهم تركوا نفاياتهم في مواقع كانوا يتنزهون فيها بين الجبال، ويقصدها آلاف الزوار، ومن الشائع أن يصادف المرء اكياسا بلاستيكية ونفايات ملقاة على الشاطئ أو في الجبال، في مناطق كان يتنزه فيها سياح اجانب.

وتعمل بعض محطات معالجة النفايات بأقصى طاقتها، ورفضت بالتالي أن تستقبل نفايات من مناطق اخرى، الامر الذي دعا وزيرة البيئة الفرنسية سيغولين رويال آخر، الى توجيه نداء للتحرك ومعالجة هذه الازمة “الخطيرة في كورسيكا”، وقالت “يمكننا ان نقلص كمية النفايات من المصدر الى النصف، وهذه مسؤولية الجميع”، وأعربت عن أسفها لضعف النتائج من المعالجة الآلية للنفايات والفرز، وتحدثت عن امكانية إنشاء وحدات معالجة نفايات في استثناء لما ينص عليه قانون حماية الشاطئ، الا ان ذلك لم يلق استحسان المنظمات البيئية، رغم ان الوزيرة شددت على ان هذه الاستثناءات ستكون محدودة جدا.

في ظل هذا الواقع، يظهر بعض بصيص الأمل من التجارب المنفذة على المستويات المحلية، فقرية غيرولاتا الواقعة على الساحل الغربي للجزيرة، باتت تدور 80 بالمئة من نفاياتها بفضل الفرز من المصدر، ولا تضطر الى طمر اكثر من 20 بالمئة، أي أن النسب في هذه القرية معاكسة تماما للنسب في سائر ارجاء الجزيرة.

ويقصد هذه القرية الصغيرة مئات الالاف من السياح في كل صيف، ويقول رئيس بلديتها فرانسوا الفونسي ان “عدم وجود طريق بري للقرية، واضطرارنا لاستخدام المروحيات او البحر للانتقال منها واليها، دفع السكان الى البحث عن حل محلي لمعالجة النفايات”، فمنذ سنوات تفرز القرية الزجاج والمعادن والبلاستيك عن النفايات العضوية، وهي باتت مثالا يحتذى به لسائر مناطق كورسيكا.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This