أنور عقل ضو

تبقى الميثولوجيا نابضة برمزيتها، تتخطى الأزمنة والمطارح، وتُسقطُ إيحاءاتها على الواقع في كل العصور، في نزاع لا يهدأ بين الخير والشر، فمنذ أسطورة “جلجامش” السومرية ولما نزل نمعن في تدمير البيئة، ونقتل كل يوم “همبابا” حارس غابات الأرز والمحميات.
من قال أن الأسطورة لا تشي بما آلت إليه أحوالنا؟ لقد حارب الملك “جلجامش” حارس الأرز لأنه أراد المحافظة على الغابات، فتدخلت الآلهة ومكنت “جلجامش” من ذبح الحارس “همبابا”، وتغلبت الآلهة على البيئي، وهي كانت تمثل نزوعا نحو الشر، فانتصر “جلحامش” ليشرع قطع الأشجار والاتجار بها، ولم يقتصر الأمر على الأرز والصنوبر البري فحسب، وإنما على الشوح الذي كانت تصنع من أخشابه صواري السفن.
منذ خمسة آلاف عام ونحن أسرى السلطة – الآلهة، نقتل كل يوم “همبابا”، فيما “جلجامش” طور استثماراته، فبات يملك المقالع والكسارات والمرامل، والصناعات الملوِّثة، وما زال إلى اليوم يمعن في تدمير الغابات المطيرة في أقاصي الأرض ويدمر موائل الحيوانات المعرضة للانقراض، ولا يتوانى “جلجامش” القرن الحادي والعشرون عن قتل الفيلة والاتجار بأنيابها، واستنزاف مقدرات الكوكب، وبات متربعا على صناعة النفط، متحكما بالأسواق المالية، مستغلا الدول الفقيرة، ناهبا ثرواتها ومقدراتها.
أما في لبنان، موطن الأسطورة، فلما يزل “جلجامش” حارسا للفساد، عاقدا الصفقات المشبوهة، وصولا إلى الاستثمار في النفايات، بعد أن باع الأرز خشبا قبل آلاف السنين في نزوعه المستمر نحو الشر وتكديس الثروات.
وإذا كانت الآلهة تتدخل بكل شيء في الماضي السحيق، فهي اليوم تجذرت أكثر في تربة نظام بات فيه لكل طائفة في لبنان آلهة تحمي المقدس من مصالح أقطابها.
مسكين “همبابا” يذبح كل يوم منذ خمسة آلاف عام!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This