تخطو المرأة خطوات مهمة في مجالات حماية الطبيعة والحفاظ على ثرواتها، فهي بحكم كونها تهب الحياة وتعيش مخاض الولادة، تتماهى أكثر مع الأم الكبرى “الأرض”، فتحافظ على مستقبل أولادها ومقدرات وطنها، عبر صون مجتمعها وإعداد الأجيال وتنمية مدراكهم وتربيتهم على المناقب والقيم والأخلاق.
ولعل مهمة كريستينا فيغيريس Christiana Figueres الشاقة التي أصبحت كصفة ملازمة لها، من موقع أن دورها محوري وأساس بنظر الخبراء والإعلاميين، لا سيما في التعامل مع ظاهرة الإحترار المناخي، كونها المديرة التنفيذية لـ “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بالتغير المناخي” UN’s climate change chief.
وهي الآن منخرطة في مهام كبيرة مع انطلاق مؤتمر المناخ في باريس COP21، خصوصا وأن لديها ثلاث مهام رئيسية عدا ما يتفرع عنها، وأبرزها ضمان تمسك البلدان بأهداف صارمة حيال الانبعاثات، تزويد البلدان النامية بدعم مالي من الدول الغنية لتطوير الطاقة الخضراء والتكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، والمساهمة الفاعلة في إنتاج مشروع النص الذي يعد صكا قانونيا مبرما على شكل خطط ومشاريع، ومتابعتها للتوصل لتخفيض الإنبعاثات، بحيث تشكل مع فريقها عبر الأمم المتحدة أداة ضغظ من أجل استجابة أكثر مسؤولية وعملية من بلدان العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، ذلك أن هذه الإنبعاثات تعتبر التهديد الذي يحتمل أن يكون أكثر كارثية من أي خطر شهدته الأرض حتى الآن، وقد تم تجاهله لأكثر من ثلاثة عقود، إلى أن بدأ العلماء إثبات، وبما لا يقبل الجدل، حجم الأخطار التي تتسبب بها انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على استقرار كوكبنا.
وفي تاريخ مفاوضات المناخ، والجهود الدولية تعد المقررات والمعاهدات السابقة من الإتفاقات الأكثر افتقادا للفاعلية والتطبيق والمتابعة، عدا الإتهامات المتبادلة بين الدول حول تحميل العبء الأكبر في تغير المناخ بينها، وفي المقابل فإن الجهود المبذولة مقارنة مع الناتج الكربوني المتزايد، تشعرنا بالبؤس، وترسم صورة قاتمة لما قد يستتبع هذا الإهمال على البشرية والبيئة والتنوع البيولوجي من تبعات وخيمة.
وفيغيريس الواعية بشكل عميق لكل ذلك، ولدت في عائلة في كوستاريكا لسياسي قوي، فهي ابنة الرجل الذي قاد بلاده في رحلة الانتقال إلى الديموقراطية خوسيه فيغيريس فيرير، José Figueres Ferrer، وخدم بلاده ثلاث مرات كرئيس، وبعد دراستها، في علم الأنثروبولوجيا (علم الانسان)، وحصولها على درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا الإجتماعية، قضت فيغيريس حياتها في الخدمة العامة، فضلا عن دورها كعضو في فريق التفاوض الكوستاريكي حول المناخ عام 1995، كما أنها ساهمت في إعداد “بروتوكول كيوتو” والاتفاقات المناخية اللاحقة.
والمعروف أن فيغيريس ومن على على منصات محادثات المناخ، تبقي على تركيزها مهما كانت الفوضى حولها، الا انها هذه المرة لا تتوقع حدوث الفوضى (في باريس)، إذ قالت: “لشهور عديدة لم نشكك بإمكانية التوصل إلى اتفاق في باريس”، وتتابع “انما السؤال الآن هو مقدار الطموح في هذا الاتفاق المبرم”، وأشارت إلى أنه “في بداية هذا العام عندما بدأنا الحديث عن السعي نحو اتفاق، كان الناس يشككون، الآن أعتقد أن الجميع تقبل ذلك كحقيقة: نحن متجهون نحو اتفاق، فهناك إرادة سياسية كافية، ومنبعها المنطق الاقتصادي الأساسي بالتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، وهو ما يصب في مصلحة البلدان من كافة النواحي”.
على الرغم من الأحداث الإرهابية الأخيرة في باريس والتي تضفي جوا من التوتر الحاد على مباحثات مؤتمر المناخ، إلى درجة دفعت رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي إلى طلب تأجيل المباحثات، إلا أن الرئيس فرنسوا هولاند صمم على المتابعة بإجراءات أمنية متشددة مع حضور أكثر من 130 رئيس دولة، عدا الباحثين وأفراد من المجتمع المدني والتربوي والعلمي، في حين لم تعلّق فيغيريس على هذا الحدث الا بشكل عملي، بالعمل وراء الكواليس مع فريقها المساعد مع الدولة الفرنسية بشكل يضمن سلامة الوفود المشاركة.
أما عن سبب التزامها قضية المناخ كأولوية، فتقول فيغيريس مشيرة إلى لوحة معلقة في مكتبها تمثل أحد أنواع الضفادع: “رأيت هذا النوع من الضفادع وهو الضفدع الذهبي Incilius periglenes، في بلدي كوستاريكا عندما كنت طفلة صغيرة، إلا أنه بعد إنجاب إبنتّي عامي 1988 وعام 1989 فإن هذا النوع لم يعد موجودا”، (انقرض هذا النوع من الضفادع عام 1989)، وأضافت “هذا الكوكب الذي يتضاءل أنواعا وتنوعا بسبب إهمالنا، ولا مبالاتنا وتهورنا، هو ما دفعني للعمل في مجال تغير المناخ”.
في هذه المقاربة، التي قد يجدها البعض عاطفية وأنثوية، وينظر إليها بنوع من السخرية، ربما هي ما يميز دور المرأة في مجال تغير المناخ أو أي مجال آخر، وهذا ما تمثله فيغيريس بقدرتها على مواءمة كل ذلك مع الحس العملي والقدرة على استشراف اللحظة وما بعدها، من أجل الوصول إلى إدارة متكاملة لهذا الملف الشائك… وقبل فوات الأوان.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This