قبيل القمة الحادية والعشرين للأمم المتحدة للمناخ المنعقدة حاليا في باريس، أرسل “مركز ضريبة الكربون” the Carbon Tax Center في الولايات المتحدة الأميركية رسالة وقعت عليها 32 شخصية بارزة، دعت المفاوضين في باريس للتركيز على إقرار ضريبة على إنبعاثات الكربون المحلية، كوسيلة ذاتية من أجل إقرار هذه الضريبة على مستوى العالم.

تضم المجموعة أربعة من الحائزين على جائزة نوبل، وثلاثة وزراء من الحكومات السابقة الذين خدموا تحت أربعة رؤساء في الولايات المتحدة (من الحزبين الجمهوري والديموقراطي)، ونائبين سابقين لرئيس مجلس نظام الاحتياطي الفيدرالي، وثلاثة من أعضاء هيئة التدريس حاليا من قسم الاقتصاد في “جامعة هارفارد”، وتضم أيضا روادا من دعاة ضريبة الكربون من مختلف ألوان الطيف السياسي الأميركي.

وأكدت الرسالة على أهمية وضرورة فرض هذه الضريبة بحيث تحث الجميع على التقليل من الإنبعاثات الضارة بالبيئة، والإستثمار في أنظمة أكثر كثافة في الطاقة ومنخفضة في معدل انبعاثات الكربون.

وأشارت الرسالة إلى سبل فرض هذه الضريبة بشكل يسمح بحماية البيئة، دون إحداث تأثير على الإقتصاد، وذلك عبر تطبيقها تدريجيا وتصاعديا مما يمكن الإقتصاد من التكيف معها، إلا أنها يجب أن ترتفع بقوة لتدفع الأفراد والمؤسسات والحكومات لوضع التدابير المناسبة للحد من انبعاثات الكربون، بحيث توجه هذه العائدات تباعا لتعويض الأعباء غير العادلة للأسر ذات الدخل المنخفض، وبالمقابل وضع حد للدعم الذي توفره الحكومات لاستخراج واستخدام المواد التي تتسبب بهذه الإنبعاثات بشكل كبير.

 

طرح سوق للكربون في قمة المناخ!

 

في هذا السياق طالب قادة دوليون ورؤساء شركات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمناسبة انعقاد مؤتمر باريس بتحديد سعر للكربون (أي سعر طن الكربون المنبعث من الصناعات والذي تدفعه الشركات مقابل تجاوز حصتها من انبعاثات الكربون)، ويهدف الى فرض عملية تسعير متكاملة لانبعاثات غازات الدفيئة (المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري)، من أجل دفع الشركات الى الاستثمار في تكنولوجيا اكثر حفاظا على البيئة.

من جهة ثانية، توجهت عدة منظمات دولية لأرباب العمل ومنها المنظمة الأوروبية “بيزنس يوروب” business Europe برسالة إلى أمينة سر اتفاقية الامم المتحدة للمناخ، كريستينا فيغيريس، تشدد على اهمية طرح سوق للكربون في قمة المناخ والإتفاق المزمع ابرامه في باريس 2015.

رغم كل هذه المواقف المؤيدة والجهود المبذولة، فإن مسألة الحد من إنبعاثات الكربون لن تدرج ضمن فعاليات المؤتمر، مما أثار استياء بريس لالوند، المستشار الخاص للامم المتحدة ووزير البيئة الفرنسي السابق، الذي اعتبر أن إدراج شق يتعلق بتسعير الكربون في الاتفاق الدولي “ليس مستبعدا بالكامل” لكنه غير مرجح. وأوضح ان “الدول النفطية والدول المنتجة للفحم وغيرها لا تريده، لأنه سيضاعف تكاليفها التنموية”، ما يعكس برأيه “الطابع النظري بعض الشيء للمفاوضات، والعالم الذي يعيش فيه الدبلوماسيون مقارنة بالواقع الاقتصادي العالمي”.

من جهة ثانية، أوصت “اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ” The Global Commission on the Economy and Climate، وهي مبادرة مستقلة بقيادة الرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون، والاقتصادي نيكولاس ستيرن في تقريرها الاخير بعنوان “الاقتصاد المناخي الجديد” بفرض الحكومات سعر متوقع للكربون يكون مرتفعا ومتزايدا.

 

مواقف متباينة

 

وفيما يلقى هذا الإجراء تأييدا – بحسب البنك الدولي – من حوالي 40 بلدا و23 مدينة تنتج مجتمعة 21 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة و40 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي، هناك بعض الدول الكبرى والنامية تساهم بشكل كبير في هذه الإنبعاثات ودون خطوات ناجعة تؤدي إلى خفضها، بينما تنبري بعض الدول إلى محاربة هذا الطرح، كونه يؤثر على اقتصادها المعتمد على توليد الطاقة من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، واستخدام منتجات النفط في المواصلات والطيران.

ومن المواقف المعارضة البارزة، تصويت مجلس الكونغرس الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون (مساء الثلاثاء 1-12-2015)، بأغلبية 242 صوتا مقابل 180 لإلغاء “المشروع من أجل طاقة نظيفة”، الذي قدمه باراك أوباما، والذي يفرض للمرة الأولى قيودا على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في المصانع الحرارية الأميركية الموجودة عبر تعديلات جديدة متعلقة بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، الا أن التصويت يبقى رمزيا بسبب الفيتو الذي وعد الرئيس أوباما بوضعه، حيث لا يحظى الجمهوريون بأغلبية الثلثين الضرورية من الأصوات في الكونغرس لتمريره.

 

صورة قاتمة

 

في المحصلة وطبقا للتعهدات التي تقدمت بها الدول قبيل المؤتمر، فإن حرارة الأرض ستنخفض بحلول العام 2100 بمعدل 0,05 درجة مئوية فقط، وهو ما يتناسب مع التخفيض المقدر في معدلات انبعاثات الكربون 56 مليار طن بحلول العام 2030 طبقا للتعهدات، ما يؤدي الى ما يقارب من تريليون الى 2 تريليون دولار كتكاليف سنوية، بينما الحد من انبعاثات الكربون المطلوب للتوصل الى الهدف المنشود في تخفيض معدل الحرارة في الأرض الى ما دون درجتين مئويتين يتجاوز هذا المعدل في تخفيض كمية انبعاثات الكربون بمئة ضعف على الأقل.

وعلى ضوء عدم تقيد والتزام العديد من الدول النامية بهذا التخفيض مثل الهند، فضلا عن العديد من الدول المتقدمة، فقد يكتب على مؤتمر المناخ في باريس ما توصلت إليه مؤتمرات المناخ السابقة من اتفاقيات مبرمة لم يكتب لها التطبيق، والتعهدات التي لم تنفذ، ويبقى الأمل، في أن تثبت الطاقة الخضراء جدواها الإقتصادية في مواجهة الطمع والتسلط الذي يحاول مروجو الطاقة المعتمدة على الفحم ومنتجات البترول والغاز الطبيعي دفع العالم اليه، والذي يضفي صورة قاتمة على المؤتمر ومقرراته وعلى مستقبل البيئة والمناخ في كل أنحاء الأرض.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This