قطع مؤتمر باريس للمناخ COP21 نصف المسافة الزمنية المقررة له، فانصرم الأسبوع الأول وأقفل على أسئلة وهواجس، اتسعت معها الهوة بين الواقع والأهداف، حتى بدا المشهد في أروقة “لو بورجيه” أكثر تعقيدا، تغلفه الأسئلة العصية على الإجابة.
ناقش المؤتمر خلال الأيام السبعة الماضية أعراض المرض، ونعني بها الاحتباس الحراري كنتيجة لأنماط معيشة الإنسان، ولم يتطرق إلى المرض عينه، بما هو تراكم لثقافة فرضها الأقوياء، كما فرضوا عملتهم وأسواقهم المالية ولغتهم ونماذج من مجتمعاتهم وعاداتهم الناشئة، فمنذ الثورة الصناعية وبروز الرأسمال الجشع، ظهرت وتجذرت أنماط من ثقافة استهلاكية استنزفت موارد الأرض.
لا يمكن مقاربة أزماتنا الماثلة والمهددة لوجودنا ولمظاهر الحياة على هذا الكوكب بعيدا من أنسنة توجهاتنا في السياسة والاقتصاد والتنمية، كما أن عالما لم يتمكن من مواجهة الجوع لن يكون قادرا على حماية الكوكب، فمع الحروب وأطماع الدول الكبرى ارتفعت معدلات الفقر، رغم شعار “الانسانية” الذي يتلطى خلفه المستأثرون بثروات الأرض، خصوصا عندما نعلم أن هناك نحو 800 مليون شخص في العالم يعانون من سوء التغذية، وما لا يقل عن بليوني شخص يعانون من نقص كميات المعادن والفيتامينات.
إن أزمة المناخ، وفي جوانب كثيرة منها، هي أزمة انعدام المعايير الأخلاقية في استغلال موارد الكوكب، فمن شرَّع للإنسان تسخير الكائنات في خطوط إنتاج لتأمين غذائه؟ ومن ثم يتبين أن تربية الأبقار تساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحترار، وكيف يحرم مربو الأبقار العجول الصغيرة الحليب، والاستعاضة عنه بالحليب المجفف، ما يعني أن بعضا مما نستهلكه من منتجات الحليب هو ما حرمنا منه صغار العجول، ومن ثم من شرع استغلال البط في إنتاج الـ Foie Gras (كبد البط المدهن)، كنوع من الأطعمة الفاخرة؟ وثمة من لا يعلمون أن إنتاجه يفترض تقييد البط وحقنه بالمغذيات ليسمن.
الأمثلة كثيرة، ولا تقتصر على جانب معين في حياتنا العصرية، فكل عاداتنا باتت تمثل انتهاكا لقوانين الطبيعة، ما يؤكد أن ما نعيشه الآن هو أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة مناخ، وإذا كان ثمة من أخذ علينا نظرتنا التشاؤمية حيال مؤتمر باريس، فإن الإشكاليات الماثلة، برأينا، أكبر بكثير من أرقام وتعهدات والتزامات، وهي تتخطى ذلك إلى افتقادنا قيمنا الإنسانية.
