التفاؤل بدأ يتبدد في الضاحية الباريسية “لو بورجيه”، حيث يقترب المؤتمر الحادي والعشرين للمناخ من انتهاء الأيام والساعات المقررة له لإنجاز اتفاقية قوية وملزمة قانونا، تضع العالم على الطريق الآمن للتحكم الحقيقي بالتغير المناخي، وتبقي ارتفاع درجة حرارة الأرض ضمن الحدود المقبولة، وفي عهدة سياسات تخفيف وتكيف وانتقال سريع وشامل إلى الطاقة المتجددة على حساب الوقود الاحفوري.
أكثر من مئة دولة أبدت موافقتها على الوصول الى اتفاقية مناخية قوية وجدية تحمي مستقبل البشرية على الأرض. ومع اقتراب المؤتمر من نهايته، لا تزال بعض الدول تعيق وتعرقل وتقف ضد تكوين إجماع دولي على اتفاقية قوية للمناخ. فالسعودية، ومعها الدول العربية الصامتة على مخاطر التغير المناخي، التي هددت وتهدد شعوبها وبلدانها بأكبر المخاطر، لا تزال ترفض وتعيق بقوة تحقيق التوافق على الأهداف الأساسية في الاتفاق على جدول زمني محدد للتخلص من الوقود الأحفوري، والانتقال إلى الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة في بلداننا وفي العالم أجمع.
فلا موجات الجفاف والفياضانات المدمرة التي ضربت العديد من البلدان العربية في السعودية نفسها وقطر واليمن والمغرب والجزائر والعراق ولبنان وغيرها، ولا الكوارث الطبيعية، ولا العواصف الرملية التي خنقت الأردن ولبنان وفلسطين لأيام متتالية، ولا انزحال التربة الذي تزايدت وتيرته في السنوات الأخيرة، ولا مخاطر الغرق تحت مستوى البحر، التي تهدد جزرا وبلدانا وشعوبا كثيرة، وتهدد مناطق حيوية من بلداننا العربية، ولا سيما في مصر حيث أن “الدلتا”، التي تعتبر خزان مصر الغذائي، مهددة كلها بالغرق جراء تفاقم التغير المناخي الزاحف سريعا، كل ذلك لم يكن كافيا لتجمع الدول العربية الجرأة الكافية، وتعبر عن انفكاكها عن الاعتراض السعودي المعرقل لأي توافقات تؤدي إلى الوصول لاتفاقية قوية وملزمة وواضحة الالتزامات والجداول الزمنية.
حكام العالم لا يختلفون عن حكام لبنان. فحكام لبنان يرون بأم العين كيف يسير بلدهم نحو التدوهر الكامل، ونحو الانهيار الشامل، ونحو التعرض لأكبر المخاطر، ولا يجدون الوسيلة ليتفاهموا على خارطة طريق تنقذ بلدهم، وتحفظه أمام العواصف والأعاصير التي تهدد مصيره. وها هم حكام العالم يرون بأم العين تهديدات التغير المناخي، وجلهم يعاني من الكوارث التي بدأت تتواتر، محدثة الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، ولا يجدون وسيلة التوصل لاتفاق مناخي ينقذ العالم.
هنا المصالح الذاتية والفئوية تقف عثرة أمام التعقل والدعوة للتفاهم الشامل، وهناك المصالح الفئوية والذاتية لبعض الدول والحكام التي ترتبط بالوقود الحفوري، على الرغم من غنى هذه البلدان بمصادر الطاقة المتجددة أيضا، تقف بصلافة عثرة أمام الوصول لاتفاق مناخي قوي وجاد يحفظ الأرض، أمَّ الجميع.
الوقت يمر بسرعة هنا في “لو بورجيه” والمعرقلون يتباهون بإفشالهم تحقيق آمال البشرية في اتفاقية قوية وجادة بشأن المناخ.