أصبحت قضية المناخ في السنوات القليلة الماضية موضع اهتمام مختلف شرائح المجتمعات في العالم، ولم تعد مقتصرة على أهل العلم والاختصاص فحسب، وإنما باتت مشكلة تؤرق الجميع، وسط ما يشهد العالم من كوارث لا عهد له بها من قبل، فكل من موقعه يتابع وينتظر ما سوف يصدر عن مؤتمر باريس للمناخ COP21، ولا يعتبر الفن استثناء، ولا نستغرب مشاركة أعداد كبيرة من الفنانين.

ويعتبر حاكم كاليفورنيا السابق وبطل كمال الأجسام والممثل الأميركي أرنولد شوارزنيغر، واحدا ممن كانوا في دائرة الضوء في العاصمة الفرنسية، وقدم إسهامات خاصة في تبسيط فهم تغير المناخ، بعيدا من العلوم والأمور التقنية المعقدة.

نحو مستقبل لطاقة أكثر ذكاء

يقول شوارزنيغر على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”: “لا يهمني ما تعتقد حول تغير المناخ، لكن لو خيرت بين غرفتين مقفلتين، خلف الباب في الغرفة الأولى سيارة تعمل على البنزين، وخلف باب الغرفة الثانية سيارة تعمل على الكهرباء، وطلب منك أن تختار إحدى الغرف وتقفل الباب وراءك، وليس مسموحا أن تطفئ المحرك أو أن تضع واقيا للغاز، فأي الأبواب تختار؟”، ويتابع: “باعتقادي ستختار الباب الثاني، أليس كذلك؟ فالخيار الأول قاتل، فمن يريد تنفس هذه الغازات السامة؟ هذا هو الخيار الذي على العالم أن يأخذه الآن”.

ويضيف شوارزنيغر أن “ليس مهما أن تعتقد بارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الأنهار الجليدية، أو إن كنت تدعم العلم الذي يؤازر هذا التوجه، أو من هو على حق، ما أتمناه، هو أن تنضموا إلي في فتح الباب الثاني، وهو الذي يفضي نحو مستقبل لطاقة أكثر ذكاء، ونظافة وصحة وربحية”.

وتساءل في رسالة ثانية: “هل تعلم أن التلوث يتسبب في موت سبعة ملايين شخص سنويا؟ وهل تعتقد أن هذا الوقود الأحفوري من نفط وفحم لن ينضب؟ فما العمل عندها؟”، وأضاف: “الإستثمار في الطاقة البديلة هو الحل، وكل من يقول لك غير ذلك مخطئ أو كاذب، فالطاقة النظيفة مهمة للإقتصاد، أنظر إلى ولاية كاليفورنيا، فلدى كاليفورنيا القوانين البيئية الأكثر ثورية في الولايات المتحدة، وتمكنا نتيجة لهذا من الحصول على 40 بالمئة من الطاقة المتجددة، واقتصادنا ينمو في كافة القطاعات من زراعة وصناعة وسياحة، وترفيه، وتكنولوجيا، وبطبيعة الحال التكنولوجيا الخضراء”.

ولدت قريبا من الأرض

وفي إحدى الفعاليات على هامش المؤتمر، لبى شوارزنيغر دعوة رئيس Sciences Po فريدريك ميون Frédéric Mion الذي اعتبر أن “حديث شوارزنيغر من على هذا المنبر في الأمم المتحدة يعد سابقة، كونه فنانا وفي موقع قيادي، فضلا عن تميزه من ناحية ثانية كمواطن أميركي ينتمي إلى الحزب الجمهوري المعارض لفكرة تغير المناخ، بالإضافة إلى مواقفه ومبادراته في هذا المجال وتأسيسه “R20″، وهي منظمة غير ربحية تقودها الحكومات الإقليمية وتعمل على تعزيز وتنفيذ المشاريع لإنتاج الفوائد الاقتصادية والبيئية المحلية، مما يساهم في تخفيض استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الدفيئة وبناء اقتصادات محلية قوية وتحسين الصحة العامة وانتاج وظائف خضراء جديدة”.

ورد شوارزنيغر بكلمة أكد فيها على”دور الجيل الجديد في الحملة من أجل الحد من تغير المناخ والدفاع عن البيئة”، ومقتبسا من دور له في فيلمه the Terminator، بأنها ليست المرة الأولى والأخيرة من على هذا المنبر وبــ “أنه عائد I’ll be back”.

وأضاف: “أقف أمامكم ليس كأرنولد شوارزنيغر البطل في كمال الأجسام، ولا كممثل، أو كحاكم سابق لولاية كاليفورنيا، بل كمواطن من العالم، وُلِدت في النمسا، وصُنِعت في أميركا وتنورت من خلال رحلاتي في مختلف أنحاء كوكبنا الرائع، وعادة ما يسألني الناس، كيف لك وأنت سائق لسيارة هامر Hummer، وكشخص محافظ أن تصبح شغوفا بحماية البيئة، فكنت أجيب بأن لا علاقة لهذا الأمر بانتماءاتي السياسية والأيديولوجية، فالسبب أنني محظوظ كوني ولدت قريبا من الأرض فهي مصدر حياتي، وملعبي، فلم أذهب إلى محل البقالة كما نفعل اليوم لشراء حاجيات المنزل، بل كانت والدتي تزرع طعامنا، وكنت أساعدها وأخي في جني الثمار، ومن مهامنا اليومية الذهاب إلى المزرعة المجاورة لحلب الأبقار، فضلا عن جلب مياه للشرب والطهي والإستحمام من مياه البئر”.

ثورة من نوع جديد

وأضاف “كانت البيئة كل شيء بالنسبة لنا، ولم أكن أتخيل أنه في مناطق من العالم لا يمكن تنشق الهواء النقي أو الحصول على الماء النظيف، وأن هناك من يفتقرون إلى الطعام وكله بسبب التلوث، وأننا نطلق 40 مليار طن من الكربون سنويا، وأن يتسبب هذا التلوث بموت 19 ألف شخص يوميا”.

وقال شوارزنيغر: “لم أكن أتخيل أنني سأصل إلى منصب حاكم كاليفورنيا، وأنه سيكون بقدرتي أن أقوم بشيء في هذا المجال، ولكن أذكركم، بأنه ليس هناك داعٍ لتكونوا في منصب حكومي لتقوموا بما عليكم فعله لحماية المناخ والبيئة، فلدينا جميعا هذه القدرة، وهو تحدينا لهذا الزمان”.

وتابع: “ليس هذا عالم السينما حيث هناك تأثيرات صوتية وضوئية بحيث يمكننا التعديل أو إعادة كتابة السيناريو والتصوير بشكل ما لتصبح النتيجة أفضل، إنما هذا هو العالم الحقيقي، وعلينا البدء بطرق أذكى وبثورة من نوع جديد، ثورة خضراء بشكل نجمع فيه ونتبادل الأفكار لنستطيع ردم الهوة في ما بيننا، والوصول إلى حلول، ولهذا فكاليفورنيا تنعم بكفاءة في الطاقة بنسبة 40 بالمئة أكثر مقارنة مع الولايات الأخرى في أميركا”.

ولفت إلى ثلاثة دروس ساعدت كاليفورنيا في النجاح “الطريقة الأولى تتمثل بالحكومات الفرعية، من ولايات ومدن ومناطق فلدى هذه الشريحة قوى هائلة لا يستهان بها، وأتمنى مثلكم أن يتوصل قادة العالم إلى اتفاقية بشأن المناخ، الا أن علينا ألاّ نقلل من أهمية الحكومات الفرعية الوطنية، والمواطنين، والمجتمع المدني من أعلى القمة إلى أسفل القاعدة في العمل المناسب، وقد خضنا معارك في كاليفورنيا مع الجميع، وفي كل خطوة قمنا بها ووصلنا إلى القضاء بمواجهة شركات نفط وسيارات والحكومة الفيدرالية، وبالذات في ما يخص موضوع الانبعاثات الملوثة، وتوصلنا في النهاية إلى تشريعات داعمة للبيئة، بقوة الحكومة المحلية وبمعزل عن الحكومة الفيدرالية، وهذا ما أتيت لأوصله للحكومات المحلية بتدريب عضلات قدراتهم”.

قضية الناس

وتابع: “الدرس الثاني هو أن نلغي تقسيماتنا الداخلية من محافظين وليبراليين، غرب مقابل الشرق، أسود وأبيض، أغنياء وفقراء، فالبيئة والمياه ليست مقسمة إلى تقسيماتنا، وقد نلقي بالتبعة على بلدان أخرى كالصين في الإنبعاثات، إلا أنها عملية نكران لمساهمتنا في هذا التلوث باستهلاكنا للبضائع التي تنتجها الصين، فهي ليست قضية حزب أو بلد بل هي قضية الناس، فعلينا العمل معا لإيجاد حلول كما فعلنا في كاليفورنيا وتوصلنا الى ابتكار فعل ذكي واخضر، وأنا فخور بالقول أن كاليفورنيا تسير بكل تنوعها في ذات الإتجاه، وإلى الأمام”.

أما عن الدرس الثالث فقال شوارزنيغر: “هو الدرس الأهم إذ علينا التواصل بشكل أفضل، كون العالم لا يتفاهم بشكل جيد، وفي قضية تغير المناخ بالذات، فحتى الآن لم نلحظ أي تحسن، أو نتائج إيجابية بالمستوى المطلوب في ما نعاني منه من تلوث وارتفاع في منسوب المياه، وغيرها من آثار الإحترار المناخي رغم توقعنا عكس ذلك”.

ولفت إلى أن “مهمتي هي أن نبحث عن طرق جديدة، نابعة من قوة الناس، فنحن من خلال حديثنا عن تبعات تغير المناخ في العام 2050، نبعد الناس عن المشكلة، فعلينا أن نركز على المشكلة هنا والآن، وعلى النجاة والبقاء. فهذه الغازات والأبخرة السامة تقتلنا الآن”، وأشار إلى أن “علينا التركيز كذلك على قصص النجاح الرائعة حول العالم ممثلة بقصص من العالم، فهذا هو الإقتصاد النامي الجديد، وبالتقدم كعالم متحد في مكافحة تغير المناخ، ولنتذكر أن أعظم الثورات الأحدث والمؤثرة في العالم، هي النابعة من الشعب والناس العاديين والمجتمع المدني ويمكننا أن نربح هذه المعركة وسنربحها”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This