الساعات القليلة المتبقية ستكون فاصلة في مسار محادثات المناخ في باريس، والمشاركون باتوا الآن تحت ضغط اللحظات الأخيرة، فوزير الخارجية الفرنسي (رئيس الدورة الحادية والعشرين للمؤتمر) لوران فابيوس لا يهدأ، محاولا تأمين مخارج تؤمن الوصول إلى اتفاق بمستوى الآمال المعقودة على المؤتمر، حتى أنه يزور الوفود في أماكن إقامتها في محاولة لتذليل الكثير من العقبات، وتسوية نقاط الخلاف الاساسية من تقاسم الجهود بين الدول المتطورة والبلدان النامية وصولا الى تمويل الدول الأكثر تأثرا بظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أن ما رشح حتى الآن من معلومات تؤكد أن المفاوضات ستستمر ساعات إضافية، فضلا عن أن ثمة من يتحدث في أروقة “لو بورجيه” عن تمديد المؤتمر يومين إضافيين.
وسط ما هو قائم، يبدو أن ثمة إصرارا على ضرورة الخروج باتفاق قوي وملزم، ما وضع الدبلوماسية الفرنسية أمام امتحان صعب، خصوصا وأن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كان قد حذر أمس من أنه “ما زالت هناك صعوبات”، وبدا واضحا أن حركة فابيوس جاءت لتدارك هذه الصعوبات، غير أن المخاوف تزداد ساعةً بعد ساعة، وسط القضايا الإشكالية العالقة، وأبرزها تجديد الدول النامية اعتراضها لجهة وضعها على قدم المساواة مع دول الشمال المسؤولة تاريخياً عن ارتفاع حرارة الأرض، حتى أن الوزير الماليزي البروفسور غورديال سينغ نيجار Gurdial Singh Nijar الذي تحدث باسم نحو عشرين دولة نامية، أشار إلى ان النص (يقصد صيغة النص قبل المسودة الاخيرة)” يشير الى “المسؤولية المشتركة لكن المختلفة” عن اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بالمناخ في 1992 التي تنص على ان التحرك المناخي يقع في الدرجة الاولى على البلدان المتطورة، وقال محذرا “ان حاولتم بصورة مباشرة وغير مباشرة او بأي شكل آخر التخلي عن هذه النقطة الاساسية لن يكون أمامنا اي خيار اخر سوى المقاومة”.
وهذه إشكالية فرضت نفسها أيضا في مؤتمرات المناخ السابقة، دون إسقاط الكثير من التفاصيل، وهي تتبدى تبعا لخصوصية وواقع كل دولة، ما عقَّد المفاوضات طوال الأيام الخمسة أيام الماضية.
وإذا ما تبعنا مسار المفاوضات نجد أن منسوب التفاؤل يتراجع، فالاندفاعة الايجابية التي سادت المؤتمر في أيامه الأولى تبددت، فالحديث الآن لم يعد يتناول الوصول إلى اتفاق ملزم، وهنا، ثمة تقديم مصطلحات جديدة واللعب على ما تحتمل الكلمات من معان مختلفة، وهذا ما لاحظناه اليوم مع الحديث عن أن المجتمعين يسعون إلى الاتفاق حول “مسودة تسوية” تنقذ العالم من التأثيرات الكارثية للتغير المناخي في اختتام القمة اليوم، (إذا لم يقر تمديدها)، فضلا عن مصطلح “الدبلوماسية”، ما يؤكد أن الهم بات متمثلا في تأمين الخروج باتفاق يرضي الجميع ولا يرضي المناخ! بمعنى تظهير المؤتمر وكأنه حقق ما عجزت عنه المؤتمرات السابقة.
وما يدعو للاستغراب بداهةً، أن الجميع يؤكدون على ضرورة الوصول إلى اتفاق، والجميع يتحدث عن صعوبات، وفي الآن عينه الجميع يؤكد أيضا أن اتفاقا قويا سيبصر النور، ويبدو أن ثمة إرباكا واضحا حيال ما آلت إليه الأمور بعد أن دخل مؤتمر باريس للمناخ مرحلة حاسمة، أي الربع الساعة الأخير المتبقي للتوصل إلى اتفاق نهائي.