ها نحن اليوم، مع سكان منطقة “ضهور الشوير”، أمام الكارثة التي حذرنا من وقوعها منذ اللحظات الأولى لانتشار أخبار المحرقة المشؤومة، التي بشَّر بها المروِّجون، والذين أسميناهم في حينها “الدجَّالون”، حيث ملأوا الأثير ضجيجا وزعيقا من الأكاذيب والادعاءات، امتطت كل أنواع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ولم تتورع عن رعاية برامج تلفزيونية للترويج لادعاءاتها بشأن المحرقة – الأعجوبة.
قلنا وكتبنا وشرحنا وفنَّدنا، مستنفرين كل ما يختزنه العلم والبحث والتكنولوجيا وأبحاث الصحة البيئية الحديثة، لكي نظهر للناس مخاطر حرق النفايات، وما يتولد عنها من ملوثات جزيئية وغازية ومعدنية ومن مركبات كيميائية عطرية متعددة الحلقات، تصنف من أكثر المواد سمية وخطورة على الصحة البشرية، ومنها المسببة للسرطانات، والتشوهات الخلقية، والاضطرابات الهرمونية والعقم عند الرجال والنساء، والتخريبات الفيزيولوجية والبنيوية في العديد من أجهزة الجسم، والأمراض المزمنة في القلب والشرايين والكبد والكليتين والجهاز المناعي والجهاز التنفسي والجهاز العصبي.
قلنا حقائق العلم، وعزَّزناها بالبراهين والدراسات البحثية الجامعية، والتقارير العلمية الصادرة عن مراكز ومعاهد لائقة بالإحترام في أرقى البلدان الأوروبية والأميركية وغيرها.
بالمقابل قال المروِّجون من على شاشات التلفزة وعلى صفحات الإعلام المكتوب والإلكتروني أن محرقتهم “تلغي” التلوث بحرارتها العالية، و”تدمر” المواد، و”تعقمها” وتجعلها “خاملة”، وأنها لا تولد غبارا ولا جزيئات ولا غازات ملوثة. ملأوا الدنيا أكاذيب حول “الجيل الرابع”، وآخر ما أنتجته التكنولوجيا، وإلى ما هنالك من مقولات ترويجية وتسويقية صدَّقها الكثيرون، ولكن كذَّبها العارفون والعالمون، وواجهها الصادقون والحريصون على سلامة بيئة لبنان، وصحة أهالي “ضهور الشوير” ومنطقتها، وصحة كل اللبنانيين في كل المناطق.
ها نحن اليوم أمام “كوكتيل” الملوثات المنبعثة في أجواء القرية الهادئة، المصيف ذي الهواء العليل، والمنطقة الجبلية السياحية كلها أمام الانبعاثات من كل الألوان تملأ الفضاءات، و”تزيِّن” السماوات، أمام تلوث نوعي من “الجيل الرابع”، آخر ما أنتجته التكنولوجيا، كل الأمراض المزمنة في حزمة واحدة، في باقة واحدة. تشكيلة واسعة من الملوِّثات دفعة واحدة، كرمى “لعيون” أهل المنطقة، الذين “نحرص على صحتهم”.
من يحاسب؟ من يراقب؟ من يضع حدا لانتهاك القوانين والمراسيم والأنظمة؟ من يوقف هذه المهزلة – المأساة؟ من يحمي صحة أهالي “ضهور الشوير” ومنطقتها وكل لبنان من عبث الصائدين في بحر الأزمات الهائج؟
من غيركم يا أهالي المنطقة؟ قوموا، تحركوا، اعتصموا، تظاهروا، مارسوا كل أنواع الاحتجاج الذي يتيحه لكم دستور لبنان وقوانينه الديموقراطية… قوموا لحماية بيئتكم، وصحتكم، وصحة أطفالكم ومرضاكم وشيوخكم ورضَّعكم، واحموا الأجنة في أرحام أمهاتكم، قوموا لحماية من لم يولد بعد من سلالتكم وأجيالكم القادمة…. ونحن وكل شعب لبنان معكم.