سوزان أبو سعيد ضو

“كلما زاد الضغط على الموارد الطبيعية، أصبح المدافعون عن حقوق الأرض والبيئة من بين أكثر الفئات ضعفا، لجهة التعرض للقتل، وعلينا دعم هؤلاء المدافعين، فهم لا يكافحون من أجل حياتهم فحسب، وإنما لأجل حياتنا جميعا”، بهذه الجملة، اختصر الرئيس التنفيذي لـ”الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان”International Federation for Human rights، أنطوان برنارد، ما يلاقيه أشخاص عاديون في شتى أنحاء الأرض، من مهالك للدفاع عن مواطنهم وبيئاتهم وأراضيهم، أمام جشع المستثمر لإرضاء وتوفير كماليات استهلاكية، تساهم بالمقابل في تدهور نوعية الحياة والبيئة في العالم أجمع.
لم تكن حماية البيئة في يوم من الأيام أكثر أهمية منها الوقت الحاضر، فمع اشتداد السباق والتنافس للحصول على الموارد الطبيعية، ولذلك نجد أشخاصا عاديين يضعون أنفسهم في خط المواجهة في معركة الدفاع عن البيئة المحيطة بهم، من الإستغلال غير المستدام من قبل شركات أو الدول نفسها.

2014 .globalwitness.شهداء البيئة

أسباب الإبادة البيئية

وكانت الجمعية غير الربحية “الشاهد العالمي” Global Witness (مقرها المملكة المتحدة، وهي منظمة دولية غير حكومية تأسست عام 1993) تعمل على كشف التجاوزات في استغلال الموارد الطبيعية والنزاعات والفقر والفساد وانتهاك حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم، وأعدت تقارير عدة لجهة زيادة أعداد ضحايا البيئة، وآخرها في نيسان (أبريل) من العام 2014 بعنوان البيئة القاتلة “Deadly Environment”، وتم تحديث بيانات عديدة حول أعداد الضحايا في هذا التقرير في كانون الثاني (يناير) من العام 2016.
وقال التقرير أنه على الصعيد العالمي، فمن المحتمل أن يكون عدد الضحايا الحقيقي أعلى من ذلك، كون العديد من جرائم القتل تقع في القرى النائية أو في أعماق الغابة، حيث تفتقر المجتمعات إلى الاتصالات ووسائل الإعلام، ومن المستحيل توثيقها أو التحري عنها.
وقال التقرير أن شخصين على الأقل يلقون حتفهم كل أسبوعين لاتخاذهم مواقف ضد تدمير البيئة، ويلقى البعض حتفهم على يد الشرطة أثناء الاحتجاجات أو على أيدي قتلة مأجورين لدى شركات تبحث عن أراض جديدة لاستغلالها، وبالتالي يدفع البشر الثمن الأكبر وبشكل متزايد لوقوفهم في طريقهم.
ووجد التقرير أن 116 ناشطا في مجال البيئة على الأقل قتلوا في العام 2014، وهو تقريبا ضعف عدد الصحفيين الذين قتلوا في نفس الفترة، وكانت المفاجأة أن 40 بالمئة منهم من سكان البلاد الأصليين، ومعظم هؤلاء يقضون وسط خلافات حول الطاقة الكهرومائية والتعدين والأعمال التجارية الزراعية، وثلاثة أرباع الوفيات تقريبا كانت في أميركا الوسطى والجنوبية.
وقال بيلي كايت، وهو ناشط في Global Witness: “في هندوراس وفي كافة أنحاء العالم، يقتل المدافعون عن البيئة بالرصاص في وضح النهار، ويتعرضون للخطف، والتهديد، أو تجري محاكمتهم كإرهابيين لوقوفهم في وجه ما يسمى التنمية”.
وأضاف أن “المرتكبين الحقيقيين لهذه الجرائم يهربون من العقاب بسبب وجود رابط قوي بين مصالح الشركات والدول”، ولفت إلى أن “هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المواطنين وتقديم الجناة إلى العدالة”.

هندوراس في يوم “المرأة العالمي” وضحية بيئية

وأتى خبر مقتل الناشطة البيئية والمدافعة عن حقوق الانسان “بيرتا كاسيريس”Berta Cáceres، في منزلها في اسبيرانزا La Esperanza ليل الأربعاء في 9 آذار (مارس) كإنذار للإنسانية جمعاء، وخصوصا للمرأة في يومها العالمي، كمثال قاسٍ لما يواجهه الناشطون البيئيون ومن الجنسين في مواجهة الجشع العالمي على الموارد، ورغم إدعاء الشرطة أن الجريمة جزء من عملية سطو فاشلة، إلا أن عائلتها وأصدقاءها وأنصارها مقتنعون بأن وفاتها كان اغتيالا سياسيا، خصوصا أنها كانت قد تلقت طوال حياتها المهنية سلسلة طويلة من التهديدات بالقتل، بسبب دفاعها عن الموارد الطبيعية وأراضي السكان الأصليين ضد مشاريع الشركات في هندوراس.
وتعتبر هندوراس واحدة من عواصم القتل في العالم، وإحدى أكثر الأماكن خطورة للناشطين البيئيين، وخصوصا بعد الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة في العام 2009، إذ تمت خصخصة 30 بالمئة من موارد البلاد الغنية لمشاريع التعدين، ووافقت الحكومة الهندوراسية على المئات من مشاريع السدود، لتوليد الطاقة الكهربائية بسعر منخفض بهدف توفيرها لمشاريع التعدين، فضلا عن خصخصة أراضي السكان الأصليين والموارد الطبيعية دون موافقة سكانها الأصليين.
وكان ثلاثة من أصدقاء كاسيراس، من زعماء القبائل من سكان التولوبان Tolupán الأصليين وهم: أرماندو فونيز Armando Funez، ماريا انريكيتا ماتوتيMaria Enriqueta Matute، وريكاردو سوتو Ricardo Soto قد قتلوا في العام 2013 خلال مظاهرة ضد التعدين، وكانوا قد تلقوا في وقت سابق تهديدات لمعارضتهم بناء سد “أغوا زاركا” the Agua Zarca ، على نهر “غوالكاركي” Gualcarque لتوليد الكهرباء، وهو ما يهدد مصدر الماء الحيوي الوحيد لمئات من سكان “اللينكا” Lenca الأصليين.
وبالفعل، تم إلغاء مشروع بناء السد في نهاية الأمر، نتيجة “ضغط المجتمع المستمر” ومنحت كارسيراس “جائزة غولدمان للبيئة 2015″the 2015 Goldman Environmental Prize، لنجاحها في تنظيم المجتمع للوقوف في وجه الشركات العملاقة، بما في ذلك الشركة الصينية سينوهيدرو Sinohydro أكبر مطورة للسدود المائية في العالم. ومع ذلك، واجهت كارسيراس في حياتها عدة تهم جنائية ملفقة، وتعرضت لتهديدات بالقتل ضدها وضد عائلتها، ما تسبب في تعيين الحكومة الهندوراسية حماية لها، وأجبر اثنان من أولادها على مغادرة هندوراس كلاجئين حفاظا على سلامتهم.
وقالت كارسيراس في حفل استلامها الجائزة “انهم يتبعونني ويهددون بقتلي واختطافي، ويهددون عائلتي”.

ضحايا عالميون

ووفقا لتقرير Global Witness، فقد وصل عدد الذين سقطوا منذ العام 2002 وحتى العام 2014 في هندوراس وحدها 111 ضحية بيئية، فيما بلغ عدد الضحايا في العالم عام 2014 إلى 116 ضحية، ووفقا للتقرير تصدرت البرازيل عدد الضحايا بـ 29 شخصا، تبعتها كولومبيا 26، الفيليبين 15، هندوراس 12، البيرو 9، غواتيمالا 5، تايلاند 4، الباراغواي والمكسيك 3، ميانمار وأوغندا 2، والإكوادور، الهند، كوستاريكا، جنوب أفريقيا، وكمبوديا ضحية واحدة.
وكانت الوفيات تتعلق بنزاعات على الأراضي بشكل عام، وخصوصا ذات صلة بأعمال التعدين في 25 حالة، تبعتها السدود 14، الأعمال الزراعية التجارية 14، وتجارة الأخشاب 10.
ودعت Global Witness الحكومات والمجتمع الدولي للمراقبة والتحقيق في هذه الجرائم ومعاقبة الفاعلين، وناشدت هندوراس معالجة الانتهاكات في الاستعراض المقبل لسجلها في مجال حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This