آلاف الهكتارات من صيدا إلى الناقورة تتغير وجهة استخدامها الزراعي، وسط واقع مأساوي أسهم في بروز واقع جديد، غير منفصل عن الحرب القائمة في سوريا منذ سنوات خمس وأكثر، مع عدم إمكانية تصريف الإنتاج عبر الحدود البرية، ما فاقم من معاناة المزارعين طوال السنوات الماضية، في ظل غياب الجهات الرسمية المعنية في الدولة، التي لم تؤمن إمكانية تصدير الليمون والحمضيات عبر أسواق جديدة.
فهذه المنطقة الغنية بباستين الحمضيات على امتداد المناطق الساحلية الجنوبية، نراها اليوم تغير “ثوبها”، فالمنشار يتصدر المشهد، وهو يعمل قطعا ونشرا بأشجار هذه البساتين، ليتم استبدالها بأشجار الموز والأفوكادو.
فقدنا الأمل
Greenarea.me واكب ميدانيا ما هو قائم في العديد من البساتين، وخصوصا في شرق منطقة صور، وكان المشهد صادما، أشجار معمرة يتم اقتلاعها، وتباع حطبا لمواقد الشتاء، وسط ألم يعتصر قلوب أصحابها، وهم لجأوا إلى هذا الخيار مرغمين، من أجل توفير سبل معيشتهم، وكي لا يخسروا المزيد المال والتعب.
وأشار أحمد فواز (مالك أحد البساتي في المنطقة) إلى أن “البستان تبلغ مساحته حوالي 15 دونما وكان مزروعا بأشجار الليمون وبعض اشجار الحامض، وكان إنتاجه جيدا، وتاريخ غرس الاشجار يعود لعام 1969″، وقال: “اتخذت قرارا باقتلاع الاشجار لاستبدالها بالافوكادو، بعد ان فقدنا الامل في تصريف الانتاج، حتى أننا ما عدنا نجمع الثمار، لان ثمنها لا يفي تكاليف الانتاج والقطف والتوضيب، ولكم أن تروا الآن كل هذا الليمون المتساقط على الارض”.
وأكد فواز أن “كلفة قطف الليمون تفوق سعره في السوق المحلي”، لافتا إلى “انني ما عدت قادرا على تكبد المزيد من الخسائر شأني في ذلك شأن باقي الملاكين والضامنين، فالأزمة السورية طالت، في ظل غياب تخطيط الدولة ورعايتها للقطاع الزراعي، عبر إيجاد حلول بديلة”.
فيما أشار المزارع حسين بواب إلى أنه عمد الى “اقتلاع الليمون الليفاوي والشموطي وتركت بعض اشجار الحامض لنقلها الى موقع آخر، بعد تقليمها”، وقال: “إن الحامض حافظ نسبيا على سعره مقابل الليمون”.
الأفوكادو بديلا
أما عن تحول المزارعين إلى الافوكادو، اشار بواب الى ان “هذه الفاكهة لا تحتاج الى رعاية كبيرة ومصاريف طائلة، كما ان خدمته قليلة واسعارة مضاعفة بالمقارنة مع سعر الليمون عشر مرات”.
أما سمير نجدي (ضامن بساتين)، فأكد لـ greenarea.info أن “مواسم الليمون تدهورت بعد احداث سوريا التي كانت تشكل اهم الاسواق، فضلا عن أنها كانت معبرا بريا للتصدير”، واضاف: “لقد واجهت تبعات كثيرة كضامن، وتكبدت خسائر بعد أن وصلت الأزمة إلى مستوى كارثي، في ظل ارتفاع التكلفة وغياب دعم الدولة لهذا الانتاج، ولذلك توجهت لضمان انواع اخرى من المزروعات، وبالتالي اصبحت الاشجار مهملة وتتساقط ثمارها ارضا، إذ لا احد مستعد أن يتكبد مزيدا من الخسائر”.
قطع أرزاق
عاما بعد عام يزداد الوضع سوءاً في ظل استمرار الأزمة السورية، وغياب الحوافز والتقديمات من قبل الدولة لدعم هذا القطاع، ولذلك اقفلت معامل الحمضيات أبوابها، بحسب محمد البستاني المسؤول عن معمل الزهراني في منطقة طير دبا، لافتا إلى أن “اقفال المعمل ادى الى قطع ارزاق حوالي 100 عائلة كانت تعتاش من العمل في مجال الجمع والتوضيب”.
موضحا ان “لا تصريف للحمضيات خصوصا وان التصدير مكلف جدا عبر الجو”، وقال: “ان اوروبا لا تدخل المنتجات اللبنانية اسواقها، وذلك بسبب سوء استخدام السماد، كما ان لا خطة ولا دعم من الدولة للاستمرار في العمل بعد ان فاقت لوازم التوضيب المستوردة من البلاستيك الى الكرتون اضافة الى المحروقات واجور العمال وتكلفة الشحن كل التوقعات، وبات العمل في قطاع الحمضيات مغامرة ينتج عنها المزيد من الخسائر”.