يمثل لبنان اليوم أمام دورة آلية الإستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الانسان في مقر الامم المتحدة في جنيف، في جلسة تبدأ عند الساعة الواحدة بتوقيت بيروت، حيث من المقرر ان يعتمد التقرير الرسمي النهائي لسجل لبنان في حقوق الانسان. وتسمح آلية مجلس حقوق الانسان للمنظمات غير الحكومية ان تتحدث في هذه الجلسة، حيث يتوقع ان يتحدث عدد من المنظمات الدولية واللبنانية.
وبحسب الوثيقة التي تقدمت بها بعثة لبنان الدائمة لدى الامم المتحدة في جنيف فان الحكومة اللبنانية قررت قبول ١٣٠ توصية من اصل ٢١٩ تقدمت بها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الى لبنان بهدف تحسين سجله في قضايا حقوق الانسان، وذلك خلال الاستعراض الذي عقد بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥، والذي خضع له لبنان للمرة الثانية العام الماضي بعد ان خضع له للمرة الاولى عام ٢٠١٠.
ويمثل الحكومة اللبنانية في هذا الحدث رئيسة بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، السفيرة نجلا رياشي عساكر، الى جانب نائب رئيس البعثة ريان سعيد، والمستشاراحمد عرفه، والسكريتير الاول رنا الخوري.
ويلاحظ من لائحة التوصيات التي قبلت بها الحكومة اللبنانية، انها جاءت توصيات عامة وفضفاضة ولا تلزم لبنان باي موضوع “اشكالي” ولا يحظى باجماع حكومي من قبل مختلف الوزارات والادارات، وبالتأكيد لا يزعج ممثلي الطوائف والمؤسسات الدينية التي تسيطر على قضايا الاحوال الشخصية وتخضعها لسلطتها القضائية التي تتناقض في معظمها مع المروحة الواسعة من الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
ويلاحظ ان لبنان وافق على أكثر من 15 توصية بشأن القضاء على التعذيب وتعهّد بتعديل تشريعاته بما ينسجم مع إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والبروتوكول الاختياري الملحق بها، الذي يشكل لبنان طرفاً فيها، وكذلك بشأن الجهود التي يبذلها في هذا السياق ومساءلة الجناة.
ومن المعلوم ان للمحكمة العسكرية في لبنان الحق في محاكمة المدنيين؛ رغم أنّ هذه الهيئة القضائية لا يحق لها النظر في قضايا المدنيين بسبب افتقارها إلى الاستقلالية والنزاهة، كما نبه إلى ذلك الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة، إضافة إلى أنها تقوم بإجراء محاكمات غير علنية. وتعليقاً على لائحة التوصيات التي قبلها لبنان أسفت منظمة الكرامة لكون لبنان لم يقبل بتوصية المجر المطالبة بـ “حد اختصاص المحكمة العسكرية لمحاكمة العسكريين، وتعزيز استقلال القضاء”.
وكانت منظمة الكرامة أثارت في تقريرها الذي قدّمته إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، موضوع عقوبة الإعدام؛ فعلى الرغم من تعليق تنفيذ هذه العقوبة منذ العام 2004، أصدرت السلطات القضائية 28 حكما بالإعدام في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير وشباط/فبراير 2015. وفي هذا الشأن، قدمت حوالي 10 دول أعضاء توصيات تدعو فيها سلطات البلاد إلى تعليق العمل بحكم الإعدام في انتظار إلغائه نهائياً، لكنّ لبنان لم يقبل بأي توصية منها ولم يظهر أي تجاوب إزاءها.
لائحة التوصيات التي يرفض لبنان العمل على تحقيقها تتضمن الكثير من الخطوات منها، انظمامه الى العديد من الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها وابرزها البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يهدف الى الغاء عقوبة الاعدام. ورغم ان تنفيذ عقوبة الاعدام في لبنان مجمدة فان استمرار المحاكم المدنية والعسكرية في اصدار الاحكام التي تصل عقوبتها الى الاعدام بالاستناد الى قانون العقوبات الحالي، يؤكد ان هذه النوع من العقوبات لا يزال يحظى بدعم سياسي يؤخر الغاءه.
كذلك رفض لبنان سحب تحفظاته على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة، خصوصاً المادة المادة 9 التي تتعلق بحق النساء التمتع وأطفالهن بالجنسية، والمادة 16 التي تتعلق بالمساواة القانونية في الزواج والعلاقات الأسرية، والمادة 29 التي تتعلق باللجوء إلى التحكيم لحل النزاعات في حال نشوئها حول تفسير وتطبيق الإتفاقية.
كذلك يرفض لبنان التوصيات التي طالبته بالانظمام الى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وافراد اسرهم. وعدد من الاتفاقيات المرتبطة بمنظمة العمل الدولية لا سيما الاتفاقية التي تكفل حرية تاسيس النقابات في القطاع العام. ورغم ان الحركة النقابية بين موظفي القطاع العام بدأت بالتوسع في لبنان، فان العقلية التقليدية ترفض اعطاء هؤلاء الفئة من العمال حقهم بالتشكل داخل اطار نقابي الامر الذي يتعارض مع ابسط قواعد حقوق الانسان.
في المقابل قبل لبنان التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الاطفل بشان اشتراك الاطفال في النزاعات المسلحة. كذلك قبل التصديق على اتفاقيات دولية سبق ووقعها من بينها اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري. ومن المعلوم ان هاتين الاتفاقيتين ابصرتا النور منذ ما يزيد عن عشرة سنوات، لكن هناك اشكالية سياسية في لبنان كون الحكومة التي ارسلت هذه الاتفاقيات الى المجلس النيابي عام ٢٠٠٦ للمصادقة عليها ، كانت حكومة معتبرة من قبل أكثر من فريق سياسي انها حكومة غير ميثاقية وغير دستورية كونها لا تضم ممثلين عن احد الطوائف الاساسية في لبنان، ومنذ ذلك الحين لم تسترد اي من الحكومات اللبنانية المتعاقبة مشاريع القوانين للمصادقة على هذه الاتفاقية التي لا تزال غير نافذة في لبنان.
ومن ابرز التوصيات التي جدد لبنان قبوله لها كونه قبلها عام ٢٠١٠ ولم يطبقها: إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس؛ إنشاء هيئة وطنية تتعلق بآلية الوقاية من التعذيب المنصوص عنها في الاتفاقية والبروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، تعهد لبنان معالجة ملف الإخفاء القسري لكونه من الجرائم التي لا تسقط بمرور الزمن، كما فصّلت المحاكم اللبنانية؛ التعهد بتحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين من دون تحديدات واضحة لجهة تعديل قانون التملك والعمل، مع الطلب من الدول زيادة مساهمتها لوكالة الأونروا لتحسين الظروف المعيشية في المخيمات. التعهد بتحسين وضع النازحين السوريين مع الطلب من الدول زيادة مساهمتها لوكالة الامم المتحدة للاجئين للقيام بمهماتها. أما التوصيات التي يزال يرفضها فتشمل الى إلغاء عقوبة الإعدام؛ رفض الانضمام إلى اتفاقية اللاجئين لعام ١٩٥١ لكون لبنان «ليس بلد لجوء مؤقت أو دائم» مع تعهد تعزيز مذكرة التفاهم مع مفوضية اللاجئين العليا لتنظيم عملية رعايتهم في لبنان. رفض لبنان إزالة التحفظات التي يضعها على اتفاقية إلغاء التمييز ضد المرأة، ما يعني عدم الموافقة على الاقتراح المتعلق بحق المرأة اللبنانية في منح الجنسية لأولادها من زوجها الأجنبي، وتكرار مقولة أن المجتمع اللبناني منقسم حيال شروط منح الجنسية بسبب التركيبة اللبنانية الطائفية.
ورغم ان الوفد اللبناني ركز خلال الجلسة التفاعلية التي عقدت في تشرين الثاني الماضي على قضية التمييز على اساس الجنس، مذكراً باجتهادات قضائية صدرت في لبنان واعطت تفسير لهذه المادة لا يجرم العلاقات الجنسية بين المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. فان لبنان كرر رفضه القبول باي توصية تتعلق حماية المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات وذوي وذوات التفضيل الجنسي المزدوج وضمان تمتعهم بالمساواة في الحقوق مع غيرهم.
ويلاحظ ان قائمة التوصيات التي حظيت بقبول لبنان قد صدرت بمعظمها عن دول اسيوية وعربية وهي توصيات عامة وغير محرجة، فيما رفضت غالبية توصيات الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية على قضايا حساسة من قبيل الجنسية واللاجئين والتعذيب والاعدام والحقوق المدنية والسياسية والانتخابات النيابية والبلدية.
وفي حين يفاخر لبنان بانه من الدول التي وضعت خطة وطنية لحقوق الانسان، يلاحظ ان هذه الخطة لم تسلك مسارها الى التنفيذ وبقيت مجرد وثيقة ادبية اخذ مجلس النواب علماً بها دون ان يقر تشريعات تكفل انفاذها.
سوف يواكب موقع www.greenarea.info هذا الحدث بتقارير مباشرة من جنيف
كما سيتم بث هذه الجلسة عبر يوتيوب
http://www.youtube.com/channel/UCelBEnjP17avnAvqVsXSsqQ/live
ترقبونا !