صادق مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة على التقرير اللبناني المقدم امام آلية الإستعراض الدوري الشامل. وبعد قرابة ساعة على مداخلات عدد من الدول التي علقت على التقرير اللبناني، ومداخلة رئيسة بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة نجلا رياشي عساكر، اعلن رئيس مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تشوي كيونغ ليم، عن اعتماد التقرير اللبناني الذي تضمن قبول الحكومة اللبنانية ١٣٠ توصية من اصل ٢١٩ تقدمت بها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الى لبنان بهدف تحسين سجله في حقوق الانسان.
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=JR6wZuS5Kig]
واستعرض لبنان تقريره الوطني الثاني يوم الثاني من تشرين الثاني 2015 حيث قُدّمت له 219 توصية، قبل منها 128، ورفض 89 منها، في حين قبل جزئياً بتوصيتين. في الحصيلة النهائية يكون لبنان قد قبل ما يشكل 60 بالمئة من التوصيات.
وقالت السفيرة عساكر في مداخلتها : “تصر السلطات اللبنانية على الوفاء بكافة التزاماتها الدولية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان، على الرغم من الظروف الاستثنائية الصعبة والحساسة والدقيقة التي يمر بها لبنان والمتمثلة بتحدي الإرهاب، وتأثير العدد غير المسبوق من النازحين واللاجئين على الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والمالي. ويؤكد لبنان دائماً التزامه بآلية الإستعراض الدوري الشامل، التي تشكل ديناميكية هامة تهدف لتطوير وتعزيز حالة حقوق الإنسان في الدول كافة، والتي تعمل في إطار المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان.
واضافت عساكر: “ إن لبنان لا يكتفي بالإلتزام بهذه الآليات، بل يرى هذا الإلتزام في إطار أوسع من المصداقية والشفافية، مما دفعه الى القبول بالتوصيات التي يمكنه أن يفي بها، ويؤمن تطبيقها، قبل الإستعراض الدوري الشامل المقبل الذي حُدِدَ مبدئياً خلال الدورة الـ 37 في العام 2020.
وبررت عساكر عدم قبول لبنان العديد من التوصيات بالقول: “ أن نسبة عالية من التوصيات التي أخذ لبنان علماً بها، كان من الممكن له أن يقبلها، لا بل كان من الأسهل له أن يقبلها، لولا إصراره على أن يقترن دائماً إلتزامه بالمصداقية. وبهذا الإطار لن يتردد أن يبلغ سكرتارية المفوضية السامية لحقوق الإنسان المعنية بآلية الإستعراض الدوري الشامل بأية توصيات إضافية قد تطبق، حتى لو لم يكن قبل بها في الأساس. وبالتالي فإن أكثرية التوصيات التي لم تقبل، أو التي أخذ لبنان بها علماً، هي لأنه يعتقد أن تنفيذها غير مضمون خلال السنوات المقبلة، لكن ذلك لا يعني توقف الجهود في سبيل التوصل إلى نتائج إيجابية حولها. ببساطة قرر لبنان أن يقبل ما يستطيع الوفاء به، كي لا يضطر لاحقاً الى تقديم تفسيرات أو تبريرات تكون خارج إطار قناعاته، فلبنان ملتزم تماماً بآلية الإستعراض الدوري الشامل، كما بمعياري الشفافية والمصداقية.
وحول مسالة اللاجئين قالت عساكر: “لم يغلق لبنان يوماً حدوده في وجه طالب أمان أو مُضطَهَد بالرغم من عدم توقيع لبنان اتفاقية اللاجئين للعام ١٩٥١، وبالرغم من محدودية قدراته الإستيعابية. ولقد شعر العالم مؤخراً بخطورة التحديات التي واجهت أوروبا المتينة اقتصادياً والمستقرة سياسياً والواسعة جغرافياً، بسبب تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الها، فكيف ببلد صغير مثل لبنان. بإختصار، إن لبنان إلتزم في الممارسة وفي الواقع كل مندرجات إتفاقية العام 1951، بالرغم من عدم توقيعه عليها، بشكل أفضل بكثير من بعض الدول التي وقعت عليها ولكنها لم تلتزم بمضمونها.
وقدمت العديد من المنظمات غير الحكومية توصياتها الى الحكومة اللبنانية. بينها مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب الذي اعلن امينه العام محمد صفا عن ضرورة ان يكون هناك حوار بين الحكومة اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني لتنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل. ولفت صفا الى انه من غير المقبول ان يربط عدم التقدم في حالة حقوق الانسان في لبنان بقضايا اللاجئين ومكافحة الارهاب فقط، فحالة عدم الاستقرار السياسي ناتجة عن نظام المحاصصة الطائفي الذي يمنع انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام مؤسسات الدولة.
بدورها طالبت وسام باسندو من اللجنة العربية لحقوق الانسان بان تعلن الحكومة اللبنانية موقفها بطريقة اكثر وضوحاً تجاه التوصيات التي اخذت علماً بها، فهل هي مرفوضة ام مقبولة ام خاضعة للنقاش، وهذه مسالة مفصلية لتبيان مسار تنفيذ التوصيات.
كذلك تحدث مهدي زيدان من منظمة سي او سي الهولندية فطالب الحكومة اللبنانية بوقف تجريم العلاقات الجنسية بين المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات وذوي وذوات التفضيل الجنسي المزدوج بالاستناد الى مادة في قانون العقوبات تعود الى زمن الاستعمار.
ويلاحظ من لائحة التوصيات التي قبلت بها الحكومة اللبنانية، انها جاءت توصيات عامة وفضفاضة ولا تلزم لبنان باي موضوع “اشكالي” ولا يحظى باجماع حكومي من قبل مختلف الوزارات والادارات، وبالتأكيد لا يزعج ممثلي الطوائف والمؤسسات الدينية التي تسيطر على قضايا الاحوال الشخصية وتخضعها لسلطتها القضائية التي تتناقض في معظمها مع المروحة الواسعة من الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
ويلاحظ ان لبنان وافق على أكثر من 15 توصية بشأن القضاء على التعذيب وتعهّد بتعديل تشريعاته بما ينسجم مع إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والبروتوكول الاختياري الملحق بها، الذي يشكل لبنان طرفاً فيها، وكذلك بشأن الجهود التي يبذلها في هذا السياق ومساءلة الجناة.
لائحة التوصيات التي يرفض لبنان العمل على تحقيقها تتضمن الكثير من الخطوات المطلوب منها انظمامه الى العديد من الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها وابرزها البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يهدف الى الغاء عقوبة الاعدام. ورغم ان تنفيذ عقوبة الاعدام في لبنان مجمدة فان استمرار المحاكم المدنية والعسكرية في اصدار الاحكام التي تصل عقوبتها الى الاعدام بالاستناد الى قانون العقوبات الحالي، يؤكد ان هذه النوع من العقوبات لا يزال يحظى بدعم سياسي يؤخر الغاءه.
كذلك رفض لبنان سحب تحفظاته على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة، خصوصاً المادة المادة 9 التي تتعلق بحق النساء التمتع وأطفالهن بالجنسية، والمادة 16 التي تتعلق بالمساواة القانونية في الزواج والعلاقات الأسرية، والمادة 29 التي تتعلق باللجوء إلى التحكيم لحل النزاعات في حال نشوئها حول تفسير وتطبيق الإتفاقية.
ورفض لبنان التوصيات التي طالبته بالانظام الى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وافراد اسرهم. وعدد من الاتفاقيات المرتبطة بمنظمة العمل الدولية لا سيما الاتفاقية التي تكفل حرية تاسيس النقابات في القطاع العام. ورغم ان الخركة النقابية بين موظفي القطاع العام بدأت بالتوسع في لبنان، فان العقلية التقليدية ترفض اعطاء هؤلاء الفئة من العمال حقهم بالتشكل داخل اطار نقابي الامر الذي يتعارض مع ابسط قواعد حقوق الانسان.
في المقابل قبل لبنان التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الاطفل بشان اشتراك الاطفال في النزاعات المسلحة. كذلك قبل التصديق على اتفاقية دولية سبق ووقعها من بينها اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري.
ومن ابرز التوصيات التي جدد لبنان قبوله لها كونه قبلها عام ٢٠١٠ ولم يطبقها: إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس؛ إنشاء هيئة وطنية تتعلق بآلية الوقاية من التعذيب المنصوص عنها في الاتفاقية والبروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، تعهد لبنان معالجة ملف الإخفاء القسري لكونه من الجرائم التي لا تسقط بمرور الزمن، كما فصّلت المحاكم اللبنانية؛ التعهد بتحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين من دون تحديدات واضحة لجهة تعديل قانون التملك والعمل، مع الطلب من الدول زيادة مساهمتها لوكالة الأونروا لتحسين الظروف المعيشية في المخيمات. التعهد بتحسين وضع النازحين السوريين مع الطلب من الدول زيادة مساهمتها لوكالة الامم المتحدة للاجئين للقيام بمهماتها.