قطعت الطاقة المتجددة أشواطا كبيرة وحققت نجاحات مهمة، ولا سيما في السنوات القليلة الماضية، لكن أن تصل استثماراتها إلى رقم قياسي، وأن تتفوق على خياري استخدام الفحم والغاز في توليد الكهرباء المنخفضة التكاليف، فهذا ما لم يكن متوقعا، حتى بالنسبة لمن كانوا أكثر تفاؤلا، وهذا ما أكده تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة “يونيب”UNEP ، الذي أشار في تقريره السنوي العاشر، تحت عنوان “الاتجاهات العالمية في الاستثمار في الطاقة المتجددة للعام 2016″، Global Trends in Renewable Energy Investment 2016 الصادر أخيرا، بالتعاون بين “مدرسة فرانكفورت – المركز التعاوني لتمويل المناخ والإستدامة التابع لليونيب” the Frankfurt School-UNEP Collaborating Centre for Climate & Sustainable Energy Finance، وتمويل الطاقة الجديدة التابع لبلومبرغ Bloomberg New Energy Finance (BNEF)، أن الاستثمار العالمي السنوي في العام 2015 في مجال الطاقة المتجددة بلغ 266 مليار دولار أميركي، وهو يفوق ضعف ما تم استثماره في محطات الكهرباء العاملة على الفحم والغاز، والتي بلغت 130 مليار دولارا.
وشمل الإستثمار المراحل الأولية في تكنولوجيا الطاقة المتجددة الأبحاث والتطوير Research and Development، فضلا عن الإستثمار في قدرات وتقنيات جديدة، حتى وصل الإستثمار إلى 286 مليار دولار، أي ما يزيد بنسبة 3 بالمئة عما كان عليه الأمر في العام 2011. ومنذ العام 2004 بلغت قيمة الإستثمارات في الطاقة المتجددة حوالي 2،3 تريليون دولار، أما المثير للإهتمام في هذا المجال أن قيمة الإستثمارات في الطاقة المتجددة في الدول النامية تجاوزت استثمارات الدول المتقدمة.
وساهم الانخفاض في تكلفة توليد الطاقة لكل ميغاواط ساعة، لا سيما في الخلايا الكهروضوئية الشمسية، ووصلت الطاقة المتجددة باستثناء الكهرومائية إلى نسبة 54 بالمئة من قدرات الجيغاواط الإضافية المتولدة من كافة التكنولوجيات المستخدمة العام الماضي، وهذه هي المرة الأولى التي تتجاوز فيها الطاقة المتجددة المضافة كافة التقنيات التقليدية لتوليد الطاقة.
تحقيق الأهداف الدولية بشأن تغير المناخ
وبلغت الطاقة المتولدة باستخدام الطاقة المتجددة في كافة أنحاء العالم 134 جيغاواط GW في العام 2015، مقارنة مع 106 جيغاواط GW في العام 2014 و87 جيغاواط GW في العام 2013.
وقال المدير التنفيذي لبرنامج يونيب أكيم شتاينر Achim Steiner أن “مصادر الطاقة المتجددة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى لأنماط حياة منخفضة ببصمة الكربون، وتعد الاستثمارات القياسية في العام 2015 دليلا آخر على هذا الاتجاه، الأهم من ذلك، فلأول مرة وفي العام 2015، كانت زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة في في البلدان النامية أكثر من تلك المتقدمة”، وأضاف أن “الحصول على طاقة نظيفة وحديثة ذات قيمة هائلة لكافة المجتمعات، يمكن أن يقدم تحسينات كبيرة في نوعية الحياة، فضلا عن التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية، ويعتبر استمرار وزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ليس جيدا للناس والكوكب فحسب، بل ستكون عنصرا أساسيا في تحقيق الأهداف الدولية بشأن تغير المناخ والتنمية المستدامة”.
وأشار شتاينر إلى أنه “باعتماد الأهداف التنمية المستدامة في العام الماضي، تعهد العالم بالقضاء على الفقر وتعزيز التنمية المستدامة، وضمان حياة صحية، فضلا عن الحصول على طاقة نظيفة للجميع بأسعار معقولة وبشكل مستدام، ويمكن للاستثمار المستمر والمتزايد في مصادر الطاقة المتجددة أن يشكل جزءا هاما للوفاء بهذا التعهد”.
وقال رئيس المجلس الاستشاري في BNEF مايكل ليبريتش Michael Liebreich أن “الاستثمارات العالمية في مصادر الطاقة المتجددة بلغ مستوى قياسيا جديدا في عام 2015، متجاوزا بكثير مصادر الطاقة الأحفورية على الرغم من انخفاض أسعار النفط والغاز والفحم، وتوسع الإستثمار ليشمل عددا أكبر من البلدان النامية، وساعد على خفض قياسي في تكاليف وفوائد إنتاج الطاقة المحلية بدلا من الإفراط في الاعتماد على المواد المستوردة (النفط)”.
وكما هو الحال في السنوات السابقة، فقد بين التقرير سيطرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على سوق الطاقة المتجددة في العام 2015، وقد بلغتا معا 118 جيغاواط GW، وهي كمية تفوق تلك المسجلة في العام 2014 والبالغة 94 جيغاواط GW، هذا وقد بلغت مساهمة طاقة الرياح 62 جيغاواطGW ، والخلايا الكهروضوئية 56 جيغاواط GW، وقدمت الكتلة الحيوية وتحويل النفايات إلى طاقة والطاقة الحرارية الأرضية، وكذلك الطاقة الشمسية الحرارية ومشاريع الطاقة الكهرومائية الصغيرة مساهمات متواضعة.
ولاقت عملية تخزين الطاقة في البطاريات كعامل مساعد لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأنظمة الكهروضوئية على نطاق صغير، مزيدا من الإهتمام في العام 2015، ويعتبر تخزين الطاقة ذات أهمية كبيرة كونه أحد السبل لتوفير سرعة استجابة وتوازن لشبكة الكهرباء، سواء للتعامل مع ارتفاع الطلب، أو توليد الطاقة المتجددة المتبدل، خصوصا من الرياح والطاقة الشمسية، ووصل تخزين الكهرباء في كافة أنحاء العالم في العام الماضي إلى حوالي 250 ميغاواط MW، باستثناء الطاقة الكهرومائية وبطاريات الرصاص الحمضية، مقارنة بحوالي 160 ميغاواط MW في العام 2014.
الصين وكندا في المقدمة
بلغت الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة في الدول النامية والاقتصادات الناشئة في العام 2015، ولأول مرة 156 مليار دولار، بزيادة 19بالمئة مقارنة مع العام 2014، وتفوقت على نظيراتها في الدول المتقدمة (130 مليار دولار، بانخفاض 8 بالمئة عن العام 2014).
وبلغت الاستثمارات العالمية رقما قياسيا في الصين بزيادة 17بالمئة إلى مبلغ 102،9 مليار دولار أو 36 بالمئة من الإجمالي العالمي، وتشمل البلدان النامية الأخرى التي شهدت زيادة في الاستثمار: الهند (بنسبة 22 بالمئة وصلت إلى 10،2 مليار دولار)، جنوب أفريقيا (حتى 329 بالمئة لتصل إلى 4.5 مليار)، المكسيك (حتى 105 بالمئة وصلت إلى 4 مليارات) وتشيلي (حتى 151 بالمئة وصلت إلى 3،4 مليار دولار).
وانضم المغرب وتركيا وأوروغواي إلى لائحة الدول المستثمرة لأكثر من 1 مليار دولار. وكانت الاستثمارات في البلدان النامية بشكل عام في العام الماضي أعلى 17 مرة مما كانت عليه في العام 2004.
ومن بين البلدان المتقدمة، انخفض الاستثمار في أوروبا بنسبة 21 بالمئة، من 62 مليار دولار في 2014 إلى 48،8 مليار دولار في العام 2015، وهو أدنى رقم تم تسجيله في القارة لمدة تسع سنوات تواليا على الرغم من الاستثمارات في مشاريع طاقة الرياح البحرية.
وارتفع الإستثمار في الولايات المتحدة بنسبة 19بالمئة لتصل إلى 44،1 مليار دولار، أما في اليابان فكان الاستثمار مماثلا إلى حد كبير، في مقارنة مع ما تم تسجيله في العام السابق بلغ 36،2 مليار دولار.
ويعزى هذا التحول في الاستثمار في البلدان النامية، منه في الاقتصادات المتقدمة إلى عدة عوامل: اندفاع الصين لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، ارتفاع الطلب على الكهرباء في البلدان الناشئة، وانخفاض تكلفة اختيار مصادر الطاقة المتجددة لتلبية هذا الطلب، والنمو الاقتصادي البطيء في العالم وانخفاض الدعم في أوروبا.
الطريق لا زال طويلا
يظهر الإستثمار المتزايد في الطاقة المتجددة تطورا هيكليا، بدأ يشهد تقدما بشكل ملحوظ. ولا تزال الطاقة المتجددة، باستثناء مشاريع المياه الكبيرة تشكل نسبة قليلة من مجموع توليد الطاقة الموجودة في العالم (حوالي سدس الكمية، أو 16،2 بالمئة)، إلا أن هذا الرقم شهد ارتفاعا (من 15،2 بالمئة في العام 2014). وفي الوقت نفسه كانت كمية الكهرباء الفعلية الناتجة من تلك المصادر المتجددة 10،3 بالمئة المولدة عالميا في العام 2015 (مقارنة بـ 9،1 بالمئة في العام 2014).
وقال الدكتور أودو ستيفنز Udo Steffens، رئيس مدرسة فرانكفورت المالية والإدارية “على الرغم من الإشارات الطموحة في مؤتمر المناخ COP 21 في باريس، والقدرة المتزايدة في إنشاء الطاقة الجديدة المتجددة المتولدة، لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه”.
واعتبر ستيفنز أن “محطات الطاقة العاملة باستخدام الفحم وغيرها من محطات الطاقة التقليدية ذات عمر أطول، وبدون تدخلات سياسية، فإن تغير المناخ الناتج عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سيستمر لعشر سنوات أخرى على الأقل”.
وأضاف ستيفنز أن “الإنخفاض الكبير الأخير في أسعار الفحم والنفط والغاز يجعل توليد الكهرباء التقليدية أكثر جاذبية”، ومع ذلك، فإن الالتزامات التي تعهدت بها كافة الدول في قمة المناخ في باريس في ديسمبر (كانون الاول) والبيانات المكررة في قمة G7 العام الماضي، تلتزم بنظام كهربائي منخفض أو معدوم من انبعاثات الكربون”.