رجا نجيم

ما حدث أثناء زيارة النائب وليد جنبلاط لمدينة الشويفات، ليس سوى مهزلة بخصوص موضوع النفايات، وبدا وكأن ثمة تأكيدا على رشوة علنية للشويفات بمساحات إضافية من الأراضي البحرية “غير الشرعية”، بغض النظر عن المعاهدات الدوليّة المتعلقة بصحة وسلامة وبيئة المواطنين، كأن الشويفات ينقصها أراضٍ في هذا القسم منها، وكأن ما سيتم ردمه من البحر ستعود ملكيته للشويفات ولأهاليها! كل ذلك وسط جريمة بيئية سترتكب بحق الشاطىء والبحر وتنوعه البيولوجي، وبحق الثروة السمكية والتوازن الإيكولوجي على طول هذه المنطقة “العذراء”!
لكن الأخطر هو ان زعيما مثل وليد جنبلاط يعتقد ان شعب الشويفات وسواهم هم من الجهال او العميان او من فاقدي الذاكرة، فالكلّ يعرف قصة “الكوستابرافا” وعلاقة جماعة البك بها! كأن الشويفات ليست من لبنان ولا ضمن منطقة محاذية للشوف حيث ما هو ممنوع من مسّ بالطبيعة والبيئة عامة هو مقبول ومُباح فيها وفي ضواحيها! وفي ما يتم ضمن إدارة النفايات من فرز ثانوي ومعالجة بيئيّة ضمن الشوف الأعلى والوسط والسفلي هو ممنوع على الشويفات والضاحية وكل بيروت، القيام به.
حقّا إننا في ديكتاتوريّة الإفلاس العلمي والتقنيّ والبيئيّ والإجتماعي، وحتى الإنساني، وحقاً بيروت الكبرى يجب ان تكون موحّدة كما قال الأستاذ جنبلاط، فلماذا لا ينادي للتطبيق فيها وعلى الجميع حلول بيئية صحيحة وغير مؤذية او خطرة على أهلها، خصوصاً وان مركز الفرز الثانوي في العمروسية موجود ويحتاج فقط الى بعض التحسين في تجهيزاته لاستيعاب الكمية الإجمالية المتوقعة، والقيام بفرزها بشكل صحيح، ومعالجتها بالطريقة المناسبة، ومنها التخفيف الى أقصى حدّ ما يتبقّى، والذي يمكن الاّ يصل الى الـ 15 بالمئة من عوادم غير خطرة وغير مسببة للأمراض، وهي المواد غير العضويّة ذات قيمة حراريّة لا تصلح لإعادة التدوير، يتمّ بعد فرمها استعمالها كبدل وقود من قبل مثلاً معمل سبلين للإسمنت، كل ذلك ممكن وسهل بوجود كل هذه المساحات التي تكلّم عنها النائب طلال أرسلان والتي قسم منها فقط يكفي لمعالجة هذه البقايا (من هضم لاهوائيّ للمواد العضوية، وتجهيز وتوضيب للمواد غير العضوية ذات قيمة حراريّة…)، مع إستعمال مؤقتاً لقسم آخر من هذه الأراضي لتخزين هذه العوادم ريثما ينهي معمل سبلين تجهيزاته الجديدة، وريثما يتمّ إنهاء تركيب معامل الهضم هذه (في أقصى حدّ 6 أشهر)، في هذه الحال إذا بقي شيء من عوادم العوادم فهو سيُعدّ بالوحدات يمكن تصريفه بطرق عديدة وهي متوفرة في لبنان، منها بالطمر الصحي المركز الذي لا عصارة فيه ولا غاز (الميثان) ينبعث منه، وذلك مشكّلاً تخزينا مؤقّتا ليس إلا، الى ان يتمّ وجود طرق أخرى للتخلص منه.
وهنا نسأل استطراداً فقط، لماذا التعامل مع أبناء الشويفات والضاحية الجنوبية من بيروت كأنهم “اولاد جارية”، ولا نعاملهم مثلما سيتم معاملة ابناء برج حمود والضاحية الشمالية، حيث من جهة لا معمل جديد للفرز والمعالجة، بل ان معمل الكرنتينا سيقوم بالفرز الصحيح ولن يتم طمر (مع انّه من الحلول الجبانة بامتياز) سوى عوادم العوادم، بدون أي مواد عضويّة او أي عوادم أخرى يمكن ان تشكل خطراً لتوليد الأمراض السرطانية وغيرها؟ أهكذا يا وليد بك يتحقق العدل ما بين المواطنين؟
ونضيف هل زار حقيقة “البك” منطقة “الكوستا برافا” مؤخراً وهو الذي على علم تام بتطور تاريخها منذ بناء هذه المنشأة التي في البداية كانت فندقاً؟ بالتأكيد كلاّ! فعلى عكس ما يتم محاولة تمريره، هذه هي التسمية التي يجب اتباعها لأن مصب الغدير ليس بقرب جبلي الردميات الحاليّة الممزوجة بالنفايات غير المخمّرة بعد، التي يتمّ إزالتها وحيث يريدون القيام بردم البحر، هذه “الكارثة – الفضيحة”، بالإضافة الى المخاطر المرتقبة نسبة للملاحة الجوية بسبب قرب هذا الموقع من المدرج المستحدث في المطار، فطيور النورس ستتجمّع بكل تأكيد فيه أقلّه أثناء عملية التخزين التحضيرية!؟
كما من الواضح ان الأستاذ وليد بك لا رغبة له بذلك، فيبدو ان وقوفه على الاطلال أمر صعب عليه القيام به اليوم! لأنه لو فعل لكان رأى شاطئها الرملي الخلاب الذي لم يمسّه الإنسان منذ آلاف السنين وعلى طول عدة كيلومترات. كما أيضاً، لكان بكل تأكيد تذكّر ان هناك آثارا من العصر الحديدي، كما لبلدة فينيقيّة مع آثار لبازيليكيات من المسيحية المبكرة وغيرها من الآثار الرومانية فالبيزنطية، تمتد على قسم من الشاطىء، كما من جهتي الطريق العام حيث يوجد ما هو معروف “بتلّة الآثار” الشهيرة منذ أيام “موريس شهاب”، حين كان يمنع علينا كلنا بما فيه هو نفسه الدخول اليها، ولربما كان تذكر ان هذه الآثار التي قام بإكتشافها الأركيولوجي “روجيه صيدح”، موجودة أيضاً تحت تلتيّ الردميات الحاليّة، مما قد يسبب له إحراجاً إضافيّاً تجاه البعض! فما تمّ المحافظة عليه منذ الستينيات من القرن الماضي وبالرغم من الحروب وغطرسة الأعداء و”شهيّتهم” بسرقة آثارنا، يقوم اليوم من تمّ تنصيبه باأّه الحامي الأول او الأفضل للبيئة والتراث والآثار بإعطاء موافقته، وبالقيام بتغطية كل هذا الدمار على جميع الأصعدة، مع انّ الحل البديل الشجاع والسهل في نفس الوقت متوفّر ويُخلّص الجميع!
وهنا أيضاً تظهر بوضوح إزدواجية بالمواقف والمبادىء والشعارات المعلنة! أوليس هو من المدافعين الأول عن التراث والآثار خصوصا في بيروت! كيف ننسى “لذعاته” القاسية ضد بلال حمد رئيس مجلس بلدية بيروت؟ لكن تبين لنا اليوم ان لا فرق بين أي مسؤول عندما يصبح التضليل سيد الموقف ويا للأسف! ضيعان كل شيء “تغنينا” فيه بوليد جنبلاط الذي كنا نعتقد انه دوماً في ما خصّ هذه الأمور هو ذو منطق سليم، ومثقف علميّاً لدرجة ألاّ يدع البعض ممن حوله ينجحون بعمليات التضليل الدائمة التي يقومون بها، والتي لا يمكن ان تخفي سوى مآرب ومصالح شخصية، البعض منها تجسّد مثلاً بأن قام مؤخرّاً السيد أكرم شهيب بإعطاء وبالخفاء (تحت الطاولة) وبدون أي رخصة رسمية موافقة قطع الأشجار حتى حزيران (يونيو) في منطقة سدّ جنّة، مع ان ذلك مناقض حتى لكل ما صدر عنه سابقاً، ولمواقف وقرارات الوزير المختص بهذا الملف كما رئاسة مجلس الوزراء، مع بقاء السيد شهيب ولأيام ينكر ذلك ويُصرّ علناً خلاف ذلك! فبالمناسبة نقول له: “مُعيب” هذا الذي حصل، وانتم مسؤولون كما الفاعل الذي قطع بل جرف واقتلع الاف الأشجار المعمرة، وسمحتم بأن يتمّ تحضير محضر الضبط باسم شخص وليس باسم الشركة مع انها هي نفسها أقرّت بأنّها الفاعل! ونسأله أخيراً: هل يجرؤ على الموافقة على قلع ولو شجرة واحدة بالشوف او حتى في عالية؟
“ضيعانك يا بلد بالذين يحكمون شعبك”! لكن نؤكد لهم أنّه في النهاية “لن يصحّ إلاّ الصحيح” وسينتصر الحق على “جماعة الخطأ والغلط” ومن يتبعهم.

المنسق العام للإئتلاف المدني الرافض لخطة الحكومة للنفايات

الاراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع greenarea.info

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This