سوزان أبو سعيد ضو

ما لا يمكن إنكاره حتى من المشككين بتغير المناخ، أن الطاقة المتجددة وخصوصا الطاقة الشمسية تعد طاقة لامتناهية، ولا يمكن نضوبها، مقارنة مع غيرها من أنواع الطاقة، وبالتالي فإن توليد الطاقة الشمسية تشكل بديلا نظيفا من الناحية البيئية مقارنة بغيرها من أنواع الطاقة، وهذا ما دفع العلماء ليس إلى اختراع خلايا شمسية photovoltaic cells ذات كفاءة عالية فحسب، بل اختراع خلايا لا تشغل مساحات كبيرة، بشكل يسهل وضعها على أي سطح صلب مثل البلاستيك والفايبر والزجاج، وحتى في المساحات المحدودة مثلا في المدن والمناطق ذات الكثافة العمرانية، أو في مناطق حيث الوزن والمساحة والكفاءة من العوامل الهامة كسطح المركبات الفضائية مثلا.

وزن قليل وكفاءة كبيرة

وهذا ما دفع علماء من “معهد ماساشوستس للتكنولوجيا”Massachusetts Institute of Technology (MIT)، وهو من أعرق وأشهر الجامعات في مجالات الهندسة وعلم الفضاء، إلى ابتكار خلايا شمسية رفيعة للغاية بسماكة تقدر بـ 1،3 ميكرون، مقارنة مع سمك شعرة الإنسان (10 ميكرونات)، وتزن 0.01 رطلا (3،6 غرام لكل متر مربع)، بالمقارنة تزن ورقة المكتب العادية 20 ضعف هذا الوزن (70غراما)، ويقول كاتب المقال الرئيسي المهندس الميكانيكي وتلميذ برنامج الدكتوراه في “معهد (MIT)” جويل جان Joel Jean  أن “فكرة وضع الخلية الضوئية الرقيقة العائمة على سطح فقاعة صابون كانت لزميلي في المختبر باتريك براون Patrick Brown وكان رد فعلي الأول، كما أعتقد رد فعل الكثير منا، رائع!!”.

وقد نشر هذا البحث في مجلة Organic Electronics العلمية في العدد 31 لشهر نيسان (أبريل) للعام 2016.

وقال جان “ان الخلايا الشمسية الجديدة تحول الضوء إلى كهرباء بكفاءة كما هو الحال في الخلايا الشمسية التقليدية، القائمة على الزجاج”. واضاف “إلا أنه أمر غير عادي لخلايا مرنة أن تقوم بأداء مماثل لخلايا جامدة على الزجاج”، وبالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة القوة إلى الوزن  power-to-weight ratio هو من بين أعلى المعدلات التي تم إنجازها حتى الآن، وأشار الباحثون ان هذا هو المفتاح للتطبيقات التي يعتبر الوزن فيها مهما، مثل على المركبات الفضائية أو على بالونات البحوث على ارتفاعات عالية.

وبالمقارنة مع وحدات الطاقة الشمسية التقليدية المعتمدة على السيليكون التي تنتج نحو 6،8 واط لكل رطل (15 واط لكل كيلوغرام)، فالخلايا الجديدة تنتج أكثر من 2720 واط لكل رطل (6000 واط لكل كيلوغرام)، أو ما يقرب من 400 ضعفا.

وقال المهندس الميكانيكي والمشارك الرئيسي في البحث فلاديمير بولوفيتش Vladimir Bulović أن “الخلايا الجديدة خفيفة لدرجة أنك لا تشعر أنها موجودة، على قميصك، أو على الكمبيوتر المحمول”، وأضاف أنه “يمكن أن تشكل هذه الخلايا إضافة جديدة لهياكل أجهزة قائمة”.

كفاءة بيئية واستدامة

صفائح شمسية دقيقة

تستخدم الخلايا الجديدة مركب عضوي يعرف باسم DBP كمادة أولية لامتصاص الضوء، وتوضع الخلايا الشمسية بين طبقات من مادة parylene، وهي مادة مرنة من البلاستيك الشفاف ومتاحة تجاريا، تستخدم على نطاق واسع لحماية لوحات الدوائر والأجهزة الطبية المزروعة من الأضرار البيئية.

وتصنع الخلايا ومادة parylene معا داخل غرفة خالية من الهواء، على درجة حرارة الغرفة، ما يوفر عملية التعامل معها وتنظيفها، فضلا عن حمايتها من الشوائب وذرات الغبار التي تؤثر على كفاءة الخلايا الضوئية التقليدية، ولا سيما أن عملية التصنيع لا تحتاج إلى درجة حرارة عالية، أو استخدام مذيبات عضوية ضارة بالبيئة كما في نظيراتها التقليدية.

وأشار جان إلى إمكانية “استخدام مواد شمسية photovoltaic materials أخرى عدا DBP، ما يمكن أن يوفر كفاءة أكبر بإنتاج الطاقة بالنسبة للوزن المستعمل، من كمية 6 واط لكل غرام، التي تم إنتاجها بالعرض العملي الأول”.

ولحظ العلماء أن هذه التقنية قد تكون غير عملية كون الخلايا خفيفة للغاية ويمكن أن تتعرض للنثر من الرياح كونها خفيفة الوزن، إلا انه بالإمكان تصنيع خلايا أكثر كثافة تصل إلى 80 ميكرون، وبطريقة تجارية دون فقدان فوائد منهجية التصنيع الأصلية.

واقترح جان حلولا عملية لهذه المشكلة وقال أنه “باستخدام هذا المنهج، يمكن أن نتخيل تغليف الخلايا الشمسية الخفيفة أو حتى غير المرئية على النوافذ أو الأسطح الصلبة الأخرى من الأبنية، أو في أجهزة إلكترونية متكاملة”، وأضاف أنه “يمكن لمنتج استهلاكي أكثر فعالية استخدام هذه التقنية على غلاف بلاستيكي مرن، يمكن حمله كوسيلة طاقة متنقلة”.

رأي علمي

وقال عالم المواد a materials scientist في جامعة ميتشيغانthe University of Michigan في آن أربور Ann Arbor ماكس شتاين Max Shtein، ولم يشارك في هذا العمل واصفا الإنجاز بأن “هذه الخلايا الشمسية هي لحجم أرق وأخف وزنا من حامل الرقم القياسي السابق، ونتيجة لذلك، فإنه يترتب نتيجة هذا البحث آثار هائلة لتحقيق أقصى قدر من نسبة القوة إلى الوزن، وهو أمر هام للغاية لتطبيقات الفضاء، على سبيل المثال، والقدرة على تغليف الخلايا الضوئية ببساطة على الهياكل القائمة”.

وختم جان حول إمكانية تحويل التقنية إلى الإستهلاك العملي بأنه “كقاعدة عامة فإن الامر قد يستغرق عشر سنوات لأي تقنية للانتقال من مختبر الأبحاث إلى السوق”، وأنه لا يعرف بعد متى يمكن أن تكون هذه الخلايا الشمسية المتوفرة تجاريا، قد تشمل بعض التحديات الرئيسية في زيادة هذا النهج للاستخدام التجاري تطوير نظام متكامل لتصنيع عالي الإنتاجية.

خلاصة

لا زالت التكلفة الحالية عقبة أمام تبني تقنيات الطاقة الشمسية، وقد يكون لمفهوم هذه التكنولوجيا الجديدة إمكانات هائلة لإنعاش الطاقة الشمسية، ويذكر أن عملية “حصاد الطاقة الشمسية” بلغت ذروتها قبل أن تجرى عليها أبحاثا مستفيضة، ونتيجة لذلك، تعاني من ضعف تحقيق إمكاناتها كمصدر للطاقة النظيفة على نطاق واسع وبشكل صالح للاستعمال حتى الآن.

ومع أحدث التقنيات المبتكرة، وخصوصا رقائق الخلايا الشمسية، من الممكن وضع هذه الخلايا في أي مكان تقريبا، وعلى أي سطح، مع الجمع المناسب بين المواد والخلايا، يمكن توليد ما يكفي من الطاقة المطلوبة  للحياة اليومية. ورغم أن تطويرها وجعلها عملية قد يحتاج لبعض الوقت، ولكن ما هو مؤكد لفريق البحث والعلماء الآخرين هو مستقبل هذه التقنية الغني بالتطبيقات، وقال الفريق معلقا “لا نعتقد أن الأمر يتطلب معجزة لجعله عمليا، كل ما في الأمر أنه يحتاج للكثير من العمل”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This