تُعتبر الطيور المغرِّدة من الأطباق المحبَّبة في قبرص، لكن اصطيادها وتناوُلها يُعَدّ مخالفًا للقانون. ورغم ذلك.. ما زالت وتيرة الصيد مستمرة في التصاعد، وهو ما قد يشكل خطر فقدان الأنواع النادرة.

شاوني باتاشاريا

الشِّبَاك الضبابية معلَّقة في مسار طيران الطيور؛ للإيقاع بها.
الشِّبَاك الضبابية معلَّقة في مسار طيران الطيور؛ للإيقاع بها.

لم أَكُنْ مدركةً لخطورة الوضع، قبل أن أرى نَصْل السكين يومض في أشعة الشمس. على طول الطريق، ظل رجل فظّ يرتدي زيًّا عسكريًّا يرطن باليونانية في عدوانية، وكانت يداه المعقودتان وراء ظهره تفتحان وتطويان نصل السكين في مقبضها الخشبي. عمل هذا الرجل صيادًا، أو بلفظ أَدَقّ.. صياد طيور غير قانوني، وكان من الواضح أنه غير مُرَحِّب بأي صحبة. ولذا.. فقد تساءل: «ماذا تفعلون هنا؟».

جئنا أنا وزملائي إلى هذه الأحراش الجافة في جزيرة قبرص المتوسطية، بحثًا عن أدلّة على صيد الطيور المغردة. فهذه الطيور يتم اصطيادها بطريقة غير مشروعة، وتقدَّم كطعام في شكل طبق تقليدي يُسمى طيور الكروم ambelopoulia. وكنت حينها ضِمن رحلة انطلقت في سبتمبر الماضي؛ للوقوف على مدى انتشار ممارَسات الصيد. كان برفقتي روجر ليتل، وهو متطوع بريطاني من دعاة الحفاظ على البيئة، وسافاس، وهو ضابط ميداني مع جماعة معنيّة بالحفاظ على حياة الطيور، تُسمى «بيردلايف سايبرس»، وقد تم تغيير اسمه؛ لحماية هويته. لم نكن نتوقع أن نواجه صيادين في هذه البقعة في المنطقة التي تقع إلى الجنوب الشرقي من كيب بايلا؛ فهم في العادة يعملون ليلًا، عندما تكون الطيور نشطة، ولكن يبدو أنهم بدأوا مؤخرًا في القيام بدوريات في الموقع نهارًا. تابَعَ الصياد قائلًا باليونانية: «أنتم في أرضي».

قال سافاس: «إذا كانت هذه الأرض من ممتلكاتك الخاصة، فأنا أعتذر.. لم نكن نعرف ذلك، وسنغادرها الآن». تصرَّفنا بشكل طبيعي عندما رافقنا الرجل في طريق عودتنا إلى سيارة الدفع الرباعي التي أتينا بها، وتمتم قائلًا: «لا يجدر بي حقًّا السماح لكم بالمغادرة». وبعد لحظات، كنا نقود السيارة مبتعدين.

تَحَوَّل اصطياد الطيور في قبرص إلى جدل ينطوي على عدة نَوَاح من الجريمة، والتقاليد، والسياسة، والعلوم. وقد اعتُبرت ممارسته غير قانونية منذ أكثر من 40 سنة، ولكن هذا دفع الصيادين إلى الاصطياد في سِرِّيَّة. واليوم، يقطع الصيادون بشكل روتيني ممرات واسعة في الغطاء النباتي، ويعلِّقون «شِبَاكًا ضبابية» دقيقة من أقطاب؛ لاصطياد الطيور، ثم يتم إرسالها إلى المطاعم المحلية، حيث تُقَدَّم. ويتراوح ثمن الطبق الذي يحتوي على اثني عشر طيرًا ما بين 40 – 80 يورو (44 – 87 دولارًا أمريكيًّا). وتُعتبر تجارة الطيور المغردة هي المسؤولة عن سوق سنوية تُقَدَّر بـ15 مليون يورو. وهذا الطبق باهظ الثمن ومربح جدًّا، ويُشتبَه في كونه على صلة بالجريمة المنظَّمة، وقد تَعَرَّض الذين يحاولون إيقافه للتهديد والعنف. وتوضِّح منظمات الحفاظ على البيئة أن معدل الصيد آخِذ في الازدياد، وأنه يهدد أنواعًا نادرة من الطيور التي تتوقف في قبرص أثناء هجرتها. وفي مارس الماضي، أشار تقرير من منظمة «بيردلايف سايبرس» إلى قَتْل حوالي مليوني طائر في الخريف الماضي، وتَضَمَّن هذا العدد 78 نوعًا مهدَّدًا بالانقراض. وتزعم المجموعة أن الصيد ـ مضافًا إلى التهديدات الناجمة عن تغيُّر المناخ، وفقدان الموائل والأنواع الغازية ـ يمكنه إحداث ضرر، لا يمكن إصلاحه في حالة بعض الطيور. يقول كليري بابازوجلو، المدير التنفيذي لمنظمة «بيردلايف سايبرس»، الواقعة بالقرب من نيقوسيا: «لا يمكن تبرير قتل الطيور غير القانوني. إنه بمثابة آخِر ركلة إلى الهاوية بالنسبة إلى بعض الأنواع».

إنّ الصورة ليست بهذا الوضوح، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن مدى انتشار قتل الطيور مثار جدل، وأن تأثيره على أسراب الطيور غير واضح. فقد طالت الانتقاداتُ الأساليبَ التي تستخدمها منظمة «بيردلايف سايبرس» في تقدير أعداد الطيور التي يتم اصطيادها في الجزيرة. وقد أدَّى الجدل إلى عَقْد ورشة عمل في يوليو الماضي؛ لمناقشة الجوانب العلمية للأمر، بمشاركة ممثلين من جميع الوكالات المعنية.

تقول أليسون جونستون التي حضرت ورشة العمل ـ وهي مختصة بالإحصاء البيئي في معهد الأمانة البريطانية لعلم الطيور «BTO»، وهو معهد أبحاث خيري في ثيتفورد ـ إن المعروف عن أحجام الأسراب ومسارات الطيور المهاجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط قليل جدًّا، بحيث يصعب إجراء تقييم كامل لآثار الصيد، وأضافت: «لو كانت لدينا معرفة أفضل بالأعداد، لَكُنّا قد قَرَّرنا ما إذا كانت الطيور تعاني من خطر الاصطياد، أم لا».

قد تكون للجدل الدائر حول الطيور المغردة في قبرص انعكاسات على نطاق أوسع، لأن قَتْل الطيور منتشر في أجزاء أخرى من العالم. وقَدَّر تقرير صدر في عام 2015 من «منظمة حياة الطيور الدولية» أن الصيادين يقتلون نحو 25 مليون طائر سنويًّا في منطقة البحر المتوسط بمجملها؛ وتبرز قبرص على رأس القائمة، لأنها بلد صغير تُقتَل به أعداد كبيرة. وعلى الصعيد العالمي، يُعتقد أن أكثر من نصف تعداد الطيور المهاجرة في العالم آخِذ في التراجع. و«هذا الأمر لا يختص فقط بقبرص، أو أفريقيا، أو أوروبا»، وفقًا لقول كلير رونج، المختصة بعلم الحفاظ على البيئة في جامعة كوينزلاند في بريسبين، أستراليا، التي قادت دراسة نُشرت في ديسمبر الماضي، أظهرت أن %9 فقط من الطيور المهاجرة في جميع أنحاء العالم تحظى بحماية كافية في مجالها1. وتقول رونج: «إن البلاد بحاجة إلى العمل معًا؛ لإيجاد حل لما هو نزاع ـ في جوهره ـ بين البشر والحياة البرية».

تُبْدِي بابازوجلو قلقًا من أن يشكِّل ما يحدث في قبرص سابقة خطيرة. «هذا المستوى المتفشي من عدم الشرعية في إحدى دول الاتحاد الأوروبي يرسل رسالة مروعة إلى بقية دول العالم. فإذا كانت البلدان الغنية المستقرة ذات الإدارة الجيدة لا يمكنها فرض قانون الحياة البرية، فما هو الأمل المنتظَر من البلدان الهشة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لتطبيقه؟»

بوابة للقارّات

تُعتبر قبرص ـ من خلال موقعها في الزاوية الجنوبية الشرقية من البحر الأبيض المتوسط ـ بوابة لثلاث قارات، وكانت محل نزاع لآلاف السنين (انظر: «مصيدة في قبرص»). وهي حاليًّا مقسَّمة إلى أربع ولايات قضائية: جمهورية قبرص، والمنطقة التي تحتلها تركيا في شمال قبرص، تفصل بينهما منطقة عازلة بإشراف الأمم المتحدة، وجيبين صغيرين يُعتبران قاعدتين سياديّتين بريطانيتين «SBAS»، احتفظت بهما المملكة المتحدة، بعد أن حصلت الجزيرة على استقلالها في عام 1960، بسبب أهميتها العسكرية الاستراتيجية. و(تَستخدِم بريطانيا حاليًّا واحدة من هذه المناطق لشن غارات جوية على سوريا).

كبر الصورة

Source: Birdlife Cyprus

كما أن موقع قبرص مثالي للطيور، حيث تستريح فيها أثناء هجرتها. ويُعتقد أن ما يقرب من نصف أنواع الطيور من أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط تَستخدم الجزيرة كنقطة تجمُّع للهجرة عند طيرانها جنوبًا في الخريف، ومرة أخرى عند العودة في الربيع. وتشمل هذه الطيور طيورًا شائعة، مثل الدوري، وأبي الحناء الأوروبي (Erithacus rubecula)، إضافة إلى الأنواع المهدَّدة بالانقراض، ومنها بومة الحظيرة (البومة البيضاء Tyto Alba)، وصياد السمك الأخضر (Alcedo atthis)، وحمامة السلحفاة الأوروبية (Streptopelia turtur).

وقد أمكن العثور على جميع هذه المخلوقات في شِبَاك الصيادين، كما عُثر على بعض الأنواع المهددة بالانقراض من الطيور المحلية غير المهاجرة، مثل المغرد أسود الصدر (Sylvia melanothorax)، والأبلق القبرصي (Oenanthe cypriaca). ويعود تاريخ ممارسة الصيد إلى الوقت الذي كانت الطيور من ضمن مصادر البروتينات القليلة، التي يسهل العثور عليها في هذه الجزيرة القاحلة. وفي الأصل، كان يتم إعداد طبق طيور الكروم من طير أبو قلنسوة (Sylvia atricapilla)، ولكنه اتسع ليشمل 22 نوعًا من الطيور المغردة. تنطوي طريقة الصيد التقليدية على الإيقاع بالطيور في شراك منصوبة على أشجار تحتوي على قضبان دبقة في مواقع استراتيجية، وهي أغصان مغلَّفة في مادة طينية لزجة، ممزوجة بعصير البرقوق السوري.

وفي عام 1974، اعتمدت قوانين لحظر أساليب الصيد غير الانتقائية، ومن ضمنها القضبان الدبقة، والشِّبَاك الضبابية. كما أن صيد الطيور يُعتبر غير قانوني في إطار توجيهات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالطيور، ومعاهدة الحفاظ على الحياة البرية والموائل الطبيعية الأوروبية (المعروفة باسم اتفاقية برن)، واللتين اعتمدتهما قبرص، لكن لم تتوقف ممارسة الصيد على الإطلاق. ويرى عديد من القبارصة أن اصطياد الطيور من أجل طبق طيور الكروم هو تقليد وحقّ، بل أمر بالغ الحساسية. وفي منطقة فاماجوستا، أثارت الحملات على المطاعم والاعتقالات ذات الصلة باصطياد الطيور احتجاجات شعبية، لاقت دعمًا سِرِّيًّا وعلنيًّا من بعض السياسيين. وفي ديسمبر الماضي، عمد إفينيوس همبولاس ـ نائب فاماجوستا في البرلمان عن حزب التجمع الديمقراطي الحالي ـ إلى نشر صورة له على صفحته الشخصية بموقع «فيسبوك»، وهو جالس أمام طبق من الطيور المغردة، وذَيَّلَها بتعليق: «قريبًا في مطاعمنا! ..إجازات سعيدة!» وقد حصلت على ما يقرب من 600 إشادة خلال 5 أيام، وإدانة واحدة من حزبه. وتعتقد جماعات حماية البيئة أن معدل اصطياد الطيور يرتفع بسرعة. وذكر تقرير منظمة «بيردلايف سايبرس» في العام الماضي أن هذه الممارسة بلغت «مقياسًا بالغ الارتفاع»، حيث قطع الصيادون شجيرات الخمائل الأصلية في الجزيرة، ثم زرعوا ورووا أشجار السنط «الأكاسيا» الوارفة مشرقة الخضرة الجاذبة للطيور، كما فتحوا ممرات عبر الحقول، وعلَّقوا الشِّبَاك الضبابية على امتدادها بين الأعمدة الخشبية.

وعندما توقفت برفقة سافاس وروجر عند نقطة اصطياد ساخنة معروفة، كانت الأدلة في كل مكان؛ الأعمدة المعدنية مثبتة بالأسمنت إلى قواعد مصنوعة من الإطارات الفارغة؛ وأنابيب الري السوداء متقاطعة على الأرض الترابية؛ والسجاد القديم مفروش على الأرض؛ لمنع النموّ النباتي في مواضع تعليق الشِّبَاك. وفي وقت سابق من الرحلة، وجدنا جهاز MP3 معلَّقًا في أعلى شجرة أكاسيا، وكان يبثّ أصوات عصافير متكررة، وكان بمثابة «شريط إغراء» يُستخدَم لجذب الطيور. وفي مكان قريب، كان الطائر أحمر الظهر (Lanius collurio) وعصفور دوريّ يرفرفان بأجنحتهما بشكل محموم، بعد أن التصقت أقدامهما وأطراف أجنحتهما على الأغصان الدبقة المعلَّقة في أعلى الشجرة.

أعداد الضحايا

بدأ دعاة الحفاظ على البيئة أولًا بالمراقبة المنهجية لمعدَّل اصطياد الطيور في عام 2002، مستخدِمِين البروتوكول الذي وضعته منظمة «بيردلايف سايبرس»، والجمعية الملكية لحماية الطيور في المملكة المتحدة، بالتشاور مع خدمة الطيور المطارَدة والحيوانات البرية في قبرص (قسم من وزارة الداخلية) وشرطة مناطق القواعد السيادية البريطانية. وقد أظهرت الأرقام انخفاضًا أوليًّا في معدَّل الصيد في الفترة المحيطة بوقت انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي، ثم ميلًا تصاعديًّا ابتداء من عام 2007، ولكن أرقام الصيد في عام 2014، التي نُشرت في العام الماضي، سببت ضجة بشكل خاص.

قدّرت منظمة «بيردلايف سايبرس» اصطياد مليوني طير خلال موسم الصيد السابق، وهو ما يُعَد أكبر رقم تم تسجيله منذ بداية الرصد. كما قام التقرير بتوزيع اتجاهات الصيد حسب المناطق الإدارية، ووجدت أن مناطق القواعد السيادية البريطانية شكلت جزءًا كبيرًا من هذه الزيادة. وقَدَّر التقرير قَتْل 900 ألف طير هناك، رغم أن المناطق تمثّل %3 فقط من مساحة الأرض، وأنه كانت هناك زيادة بنسبة %199 منذ عام 2002. وفي المقابل، شهدت جمهورية قبرص تراجعًا في الصيد غير القانوني. هذا.. (ولا يُعتقد أن قتل الطيور يمثّل مشكلة كبيرة في شمال قبرص).

احتلت هذه الأرقام القياسية العناوين الرئيسة، وأثارت انتقادات عديدة، ودفعت بعض دعاة حماية البيئة ووسائل الإعلام للإشارة إلى أن السلطات البريطانية كانت تغض الطرف عن الصيد، حتى لا تُغْضِب المجتمع المحلي. وأبلغت إدارة مناطق القواعد السيادية البريطانية منظمة «بيردلايف ساينس» بأنها «لا تقبل نتائج المسح»، وشككت في بعض الأرقام الواردة في التقرير. ووفقًا لأشخاص حضروا اجتماع أُجري في يوليو الماضي، كانت الإدارة مهتمة بشكل خاص بالطريقة التي تم فيها التوصل إلى تلك التقديرات.

يجري الرصد الأساسي للصيد على فترة مدتها ستة أسابيع في موسم الهجرة الخريفية، وفي الموسم الرئيس لصيد الطيور. يزور فريق المراقبة بشكل منتظم 60 موقعًا للصيد، مساحة كل منها كيلومتر مربع، تُعتبر مقاطعات صيد رئيسة، وتصنفها في واحدة من خمس فئات، استنادًا إلى حجم الشِّبَاك الضبابية الملاحَظة.. من «مجموعة الشِّبَاك النشطة»، (حيث ترك الصيادون شبكة غير ملتفة على الأعمدة)، إلى «مجموعة مُعَدَّة»، (حيث قطعت الشجيرات الفتية؛ لفتح الممرات، ولكن لا توجد شِبَاك)، إلى «خالية»، وهي (المناطق التي لا يوجد فيها دليل على الصيد).

أبو قلنسوة (في أعلى) ووروار أوروبي (صقرقع) عالقان في الشِّبَاك في قبرص.
أبو قلنسوة (في أعلى) ووروار أوروبي (صقرقع) عالقان في الشِّبَاك في قبرص.

Top: Mark L Stanley/Getty; Bottom: Artur Stankiewicz/Getty

وبناء على هذه البيانات، يقدِّر الفريق عدد الطيور المقتولة في المنطقة والموسم بشكل عام. وللقيام بذلك.. يجب أن يضع افتراضات، مثل عدد الطيور التي تقع في الشبكة كل يوم، في ظل ثبات نسبي لهجرة الطيور، في حين أنه يحدث على موجات في واقع الأمر. تقول بابازوجلو: «نحن نقول دائمًا إن تقديراتنا للأرقام تعجّ بالافتراضات، وأنه لا بد من قراءتها، مع وضع الكثير من المحاذير».

تدور واحدة من المزاعم الرئيسة للقواعد السيادية البريطانية حول الفئة «المعدَّة»، حسب قول جونستون، لأن تحديد ما إذا كانت المنطقة سوف تُستخدم للصيد، أم لا، هو أمر غير محايد. وقد أبدى آخرون مخاوف بشأن دقة التقديرات. يقول بانيكوس بناييدس، وهو مسؤول في قسم متعقِّبي الطيور والحيوانات البرية القبرصية في نيقوسيا: «تساورنا بعض الشكوك حول تفاصيل عملية الرصد، ودقة الأرقام».

وفي يوليو الماضي، عُقدت ورشة عمل؛ لمعالجة قضايا أسلوب جمع البيانات، ووَجَّهت منظمة «بيردلايف سايبرس» الدعوة إلى جونستون، وزميلها نِك موران، الذي يُجْرِي مسحًا كبيرًا للطيور البريطانية، وغيرهما من خبراء مراقبة الطيور، وممثلين عن القواعد السيادية البريطانية. وبعد الانتهاء من الورشة، نصحت جونستون وموران منظمة «بيردلايف ساينس» بالتخلي عن المجموعة «المُعَدَّة»، وزيادة عدد المساحات التي تُؤخذ منها العينات ضمن القواعد السيادية البريطانية، من بين توصيات أخرى. وستعتمد منظمة «بيردلايف سايبرس» هذه التوصيات في تحليلها لعام 2016، وستُنشر في ربيع هذا العام. وفي تصريح لدورية Nature، ذكرت إدارة القواعد السيادية البريطانية أنها لا ترغب في التعليق على الأسلوب الذي استُخدم سابقًا، وأن المجموعات كلها تعمل معًا لتحسين التوصيات الصادرة عن الأمانة البريطانية لعلم الطيور، وأنه «من الضروري أن نواصل العمل معًا؛ لمواجهة ممارسة «اصطياد الطيور»».

وحتى مع بعض التعديلات، ارتفعت أعداد الصيد بوضوح بين عامي 2013، و2014، حسب قول جونستون. وتقلِّل المعادلة «الجديدة» بشكل طفيف من العدد المقدَّر، أي بنحو %10. والاتجاه العام نحو الصيد يزداد بشكل واضح كل عام، كما تقول، لأن أساليب الرصد كانت متسقة على مرّ الوقت.

وهي تعتقد أن الأرقام التي قَدَّرتها منظمة «بيردلايف سايبرس» أرقام «محافِظة». وبالاستناد إلى دراسات سابقة، تقدِّر المجموعة أن ثمة 20 طيرًا يتم اصطيادها في كل شبكة في اليوم الواحد، ولكن هذا الرقم قد يكون أعلى بكثير، إذا استخدم الصيادون ـ كما هو شائع اليوم ـ موسيقى مسجَّلة؛ لجذب الطيور. وقدّرت إحدى الدراسات2 أن هذه الخدع يمكنها زيادة أعداد الطيور التي تطير نحو الشراك بمعدّل يصل إلى 13 ضِعْفًا.

وفي أماكن أخرى في العالم، يُعتقد أن الصيد يلعب دورًا في القضاء حتى على الأنواع الشائعة من الطيور. ففي العام الماضي، حذّر الباحثون مِن أن أحد الطيور الأوراسية شديدة الوفرة ـ الدَّرْسة صفراء الصدر (Emberiza aureola) ـ قد فقد حوالي %95 من أعداده في العقود الثلاثة الماضية، أو ما يقرب من ذلك، وكان هذا النوع على وشك الانقراض في أجزاء من أماكن وجوده. ويُعتقد أن أحد الأسباب الرئيسة لذلك هو صيد الطيور في الصين، حيث تُقَدَّم باعتبارها من الأطعمة المحبوبة، باهظة الثمن3.

إن القياس الدقيق لمدى قتل الطيور أمر مهم، إذا كان الباحثون ودعاة الحفاظ على البيئة يريدون قياس مدى الضرر الذي لحق بأعداد أسراب الطيور، ولتشجيع الجهود الرامية إلى التقليل من انتشاره. تقول جونستون إن الحصول على بيانات لا يقاربها الشك صعب للغاية، وخاصة عندما تكون زيارة مواقع الرصد محفوفة بالمخاطر. وتضيف: «إذا كان يتعين على الصيادين ملء استمارة للإبلاغ عن عدد الطيور التي اصطادوها في أيام مختلفة؛ فسنتمكن عندئذ من إجراء تحليل رائع».

يقول رونج إن اصطياد القليل من الأنواع الشائعة قد لا يكون كبير الأثر على أعداد الطيور، و«بالنسبة إلى الأنواع الأخرى المهددة بالانقراض، حيث لم يتبق سوى عدد قليل من أفرادها، فإنه قد يكون شديد الخطورة». ومهما كانت الأرقام الدقيقة، فإن جميع الجهات المعنية تتفق على أن قتل الطيور في قبرص تجب مواجهته، لكن السؤال هو: «كيف يتم ذلك؟».

حساسيات سياسية

التقيت بجيم جاي ـ قائد فرقة من شرطة القاعدة السيادية البريطانية الشرقية، وهو شخص مهذب، جذّاب، وشديد الصلابة ـ في مركز للشرطة في منطقة ديكيليا، التي تتألف من مجموعة من المباني المنخفضة خلف سياج من الأسلاك وراء الطريق، على بعد بضعة كيلومترات من مدينة لارناكا. كان قد قَدِمَ في الأساس من جلاسجو لمهمة مدتها 3 سنوات، ولكن انتهى به الأمر للبقاء لمدة 17 سنة.

يقول جاي: «فيما يتعلق بالقواعد في حدّ ذاتها، لا يمكن إنكار أنها واحدة من مناطق الصيد الرئيسة»، لكنه يبدو متضررًا من الانتقادات التي وُجهت إلى مناطق القواعد السيادية البريطانية منذ صدور تقرير منظمة «بيردلايف ساينس»، ويرى أنه من غير الممكن إلقاء التبعة على التراخي. وبدلا من ذلك..، كما يقول، فإن القاعدة السيادية البريطانية الشرقية ـ وخاصة رأس الجرف في كيب بايلا ـ هي هدف للصيادين، لأنها نقطة توقُّف رئيسة في مسار رحلة الطيور المهاجرة. «في كيب بايلا، على وجه الخصوص، لا توجد أبنية، أو منازل، أو أي عوائق أخرى، لردع الطيور أو إبعادها. لذا.. فوضعها مثالي».

يقول جاي إن فريقه يتبع نهجًا ثلاثي الشُّعَب للتعامل مع الصيادين: الوقاية، والتثقيف، والإنفاذ. و«الإنفاذ مثل الضماد اللاصق»، حسب قوله. وقد يتمكن من القبض على بعض الصيادين، ولكن ممارسة الصيد ستستمر، طالما كان هناك طلب على طبق طيور الكروم باهظ الثمن من المطاعم التي تقدمه وروّادها. وهذه مسؤولية، تقع بكاملها تقريبًا على الجمهورية.

ويتابع جاي قائلًا إن إيقاف هذا الطلب صعب للغاية.. حيث «تجد الممارسةُ غير القانونية دعمًا علنيًّا في بعض الحالات، أو ضمنيًّا في كثير من الأحيان من قِبَل شاغلي المناصب السياسية والإدارية الرفيعة». والأكثر من ذلك.. أن الضباط الذين يحاولون مهاجمة الصيادين قد يجدون أنفسهم مهدَّدين، أو ما هو أسوأ من ذلك… «في المملكة المتحدة، يمكنك الذهاب إلى بيتك ليلًا، دون أن تشغل بالك بإمكانية تعرّض منزلك أو عائلتك للهجوم»، استنادًا إلى قول جاي، الذي كان لديه ضباط تَعَرَّضوا لاعتداءات جدية عند التعامل مع الصيادين.

ويشاركه بناييدس شعوره بالإحباط، حيث تصطف على جدران مكتبه صور الطيور، ويوضع ملصق إرشادات الاتحاد الأوروبي للطيور فوق الطاولة. يقول بناييدس إن العقد الماضي شهد 30 حالة ـ على الأقل ـ تَعَرَّض فيها مسؤولو قسم تعقُّب صائدي الطيور والحيوانات البرية ـ المناط بهم إنفاذ التوجيهات في الجمهورية ـ إلى مضايقات من قِبَل الصيادين. وأضاف «لقد وُضِعت قنابل في سياراتهم الخاصة، وهناك حالات تم فيها حرق بيوتهم بالكامل».

وحتى عند القبض على الصيادين، وفقًا لقول بناييدس، فالعقوبات الخفيفة التي تفرضها المَحاكم ليست رادعة. من الناحية الفنية، يَسمح القانون القبرصي لصائد الطيور لأول مرة بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، أو دفع غرامة تصل إلى 17 ألف يورو. وفي واقع الأمر، تسارِع الغالبية بدفع غرامة لا تزيد على بضع المئات من اليوروهات، استنادًا إلى قول بناييدس. ويُورِد بناييدس قصة أحد الصيادين غير الشرعيين، الذي أُلقي القبض على أحد أفراد فريقه، وقاضاه ثماني مرات خلال العقد الماضي. ويقول بحزن: «ما الذي يمكننا القيام به كإدارة أكثر من ذلك؟»

تصاعدت الحرب في العام الماضي. ففي مايو الماضي، كانت تمرَّر الخطة التي اتفق عليها سابقًا للتعامل مع قتل الطيور في مجلس الوزراء القبرصي، عندما أضافت الحكومة بندًا في اللحظة الأخيرة، من شأنه السماح بالصيد الانتقائي لطير أبو قلنسوة؛ من أجل طبق الطيور الشهير. وقد أثارت هذه الخطوة ضجة في المنظمات البيئية، لأن أي طريقة تُستخدم لاصطياد أبو قلنسوة ستُوقِع حتمًا الأنواع الأخرى في الأسر، ولأنها تشكِّل خرقا للإرشادات الخاصة بالطيور. وفي أغسطس الماضي، تم رفض الخطة المعدّلة من قِبَل المفوضية الأوروبية، في رسالة وجهتها إلى الحكومة القبرصية. وينتظر المراقبون الآن، ليطَّلِعوا على طريقة تجاوب الحكومة.

في الوقت نفسه، تكثف السلطات في كل من الجمهورية والقواعد السيادية البريطانية الجهود التي تبذلها للحدّ من عمليات القتل الطيور. وتبحث السلطات الجمهورية في استخدام تقنية جينية تُعرف باسم الترميز الرقمي للحمض النووي؛ للتعرف على الطيور التي تقدَّم في المطاعم (انظر: «الحمض النووي يحدد أنواع الطيور المطهوة»)، وتقول إدارة القواعد السيادية البريطانية إنها أزالت ما يعادل مساحة 11 ملعبًا لكرة القدم من الأكاسيا المزروعة في المنطقة المركزية للصيد الجائر في كيب بايلا في الصيف الماضي. وقد لاقت هذه الخطوة اعتراضًا، وتَظَاهَر ضدها البعض، حيث جلسوا على الطرق الترابية؛ لمنع المتعاقدين من إنجاز مهمتهم. وفي المنطقة التي واجهنا فيها الصياد غير الشرعي حامل السكين، يمكن لفريق الرصد الدخول الآن فقط، إذا كانت لديه حراسة مرافِقة من الشرطة. لقد وصل دعاة الحفاظ على البيئة والصيادون الآن إلى «أوج المعركة»، حسب قول سافاس، الذي دأب على مراقبة الصيد في الجزيرة لما يقرب من خمس سنوات.

هذا هو أقصى ما يمكن أن تصل إليه المراقبة والإنفاذ.. أنْ تتفق معظم الجهات على أن الطريقة الحقيقية الوحيدة للتعامل مع قتل الطيور تمرّ من خلال التعليم والتغيير الاجتماعي. يقول بناييدس: «يجب أن يدرك جميع الناس أن هذا ليس سليمًا… ليس من الناحية القانونية فقط، بل من الناحية الأخلاقية والاجتماعية أيضًا». وتبدو بابازوجلو أيضًا واقعية فيما يجب القيام به، حيث تقول: «إذا لم ندفع عقول الناس وقلوبهم للتغيير؛ فلن نتمكن من تغييرها على الإطلاق».

موقع nature  الطبعة العربية

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This