تغطي الشعاب المرجانية 0،2 بالمئة من مساحة المحيطات، وهي توفر الملاذ لأكثر من ربع من الكائنات الحية البحرية، إلا أن الإحترار المناخي، وخصوصا ظاهرة “النينيو”، أصابت هذه الشعاب بالابيضاض، ولا سيما على الساحل الأسترالي، وما يعرف بـ “الحاجز المرجاني العظيم”، ووصل “الابيضاض” Bleaching إلى حدود غير مسبوقة، ويعتقد عدد كبير من العلماء أن هذه الظاهرة تمثل كارثة للتنوع الحيوي، وهي ناجمة عن التغير المناخي، خصوصا وأن درجة الإبيضاض وصلت إلى حد لم يسبق له مثيل، وقد تكون هذه الشعاب غير قابلة للإسترداد.
عملية الإبيضاض
تحدث عملية الإبيضاض عندما ترتفع درجة حرارة المياه أكثر من المعدل الطبيعي، فتقوم الشعاب المرجانية بشكل دفاعي بطرد الطحالب التكافلية والملونة التي تمدها بالأوكسجين الضروري للبقاء.
وأشارت نتائج المسح الجوي العلمية الجارية حاليا إلى أن أكثر من 40 بالمئة من الشعاب الممتدة على مسافة 2300 كلم (1430 ميل)، قد أصابها الإبيضاض خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولا سيما في القسم الشمالي منها، فقد بلغت معدلات التبيض 95 بالمئة، وبقاء 4 فقط منها بحالة جيدة، من أصل 520 من الشعاب شملتها الدراسة حتى الآن.
تنمو هذه الشعاب بمعدل سنتمتر واحد في العام، ويوجد ما يقرب من 400 عاما من حلقات النمو المرجانية في “الحاجز المرجاني العظيم”، ورغم عدم وجود دليل على عملية التبيض على نطاق واسع قبل العام 1998، تعد حادثة التبيض الحالية العملية الرئيسية الثالثة منذ ذلك الوقت، وهي الأسوأ أيضا بسبب ظاهرة النينيو والزيادة المطّردة والقياسية في درجات حرارة المحيطات الناجمة عن تغير المناخ التي يسببها الإنسان.
آراء العلماء
في هذا المجال، قالت عالمة المرجان الاسترالية جودي رامر Jodie Rummer ، بعد أن أمضت أكثر من شهر في محطة الرصد في الحاجز المرجاني العظيم: “شاهدت تحت الماء منظرا لا يتمنى أي عالم في الأحياء البحرية، وأي شخص يكن الحب والتقدير للعالم والطبيعة أن يراه”، فيما قال عالم الشعاب المرجانية من جامعة كوينزلاند جوستين مارشال Justin Marshall “ما نشهده الآن هو نتيجة تغير المناخ بلا شك”، وعبر ممثل الصندوق العالمي للحياة البرية نيك هيث Nick Heath عن أسفه، وقال: “كنا متهاونين للغاية بخصوص هذه المسألة ولفترة طويلة”، وأضاف أنه يأمل “أن تدفعنا عملية التبيض الشاملة الحالية للخروج من حالة التهاون هذه”.
وأكد عالم المرجان الاسترالي تيري هيوز Terry Hughes الذي أجرى المسح الجوي “سيؤدي ذلك إلى تغيير في الحاجز المرجاني العظيم إلى الأبد”، واصفا الأمر بأنه “أسوأ كابوس”، وتوقع أن ما يقرب من نصف الشعاب المرجانية المتضررة ستموت في الأشهر المقبلة، وقال “لقد كانت هذه أتعس رحلة بحث في حياتي”، وقال أنه يشعر بالغضب أكثر من الحزن من الحكومة الاسترالية، التي لم تتصرف بشكل سريع لمنع الوصول إلى الوضع الحالي.
دور الحكومة الأسترالية
من جانبها، قامت الهيئة الحكومية المسؤولة عن حماية الشعاب المرجانية “هيئة منتزه الحاجز المرجاني العظيم البحرية”the Great Barrier Reef Marine Park Authority بفرض قيود على صيد الأسماك والنشاطات التجارية الأخرى، ورفعت الإنذار في معدلات التبيض إلى أعلى المستويات، ما سيتيح تسريع عمليات الرصد خلال الأشهر المقبلة، وكان وزير البيئة الاسترالي غريغ هانت قد دعا في وقت سابق إلى قطع التمويل على أبحاث المناخ، مقللا من دور التغير المناخي في عملية التبيض، وكان قد وافق أيضا في العام 2015 على أعمال توسيع كبيرة لميناء الفحم الموجود بالقرب من الشعاب المرجانية، تطلبت عمليات حفر قد تكون تسببت بتلف إضافي في هذه الشعاب.
استرداد ومعالجة الشعاب
اعتبرت عملية تبيض المرجان لفترة طويلة واحدة من أكثر العواقب الناتجة عن تغير المناخ، وفي حين تظهر الشعاب بيضاء ميتة، إلا أنه من الممكن استردادها إن انخفضت درجات حرارة الماء بسرعة، وبما فيه الكفاية للسماح للطحالب المطرودة بإعادة استعمارها، وإذا لم يحدث ذلك، فإن الشعاب المرجانية المتضررة من الممكن أن تتعافى من خلال اعادة بناء الشعاب المرجانية بشكل كامل، ولكن هذه العملية قد تستغرق عقودا أو أكثر.
لكن المشكلة، ونظرا لظاهرة الاحتباس الحراري، أن عملية التبيّض تحدث بسرعة أكبر، ولم يعد لدى الشعاب المرجانية الفرصة بشكل كاف قبل حدوث الظروف المتسببة بالمشكلة مرة أخرى، وثمة العديد من العلماء الذين يعملون لتسريع انعاش الشعاب المرجانية، ومنهم الباحثة روث جيتس Ruth Gates، وتستخدم تقنية تعرف باسم “التطور المساعد” assisted evolution، في محاولة لتربية أنواع شعاب مرجانية أكثر مرونة وتحملا لتغيرات المناخ، كما أن هناك أيضا تقنيات زراعة المرجان الناشئة، التي تساعد على تنمية الشعاب المرجانية في المختبر وإعادة زراعتها مرة أخرى في البحر.
في معظم سيناريوهات تغير المناخ تقريبا، إن لم يكن جميعها، فإن عملية ابيضاض المرجان السنوي تقدر بـ 100 بالمئة خلال السنوات الستين المقبلة.
ظاهرة عالمية
لا تقتصر مأساة التبيض الحالية على المياه الاسترالية فحسب، بل تعاني معظم الشعاب المرجانية في كافة أنحاء العالم مما أصبح حدثا عالميا على الاطلاق، وقالت عالمة المرجان في جامعة جورجيا للتكنولوجيا في ولاية أتلنتا الأميركية كيم كوب Kim Cobb، على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” لتعاين المرجان في جزيرة الكريسماس انها ليست مستعدة “عاطفيا” لما قد تراه عند وصولها. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قال زميلها دانييل كلار Danielle Claar أنه حتى في المواقع العذراء من المرجان، فإن ثمة ابيضاضا وصل إلى حوالي 75 بالمئة، وتأتي معلومات مطابقة لما هو قائم في كافة أنحاء العالم.
خلاصة
تمثل الشعاب المرجانية مؤشرا حساسا للغاية يبين حجم تغير المناخ، خصوصا وأن الشعاب تقوم برد فعل بصري واضح، عبر تحولها للون الأبيض نتيجة لارتفاع درجة حرارة المياه، وتشير التغييرات الحالية إلى خطورة وبدرجة كبيرة، وقد تزداد آثارها إلى ما هو أبعد مما يمكن أن يتصوره العالم، فابيضاض الشعاب المرجانية والانخفاض القياسي في جليد البحر القطبي تعطي مؤشرات واضحة اننا نتحول وبشكل سريع إلى حالة من تدهور المناخ بعد فترة طويلة من الاستقرار، عاشتها البشرية قبل الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.