تتوالى الدراسات والأبحاث العلمية مع زيادة المخاوف والأخطار الناجمة عن التغير المناخي، راهنا ومستقلا، ولا سيما في ما يتعلق بشكل خاص ارتفاع درجات الحرارة، بالمقارنة ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتناول تداعيات هذا الارتفاع على مستقبل الأرض وديمومة ونوعية الحياة.
وفي هذا السياق، أشارت دراسة جديدة نشرت اليوم الإثنين في الرابع من نيسان (أبريل) في الدورية العلمية Nature Climate Change العلمية لباحثين من “معهد بحوث غرانثام حول تغير المناخ والبيئةthe Grantham Research Institute on Climate Change، وذلك في “كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية والاقتصاد الحي” the Environment at the London School of Economics and Political Science and Vivid Economics، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بمعدل درجتين ونصف الدرجة بحلول العام 2100، قد يؤثر على أصول مالية عالمية تقدر بنحو 2،5 تريليون دولار أو بنسبة 1،8 بالمئة من هذه الأصول.
ولفت كتَّاب المقال سيمون ديتز Simon Dietz، أليكس بوين Alex Bowen، تشارلي ديكسون Charlie Dixon وفيليب غرادول Philip Gradwell أن عدم اليقين في تقدير “قيمة خطورة تغير المناخ” climate Value at Risk، إلى أن ارتفاع درجة حرارة درجتين ونصف الدرجة مئوية يمكن أن يهدد بخسارة أكثر من 24 تريليون دولار، أو 16،9 بالمئة من الأصول المالية العالمية في العام 2100، وأكد معدو الدراسة أن هذه المبالغ هي أكبر بكثير من التقديرات الإجمالية للقيمة السوقية لأسهم شركات الوقود الأحفوري اليوم، والمقدرة بخمسة تريليونات من الدولارات.
ووجدوا أيضا أن الحد من ارتفاع درجات الحرارة الى 2 درجة مئوية (3.6 درجة فهرنهايت) في العام 2100 يقلل إلى درجة كبيرة في قيمة خطورة تغير المناخ climate Value at Risk، وان متوسط قيمة الأصول المالية العالمية المعرضة للخطر تقدر بحوالي 1،7 تريليون دولار، مع وجود خطر يقدر بواحد بالمئة، وأن تكون ثمة أصول بقيمة 13،2 تريليون دولار معرضة للخطر.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، البروفسور سايمون ديتز: “نتائجنا قد تفاجئ المستثمرين، لكنها لن تفاجئ العديد من الاقتصاديين العاملين في مجال تغير المناخ، لأن النماذج الاقتصادية على مدى السنوات القليلة الماضية أكدت التقديرات المتشائمة على نحو متزايد للآثار العالمية لارتفاع درجات الحرارة على النمو الاقتصادي في المستقبل، لكننا وجدنا أيضا أن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري للحد من ظاهرة الاحتباس بما لا يزيد عن 2 درجة مئوية، يقلل بشكل كبير من قيمة خطورة تغير المناخ، لا سيما “الخطورة النهائية” Tail risk (مفهوم اقتصادي لخطر استثمار اقتصادي منذ البداية) وتبعاتها من خسائر ضخمة”.
واكتشف الباحثون أنه حتى عندما اخذوا في الحسبان تكاليف خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، للحد من ارتفاع درجات الحرارة الى 2 درجة مئوية، فإن متوسط قيمة الأصول المالية العالمية المعرضة للخطر ستكون 315 مليار دولار، أو بنسبة 0،2 بالمئة، وتصبح هذه النسبة أعلى لو حصل ارتفاع بقيمة 2،5 درجة مئوية بحلول العام 2100، إذا استمر اعتماد مسار “العمل كالمعتاد” business as usual للانبعاثات العالمية.
ولفت ديتز إلى أنه “عندما نأخذ في الحسبان الآثار المالية للجهود الرامية إلى خفض الانبعاثات، نجد أن القيمة المتوقعة للأصول المالية تبقى مرتفعة وأعلى في عالم يقلل من ارتفاع درجات الحرارة إلى 2 درجة مئوية، هذا يعني أن على المستثمرين الحياديين من جهة التعرض للمخاطر اختيار خفض الانبعاثات، وبالمقابل فالمستثمرون الحريصون على تجنب المخاطر أن يعملوا على خفضها”. وأضاف: “يوضح بحثنا مخاطر تغير المناخ على عوائد الاستثمار على المدى الطويل، ويبين لماذا يجب أن تكون هذه المسألة مهمة لجميع المستثمرين على المدى الطويل، مثل صناديق التقاعد، وكذلك للمنظمين الماليين الذين عليهم التنبه من احتمال تصويبات بأسعار الأصول بسبب الوعي بمخاطر تغير المناخ”.
ولفت ديتز الانتباه أيضا إلى عدم اليقين في تقدير قيمة الخطر لجهة تغير المناخ، قائلا: “على الرغم من أننا أول من حضر هذا التقدير الشامل لقيمة خطورة تغير المناخ باستخدام النموذج الاقتصادي، من المهم أن نتذكر أن ثمة شكوكا وصعوبات جمة في أداء النماذج الاقتصادية لتغير المناخ، لذلك ينبغي أن ينظر إلى هذا البحث بكونه الكلمة الأولى حول هذا الموضوع، وإنما ليست الأخيرة”.
سوزان أبو سعيد ضو