في محاكاة علمية للمستقبل، مستندة إلى مؤشرات تقريبية حيال تغير المناخ، خلصت دراسة حديثة إلى أن التبعات المتوقعة والناجمة عن تغير المناخ، ستحول دون تحقيق التنمية الغذائية المخطط لها، وهي حوالي ثلث الإنتاج الغذائي، وذلك بحلول 2050، وبحسب الدراسة أيضا، سينقص معدل توفر الغذاء بنسبة 3.2 بالمئة للفرد الواحد (أي 99 سعرة حرارية يوميا)، وسيبلغ تناول الفواكه والخضار معدل 4.0 بالمئة (14.9 غرام يوميا)، واستهلاك اللحوم الحمراء بمعدل0.7 بالمئة (0.5 غرام يوميا).
صحيح أنها أرقام تقديرية، لكنها تبعث على القلق، لا بل تبدو مخيفة، ليس في ما ترسم من معالم قاتمة للسنوات المقبلة فحسب، وإنما كونها تقدم دليلا قاطعا على أن تغير المناخ ستكون له انعكاسات مدمرة محتملة على الإنتاج الغذائي والصحة العالميين، خصوصا وأنها دراسة تصنيفية، هي الأولى من نوعها لتحديد تأثيرات التغير المناخي على طبيعة النظام الغذائي والوزن، فضلا عن تقدير ضحايا التغيرات المناخية في 155 بلدا في عام 2050.
قدمت هذه الدراسة تصورا لما قد يحدث في الفترة بين الثلاثين إلى الأربعين عاماً المقبلة، ولحظت أن الحد من الاستهلاك على المستوى الفردي يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في مخزون الطاقة وتركيبة الأنظمة الغذائية، وستكون لهذه التغيرات انعكاسات هامة على الصحة.
بعيداً من الدراسة، لقد أدى تراجع إنتاج المحاصيل عالميا، نتيجة الظروف المناخية كالجفاف وانحباس الامطار إلى نشوب الحروب، حتى أن المؤرخين يجمعون أن تراجع الاقتصاد كان أحد أبرز أسباب الثورة الفرنسية (1789 – 1799)، إذ كان الجوع منتشرا بين الفئات الفقيرة في فرنسا، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز، وارتفاع أسعار المحاصيل نتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة، إذ تعرضت المواسم للتلف نتيجة ظروف الطقس وموجات الجفاف، دون إسقاط أسباب أخرى كالظلم الاجتماعي، إفلاس الدولة، وارتفاع الدين العام… الخ.
وإذا ما عدنا إلى الدراسة، نتبين حجم الخطر الماثل مستقبلا، ما يعني أن الأجيال الطالعة ستواجه وتعيش تبعات حروب وقلاقل، عنوانها ندرة الغذاء والمياه، نتيجة اختلال المنظومات البيئية، وهذا الاختلال لن يكون مؤقتا لسنيتن أو أكثر (الحالة الفرنسية)، فتغير المناخ لا يمكن ترميمه، إلا بإرادة دولية واعية لحجم ما يتهددنا من أخطار، وإذا نجحت الثورة الفرنسية في القضاء على الظلم والاستبداد، فهل سنتمكن من الانتصار على الاحتكارات وتحكم الأقوياء بثروات العالم واستنفادها؟
نحن بحاجة إلى صحوة إنسانية، وثمة فرصة متاحة أبعد مما حدده العالم في “مؤتمر باريس للمناخ”، إذا ما ارتضت الدول العظمى أنسنة اقتصادها وتأمين الاستدامة كشرط وحيد لنعبر الامتحان الصعب!
أنور عقل ضو