فيما تستعد المؤسسات السياحية والمنتزهات البحرية على امتداد شاطىء الجية – صيدا وصولا إلى مدينة صور، لاستقبال الموسم السياحي، فوجىء هواة السباحة والغطس قبل أيام عدة بكميات من النفايات “تسبح” إلى جانبهم عند شاطىء الجية، وهو الشاطىء الذي يحتضن عددا من المسابح ومنتزهات الصيف، فأي يدٍ امتدت لتلوث بحرنا؟ ومن أقدم على استباحة الشاطىء ورمي النفايات في المياه التي استعادت نضارتها بعد التلوث الذي تسبب به الاحتلال الاسرائيلي إبان عدوان تموز (يوليو) 2006؟
بعيدا من هذه الأسئلة، هي كارثة بيئية وصحية، ولكن نحن من ارتكبها هذه المرة، وجريمة موصوفة، خصوصا وأن رمي النفايات في البحر تترتب عليه نتائج خطيرة، ذلك أن رمي النفايات في المناطق البرية يمكن التعاطي معه دون عقبات، إذ يكفي رفعه ونقله، فيما النفايات في البحر تتطلب إجراءات صعبة، كالاستعانة بالسباحين والغطاسين، وهذه عملية دونها عقبات، ذلك أن المياه تذرو النفايات بحسب حركة الأمواج والرياح في كل اتجاه، ما يعني أن المشكلة لا تقتصر على شاطىء الجية فحسب، وإنما قد تطاول الشاطىء من الجية إلى بيروت شمالا، ومن الجية إلى صيدا حتى صور والناقورة جنوبا.
تمكنت الدكتورة حليمة قعقور (أستاذة جامعية وناشطة اجتماعية وحقوقية)، اثناء ممارستها هواية السباحة عند الشاطئ المحاذي لمرفأ الجية، من أن توثق الكارثة بالصور، وتبعث بتحذيرات إلى الجهات المعنية للإسراع في إزالتها بسرعة قبل انطلاق موسم السياحة الصيفية الذي يعتبر متنفسا اقتصاديا لمئات العائلات، حتى أنها التقطت صورا لما طفا من النفايات ولما ابتلعه البحر وصولا عمق سبعة أمتار.
رسالة إلى المسؤولين
فوجئت قعقور بكميات كبيرة من النفايات مرمية في البحر، من قبل مجهولين، وأشارت إلى أنها تضع هذه الصور برسم المعنيين عبر greenarea.info لتكون بمثابة صرخة “نطالب من خلالها الحد من هذه الاختراقات البيئية، وبالتالي توجيه رسالة للجهات المعنية من وزارات وبلديات ومؤسسات للقيام بتنظيف البحر بأسرع وقت ممكن، وللقوى الأمنية من أجل اتخاذ الاجراءات اللازمة، وفتح تحقيق لمعرفة الفاعلين ومحاسبتهم، وكذلك تكثيف الدوريات والحراسة لمنع المزيد من الانتهاكات والحد منها”.
وشددت على “ضرورة ايجاد حل مستدام لأزمة النفايات كي لا تبقى قرانا وبحرنا عرضة للانتهاكات”، وقامت، وبمبادرة منها بالطلب من اصدقائها في الدفاع المدني بالقيام بمسح لمنطقة النفايات وتنظيفها، وقد تجاوبوا معها، واثنت على “مساعدة الجنرال ريموند خطار ورئيس فريق الانقاذ البحري في الدفاع المدني محمد مزهر وقد بدأت بحملة تنظيف من اليوم الثاني لاكتشاف هذه الجريمة البيئية”.
تبريرات غير مقنعة
وقالت قعقور: “بالفعل فقد تم انتشال 40 كيسا نفايات في المرحلة الاولى ارسلت الى التحليل المخبري، ولم يرد اي جواب بشأنها حتى اليوم، وبسبب صعوبة تنظيف البحر واختلاف طبيعته عن البر، فإن العملية هي حتما شاقة، تحتاج الى جهد اكبر واوسع، وتحتاج الى غطاسين محترفين، ولذلك اتصلنا بنقابة الغطاسين ووعدتنا بالمساعدة”، كما اثنت على “دور البلدية الممثلة برئيسها جورج قزي الذي وعد بالتمويل والمساعدة في الحملة التي تقوم بها”.
وبعد هذه الفضيحة البيئية تعرضت الدكتورة قعقور لسلسلة انتقادات، وثمة من اعتبر أن كشفها لهذه الجريمة من شأنه ان يضرب موسم السياحة الصيفية في المنطقة التي اعتادت ان تعتاش من هذا الموسم، وكانت بعض التبريرات غير مقنعة عن سبب وجود وتجمع هذه النفايات في البحر، وهناك من اعتبر أنها لم تُرمَ في البحر، وإنما هي نفايات جرفتها التيارات البحرية من مكب الدامور أو مكب الأولي، وربما من معمل صيدا، علما ان “الكمية كبيرة جدا ومن غير المنطقي ان تتجمع بفعل التيارات” بحسب ما أشار لـ greenarea.info سميح عبدالله، وهو ممن يرتادون شاطىء الجية للغطس والسباحة وصيد الأسمال.
وقال عبدالله: “إن تجمع النفايات عن طريق التيارات البحرية يمكن أن يحصل خلال العواصف والأنواء الشديدة، وحالة الطقس في لبنان لم تشهد عواصف طوال الشهر الماضي، ما يؤكد الفعل الجرمي بأن جهة مجهولة استسهلت التخلص من النفايات عبر القائها في البحر”.
د. قديح: نتائج مؤذية
بعيدا من التأويلات، فإن الواقعة حصلت، وهنا كان لا بد من الوقوف على رأي الخبير في موقع greenarea.info الدكتور ناجي قديح، من موقعه كباحث وناشط في مجال البيئة، فأكد أن “النفايات عامة تؤدي الى نتائج مؤذية تنعكس سلبا على صحة الانسان، وتؤدي الى عرقلة النشاطات البحرية من صيد وسباحة وترفيه، خصوصا وان هذه النفايات سوف تتسبب في إفساد مزايا مياه البحر، وتؤدي الى تغيير في التوازن الطبيعي عبر هجرة بعض الحيوانات والاسماك الحساسة الى أماكن اخرى، بعد تلوث بيئتها، وايضا قد تؤدي الى تراكم التلوث في انسجة الحيوانات والاسماك، وبالتالي انتقال هذا التلوث كسموم الى جسم الانسان الذي اعتاد ان يتناولها كغذاء”.
واضاف انه “مهما كانت للمياه المالحة قدرة على تخفيف التلوث، فإن إرهاقها بكميات كبيرة من النفايات يفقدها ميزتها، ويضعف هذه القدرة، وبالتالي يصبح استخدام هذه المياه في السباحة خطرا لما قد تسببه من امراض جلدية وسرطانية”.
وعما إذا كان لبنان سيتعرض لضغوطات من قبل الدول الموقعة على اتفاقية برشلونة، خصوصا وانه أحد الموقعين عليها، قال قديح: “ان لبنان قام بمخالفات وخروقات لكل المعايير البيئية، وذلك سوف يعرضه لانتقادات لا ضغوطات، وذلك بسبب وضعه الهش والضغيف كدولة، وكحكومة فاقدة القدرة، فضلا عن الوضع السياسي الذي يرثى له”.
وتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة “تحركات من المنظمات غير الحكومية في منطقة حوض البحر المتوسط”، ورأى أن “هذه التحركات تتمثل في عرائض واحتجاجات تدين وتنتقد ممارسات لبنان اللابيئية”.
تجدر الاشارة الى ان الدفاع المدني اعلن انه والتعاون مع بلدية الجية وناشطين بيئيين تمكن من انتشال كمية من النفايات من الشاطئ في الجية.