سوزان أبو سعيد ضو

يتجه الفرد مع تقدم العلوم والدراسات والأبحاث العلمية المتقدمة، نحو حياة صحية أكثر من ذي قبل، عنوانها الوقاية من الأمراض وتحسين نوعية الحياة، إلا أن الاستسهال في الحصول على الغذاء، مع توفر الأطعمة الجاهزة والسريعة، وقلة الوقت بسبب العمل ومشاغل الحياة، أدت إلى انتشار ما بات يعرف بـ “وباء السمنة”، الذي اجتاح المجتمعات النامية والمتقدمة على حد سواء، وما يثير القلق أن ظاهرة البدانة، ولا سيما لدى الأطفال أخذت ترتفع بشكل تصاعدي خطر، ولا سيما في البلاد النامية، وقد ارتفعت فعلا وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالدول المتقدمة، وارتفع عدد الأطفال من حديثي الولادة إلى خمس سنوات على مستوى العالم الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة في العام 1990، من 32 مليون طفل إلى 42 مليون في العام 2013، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية في زيادة وزن الأطفال والسمنة، فمن المتوقع أن يصل العدد إلى 70 مليون طفل بحلول العام 2025، وحتى في البلاد المتقدمة، ففي أستراليا على سبيل المثال، يعاني طفل من أصل 4 أطفال من زيادة الوزن.

no sugar lustig (1)

أسباب وآثار زيادة الوزن لدى الأطفال

وتؤثر البيئة بكافة جوانبها من حمل وولادة، ونشأة الأطفال، في المساهمة بخطر تعرضهم للإصابة بزيادة الوزن، فخلال فترة الحمل، تواجه المرأة ما يعرف بـ “سكري الحمل” (وهو شكل من أشكال مرض السكري التي تحدث أثناء الحمل)، لكن قد يؤدي إلى زيادة الوزن لدى المواليد، فضلا عن مخاطر السمنة في وقت لاحق من حياتهم.
وترتبط البدانة في مرحلة الطفولة مع مجموعة واسعة من مضاعفات صحية خطيرة، مع ظهور أمراض مزمنة سابقة لأوانها، مثل السكري وأمراض القلب وتصلب الشرايين والسرطان، فضلا عن تغييرات في بنية الجسم، وفي محاولة للحد من هذه الظاهرة، تنصح منظمة الصحة العالمية، بحصر الغذاء من الولادة وحتى 6 أشهر من العمر بالرضاعة الطبيعية الحصرية، كوسيلة هامة للمساعدة على منع الأطفال من زيادة الوزن أو السمنة، كما يعتبر اختيار الأطعمة الصحية للرضع والأطفال الصغار أمرا بالغ الأهمية، لأنه يتم توجيه أذواقهم الغذائية في وقت مبكر من الحياة.
وتعتبر تغذية الرضع بمواد تحتوي على كميات عالية بالطاقة، والعالية في نسب الدهون والسكر والغنية بالملح مساهما رئيسيا في زيادة الوزن لدى الأطفال، فضلا عن نقص المعلومات حول النهج السليمة في التغذية، بالإضافة إلى نقص القدرة على تحمل تكاليف الأطعمة الصحية وهذا ما يساهم بتفاقم هذه المشكلة، كما أن تسويق الأطعمة والمشروبات الغنية بالطاقة للأطفال والأسر يؤدي إلى ازدياد وتطور هذه المشكلة، ولا سيما الأعراف والتقاليد القديمة في بعض المجتمعات (مثل الاعتقاد السائد بأن الطفل السمين هو طفل سليم)، قد يشجع الأسر على الإفراط في تغذية أطفالهم.
ويساهم العامل الحضري والرقمي المتمثل بفرص أقل لممارسة النشاط البدني من خلال اللعب الصحي بزيادة الوزن، ما يقلل من فرص الأطفال للمشاركة في الأنشطة البدنية الجماعية، ليصبحوا مقلين لجهة النشاط البدني، وهذا ما يجعلهم أكثر عرضة لزيادة الوزن، وتاليا السمنة مع مرور الوقت.

مؤسسة الغذاء المسؤول

وفي هذا المجال، بدأ أخصائي الغدد الصماء عند الأطفال البروفسور روبيرت لوستيغ Robert Lustig حملة لمكافحة البدانة لدى الأطفال منذ 16 عاما، في حرب مستمرة على السكر كسبب أساس للبدانة المتفشية، مستندا إلى تحليل جامع لأبحاث متطورة ودراسات لغيره من العلماء، إلى جانب ملاحظاته السريرية الخاصة، مؤكدا نجاحه في الوصول إلى هدفه، وهو اعتبار السكر من قبل العموم يوازي خطورة التبغ والكوكايين وربما أكثر.
ويعمل لوستيغ على إبداء ملاحظات وتوجيهات للأهل حول ما يتوجب عليهم اتباعه، بحيث يتابعون طريقة حياة صحية لأطفالهم من أجل وقايتهم من الأمراض وزيادة مناعتهم، وبالتالي الوصول إلى حياة نوعية وسليمة.
وحاليا يتابع البروفسور لوستيغ حملته بإنشائه “مؤسسة الغذاء المسؤول” the Institute for Responsible Nutrition، بهدف توعية الأهل والمؤسسات الإجتماعية الخاصة برعاية الطفولة حول الحمية الخاصة بالأطفال، وخصوصا في الولايات المتحدة، كون وجبات الأطفال مشبعة بالدهنيات والسكر “المختبئ” في الأطعمة المختلفة، وحدد في حملته محاذير استخدام المواد المحتوية على كميات كبيرة من السكريات في طعام الفرد الأميركي العادي، وتأثيرها على إصابته وعائلته بالأمراض المختلفة، في كتابه “احتمال السمنة: الحقيقة المخفية عن السكر، البدانة والمرض” Fat Chance: The Hidden Truth About Sugar, Obesity and Disease.

الأيض والدماغ مسؤولان أيضا

sugar is poison

ويقول لوستيغ إن الهرمون المتصل بالتوتر، أي الكورتيزول، يتحمل جزءا من المسؤولية في وصول الفرد لزيادة الوزن، ويفسر ذلك قائلا: “عندما يفيض مستوى الكورتيزول في الدم، يرفع ضغط الدم، ويزيد من مستوى السكر، ومن الممكن أن يتسبب بمرض السكري، وأظهرت الأبحاث أن الكورتيزول يزيد سعراتنا الحرارية من مصادر (الأغذية المريحة) comfort foods، مثل الحلويات وغيرها من المواد المحتوية على السكريات”، وأضاف: “تتداخل المستويات العالية من الكورتيزول أثناء النوم على سبيل المثال، فمع الاسترخاء خلال النوم، يزيد هرمون الجوع غريلين ghrelin في اليوم التالي”، وأكد أن “هذا الأمر يختلف من شخص لآخر، إلا أن هذا حدث لي عندما استمتعت بوجبة من حلويات الدونات doughnuts في أحد الأيام، ما انعكس نوما متوترا”.
وأشار لوستيغ أن “سبب البدانة ليس الوزن الزائد”، ويقول: “المشكلة مع السمنة هي أن الدماغ لا يرى الوزن الزائد، فالدماغ يحدد الشهية من خلال نظام ثنائي، فالشخص إما أن يكون مصابا بفقدان الشهية anorexigenesis، بمعنى (أنا لست جائعا، وأستطيع حرق الطاقة)، أو أن يكون في حالة شهية orexigenesis (أنا جائع وأريد تخزين الطاقة)، والمفتاح في هذين الوجهين من الشهية هو مستوى هرمون الليبتين (الهرمون الذي ينظم الدهون في الجسم)، ولكن وجود هرمون الأنسولين في النظام الخاص بالمرء يعطل إشارة الليبتين، وبالتالي قد يؤدي إلى تناول الطعام بكثرة، وعدم تنظيم الدهون وظهور زيادة الوزن.

الحملة ضد السكر

يؤكد لوستيغ أن “وباء السمنة ابتدأ في ثمانينيات القرن الماضي، وأنه كان من الممكن أن يحصل قبل ذلك، إلا أن السكر كان باهظ الثمن، لكن في ما بعد، وخصوصا بعد حملة ممنهجة ضد الدهون، وتقليل كلفة تصنيع السكريات بأشكالها المختلفة، تم استبدال الدهون بالسكريات، وحاليا، ثمة 74 بالمئة من المواد الإستهلاكية تحتوي السكر، بالمقابل تحتوي هذه المواد 50 بالمئة من الملح”، مؤكدا أنه “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلن تقوم الدول بتوفير الرعاية الصحية، كونها ستستنزف كل موازناتها”.
وقال لوستيغ: “ان السكر مضر كونه يؤثر على إحساس الشخص بالشبع، وقد أثبتنا هذا الأمر في تجربة نشرت في دورية “البدانة” Obesity الطبية في شباط (فبراير) 2016، وشملت 43 طفلا من الإثنية السوداء black والإسبانية hyspanic يعانون من السمنة وارتفاع في ضغط الدم وحالة ما قبل السكري prediabetic ومتلازمة الأيض (التمثيل الغذائي) metabolic syndrome، وما يرافق ذلك من ارتفاع في معدل الضغط ونسبة السكر على الريق fasting blood sugar، وارتفاع في نسبة الدهنيات في الدم، بتقليل نسبة السكر في الوجبات التي كانوا يتناولوها من 28 بالمئة إلى 10 بالمئة، وهي النسبة المحددة في منظمة الصحة العالمية، ودون تخفيض في نسبة الدهون ولمدة عشرة أيام، فوجدنا أن الأطفال شعروا بالشبع بشكل أسرع، وليس ذلك فحسب، بل ان مستويات السكر، ومعدل الضغط، والدهنيات والكولسترول السيء، انخفضت جميعها بشكل قياسي، وخصوصا نسبة الإنسولين التي انخفضت بمعدل الثلث، كما أن أوزانهم انخفضت بمعدل كيلوغرام خلال عشرة أيام فقط، رغم أن وجباتهم بقيت كما هي لجهة السعرات الحرارية، وبهذا أثبتنا أن السكر وليس السعرات الحرارية، يساهم في ظهور أمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم ومتلازمة الأيض وليس السعرات والدهون”.
وقال أخصائي الطب التقويمي في “جامعة تورو” في كاليفورنيا والمشارك في الدراسة جان مارك شوارتز Jean-Marc Schwarz: “عندما حددنا كميات السكر في وجبات الاطفال بدأوا يستجيبون لمنبهات الشبع”، وأضاف: “قال الأطفال أن كمية الطعام كبيرة، على الرغم من أنهم استهلكوا ذات العدد من السعرات الحرارية كما كان من قبل، مع كمية أقل بكثير السكر، وقال بعضهم أننا نغرقهم بالطعام”، مشددا على “أهمية قيام الأهل بالمراقبة والحد من استهلاك أطفالهم للسكر”.
وعلق لوستيغ على الدراسة، قائلا: “كل التدابير البديلة للصحة في التمثيل الغذائي تحولت نحو الأفضل، فقط عن طريق استبدال النشاء والكربوهيدرات المعقدة بالسكر في طعام الأطفال، وكل ذلك دون تغيير في السعرات الحرارية أو وزن الوجبات أو ممارسة الرياضة”. وأضاف: “توضح هذه الدراسة أن السعرات الحرارية من السكر هي الأسوأ، لأنها تتحول إلى دهون في الكبد، وخصوصا من مصدر الفركتوز، وتؤدي إلى مقاومة هرمون الأنسولين، متسببة بمخاطر أمراض السكري، والقلب، وأمراض الكبد، فضلا عن الآثار الهائلة للصناعات الغذائية على الأمراض المزمنة، وتكاليف الرعاية الصحية”.

الإدمان على السكر والأطفال

يؤكد لوستيغ أن “ثمة إدمانا على السكر، يشابه تماما الإدمان على العقاقير المنشطة من مخدرات وغيرها في مراكز الإستجابة العصبية لها في الدماغ، وأن الجسم لا يحتاجه فيزيولوجيا، لكنه يدمن عليه، وأن الرابطة الأميركية للطب النفسي (APA) The American Psychiatric Association في دليلها التشخيصي والإحصائي DSM-IV-TR، وجدت سبعة معايير للإدمان تطابق ما يشعر به من يتناول السكر”، وأدى هذا إلى الإستنتاج بأن “استجابة الجسم للسكر هي ذات مسارات المكافأة في الدماغ، كما هو الحال مع تعاطي المخدرات”، وأكد على “ضرورة تعامل الحكومات مع الوضع بخضوع السكر لضريبة تماما مثل التبغ والكحول”.
ولا يوجد السكر بشكله العادي في المواد الإستهلاكية، ولا يلزم المصنع بذكر مصادره أو كميته، مع العلم بوجود ما يقارب 61 مادة في المواد الإستهلاكية تقوم وتؤثر بذات تأثير السكر
وقال لوستيغ: “يعرف مصنعو المواد الإستهلاكية الجاهزة، أنه كلما أضيف السكر وأشكاله المختلفة إلى الطعام، يزيد في نسبة الإستهلاك”، مؤكدا على “تأخير سن تعرض الأطفال للسكر إلى أقصى مدى، لتحسيس مراكز التذوق لديهم، فضلا عن وضع ضريبة على هذه المواد، وسن يقيد استهلاكها، شبيها لما نقوم به في حال التبغ والكحول، مثلا بحالة زجاجات المرطبات وضع سن فوق 16 عاما عليها للحد من استهلاكها”، واقتبس حديثا لسكرتير الأمم المتحدة حين أعلن “أن الأمراض غير المعدية أي السكري، وأمراض القلب، والسمنة، والسرطان ومرض الزهايمر تشكل تهديدا أكبر للعالم أجمع، للدول المتقدمة والنامية، من الأمراض المعدية، وأن هذه الأمراض تقتل 35 مليون شخص سنويا، وأن هناك 30 بالمئة من الناس يعانون من السمنة المفرطة أكثر ممن يعانون من نقص التغذية، وبينما كان في العام 2011، حوالي 366 مليون مريض يعانون من مرض السكري في العالم وهو أكثر من ضعف العدد في العام 1980، أو 5 بالمئة من عدد سكان العالم، فإنه في الولايات المتحدة، وبحلول العام 2030 من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 33 بالمئة”.
مما تقدم، وبشكل موضوعي وعملي، ندرك أن عملية التخفيف من استهلاك السكر، يزيد من حساسيتنا لتذوقه، وبالتالي نتمكن من استهلاك كمية أقل، وعلينا الإتجاه إلى مصادر السكر الطبيعية من الفواكه، بدلا من تلك المصنعة، فضلا عن تحديد كمياتها، لنتمكن من تحويل مسار الأمراض نحو صحة سليمة لدى أفراد المجتمع بشكل عام وتحديدا الأطفال.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This