شارك رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في افتتاح حفل توقيع اتفاقية باريس لتغيير المناخ، في مبنى القاعة العامة لمقر الامم المتحدة في نيويورك، في حضور مندوب لبنان في الامم المتحدة السفير نواف سلام.
ويعتبر توقيع الرئيس سلام على هذه الاتفاقية مقدمة لتبينها في مجلس الوزراء ورفعها الى مجلس النواب للتصديق حتى تصبح نافذه.
رغم ان حصة لبنان في الانبعاثات الدولية للغازات الدفيئة ضئيلة جداً (٠٫٠٧٪ من مجموع الانبعاثات العالمية)، حددت مساهمته الوطنية هدف تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 30% بحلول العام 2030. تتوزع هذه النسبة ما بين تخفيض بنسبة ١٥% كهدف غير مشروط، وتخفيض إضافي بنسبة ١٥٪ من الانبعاثات مشروط بدعم دولي.
ويعتبر لبنان في مساهمته ان التكيّف مع الاثار السلبية لتغير المناخ أولويةً كون لبنان دولة نامية تعاني من ندرة المصادر المائية وارتفاع كثافة السكان في المناطق الساحلية ، بالاضافة الى الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وارتفاع معدّلات الفقر وغيرها من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. لذا يروّج لبنان للتكيّف مع تغير المناخ من خلال بناء القدرة المؤسساتية وتعميم مفاهيم تغير المناخ عليها بغية الحدّ من التأثيرات السلبية على الأنظمة البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
ويحضر مسؤولو أكثر من 165 دولة في حفل التوقيع على اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، بمن فيهم ستون رئيس دولة وحكومة.
ومن شأن ذلك أن يسجل رقما قياسيا بالنسبة لعدد البلدان الموقعة على اتفاق دولي في يوم واحد. كما أعلنت ثلاث عشرة دولة أنها ستودع صكوك تصديقها اليوم.
وكانت 196 دولة قد اعتمدت الاتفاق في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في مؤتمر باريس الذي عقد في ديسمبر العام الماضي.
ومن المقرر، أن تحل الاتفاقية الجديدة محل بروتوكول كيوتو الذي سينتهي العمل به في عام 2020، والذي كانت الولايات المتحدة تقاطعه بسبب إعفاء الصين منافستها الاقتصادية من الالتزام ببنوده.
مناخ لبنان
يجزم تقرير صدر عن البنك الدولي اواخر العام 2014 أن نتائج تغير المناخ ستكون «كارثية» على منطقة شرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمنها لبنان، إذ إن بيروت والرياض ستسجلان أعلى مستوى زيادة في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وسيزداد عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي. وهذا ما سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية.
ويظهر التقرير الوطني الثاني للبنان في شأن تغيّر المناخ، الذي صدر عام 2011، أن معدّل درجات الحرارة سيرتفع بحلول سنة 2040 بين درجة على الشاطئ ودرجتين في الداخل، وبين 3.5 درجات على الشاطئ وخمس درجات في الداخل بحلول سنة 2090.
وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ارتفعت حرارة سطح الأرض بمعدل 0,47 درجة مئوية. ومعروف أن ارتفاعاً بمعدل درجة مئوية واحدة يزيد بخار الماء في الغلاف الجوي بنسبة 7%، مع العلم بأن تبخر المياه يشكل محركاً لتدفق الرياح والمتساقطات في الغلاف الجوي، لذا يتوقع أن تتسارع وتيرة الظواهر المناخية.
وترجح الفرضيات المعتمدة في أوساط العلماء ارتفاع معدل الحرارة على سطح الأرض درجتين مئويتين بحلول عام 2050.
ويتوقع علماء الأرصاد الجوية أن تتشكل الغيوم بطريقة أسهل وأسرع، ما يعني تزايد المتساقطات، وهذا من شأنه أن يؤدي خصوصاً إلى زيادة الأمطار الغزيرة المفاجئة والفيضانات. وسيؤدي ارتفاع الحرارة إلى تضخيم الظواهر المناخية السائدة حالياً. وستكون موجات الصقيع من قبيل الدوامة القطبية التي اجتاحت هذا الشتاء جزءاً كبيراً من أميركا الشمالية أكثر شدة وانتظاماً، شأنها في ذلك شأن موجات الحر والجفاف.
126 يوم حار
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر منطقة في العالم شحاً في موارد المياه. ويبلغ نصيب الفرد من المتاح من الموارد المائية المتجددة بوجه عام أقل من ألف متر مكعب في السنة (باستثناء عدد قليل من البلدان)، ويقل هذا المعدل إلى 16 متراً مكعباً للفرد في الإمارات العربية المتحدة. وبالمقارنة بالمكسيك، أن نصيب الفرد يبلغ 3500 متر مكعب في السنة، و4500 في بلدان منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و9000 متر مكعب في الولايات المتحدة الأميركية. يقول البنك الدولي في آخر تقاريره ضمن سلسلة «اخفضوا الحرارة»، انه في عالم ترتفع فيه الحرارة درجتين مئويتين، من المتوقع أن تزيد عدد أيام السنة الحارة التي ترتفع فيها درجات الحرارة بصورة غير معتادة مع الشعور بعدم الارتياح نتيجة ارتفاع درجة الحرارة في العواصم من 4 إلى 62 يوماً في عمان (الأردن)، ومن 8 إلى 90 يوماً في بغداد (العراق)، ومن يوم واحد إلى 71 يوماً في دمشق (سوريا). وتشير التوقعات إلى أن بيروت (لبنان)، والرياض (السعودية) ستشهد أعلى مستوى من الزيادة في ارتفاع درجات الحرارة حيث تشير التنبؤات إلى زيادة في عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي. وفي سيناريو ارتفاع الأربع درجات مئوية، تشير التنبؤات إلى أن متوسط عدد الأيام الحارة سيتجاوز 115 يوماً في السنة في جميع هذه المدن. وهذا سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية.
التداعيات الاقتصادية
انتج فريق تغير المناخ في وزارة البيئة اللبنانية بدعم من برنامح الامم المتحدة الانمائي سلسلة من التقارير والدراسات حول تغير المناخ تعالج محموعة من العوامل المرتبطة بدناميات تغير المناخ في لبنان.
التقرير التاسع الصادر عن فريق تغير المناخ يحمل عنوان التداعيات الاقتصادية للتغير المناخ على لبنان
ويشير التقرير الى ان كلفة الاضرار التي يلحقها تغير المناخ بالاقتصاد اللبناني قد تصل الى حوالي 17 مليار دولار في عام 2040، اذا لم يتخذ العالم تدابير سريعة وجدية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة على الفور”. وأن الحكومة اللبنانية ستحمل والاسر اللبنانية هذه الاعباء الاقتصادية، عبر تراجع الانتاجية والاستدامة في القطاعات المختلفة، على سبيل المثال ان انخفاض توفر المياه للري والاستخدام المنزلي والصناعي سيكلف الاقتصاد اللبناني 21 مليون دولار في العام 2020 وتصل الى الكلفة الى 320 مليون دولار في العام 2040”
يؤثر الانحباس الحراري على المتساقطات في لبنان، وسينعكس ذلك تغيّراتٍ في توافر المياه العذبة ونوعيّتها وتدفّق المياه السطحيّة وتغذيةالمياه الجوفيّة. وتستنتج معظم الدراسات التي تتطرق الى مسألة المياه والتغير المناخي، وبينها دراسة أعدتها وزارة البيئة اللبنانية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، أنّ من المبكر جداً لمس هذه التغيّرات في المتساقطات. وكشفت الدراسات التي أجريت في منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسّط أنّه «لم يحصل أيّ تغيّرٍ معيّن في نمط المتساقطات، ولم يطرأ أيّ تحوّلٍ كبير على فصل الشتاء في المنطقة في خلال القرن السابق».
50 بالمئة ثلوج أقل
وتدق التوقّعات المستقبليّة ناقوس الخطر حول تأثيرات تغيّر المناخ على توافر الموارد المائيّة. وقد تطرّق التقرير اللبناني الثاني حول التغيّر المناخي إلى ثلاث مراحل: ما بين عامي 1961 و2000 وما بين 2025 و2044 وما بين 2080 و2099. وتوقع تراجع نسب المتساقطات وارتفاع الخسائر الناجمة عن التبخّر، وذلك تماشياً مع الانحباس الحراري. إذا ارتفعت الحرارة بمعدّل درجة مئويّة واحدة، فسينخفض المعدّل الحالي للموارد المائيّة الذي يُقدّر أنّ يتراوح بين 2800 مليون متر مكعّب و4700 مليون متر مكعّب، بحوالى 250 مليون متر مكعّب في السنة. وإذا ارتفعت الحرارة بمعدّل درجتين مئويّتين، فستنخفض الموارد المائيّة بمعدّل 450 مليون متر مكعّب في السنة. أمّا بالنسبة إلى تأثيرات الانحباس الحراري على الثلج فهي مأساويّة، علماً بأنّ الثلج أمر حيوي بالنسبة إلى الموارد المائيّة في لبنان، إذ يتوقّع، في حال ارتفعت الحرارة بمعدّل درجتين مئويّتين، انخفاض نسبة الغطاء الثلجي فوق منطقة نهر إبراهيم بحوالى 50 في المئة. وستتأثّر أيضاً أنماط تدفّق مياه الأنهار بشكلٍ كبير، كما ستتحوّل فترة التدفّق القصوى لمياه الأنهار من نهاية نيسان إلى نهاية شباط، وترتفع نسبة تدفّق الأنهار في الفترة الممتدّة بين كانون الأول وشباط. وفيما تنخفض نسبة ذوبان الثلوج بين نيسان وحزيران، ستنخفض نسبة تدفّق الأنهار بشكلٍ هائل خلال الفترات التي يرتفع فيها الطلب على مياه الريّ.
تركيز الكربون 400 جزء في المليون
وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها السنوي لعام 2015، أن مستوى تركيز الغازات المسببة لمفعول الدفيئة بلغ معدلات قياسية جديدة في العام 2014. ويظهر التقرير أن تركيز ثاني أكسيد الكربون ارتفع بواقع 397.7 جزءا في المليون في الغلاف الجوي العام المنصرم. وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، تخطت مستويات تركيز ثاني أكسيد الكربون عتبة 400 جزء في المليون خلال الربيع، وهي الفترة التي تكون فيها كميات هذا الغاز هي الأكبر.
ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوهات التي تطرح من الدول الكبرى الاكثر تلويثاً لخفض انبعاثاتها الكربونية في الوصول اليه.