د. ناجي قديح

قد يظن كثيرون أن لا علاقة بين حدث انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني والبيئة، ولكننا نلاحظ أن صدفة انعقاده في “يوم الأرض” العالمي ذات دلالة عميقة، ليس بالإفتعال بل بالضرورة الموضوعية.
بيئة لبنان هي أكبر ضحايا النظام الطائفي الفاسد في هذا البلد المتنوع بحرا وساحلا وجبلا وسهلا ورواب، فالدمار المنهجي لا يقف عند حدود أي من عناصر البيئة وأوساطها.
الهواء ملوث بلائحة طويلة من الملوثات لا حدود لها، وما شهدناه في الحقبة الأخيرة مع فضيحة أزمة النفايات المتمادية والمستمرة ليس إلا حلقة من حلقاتها.
والأرض ملوثة بكل طبقاتها وبكل أصناف استعمالاتها. فالأراضي الزراعية، تنهال عليها صنوف الأسمدة الكيماوية والأدوية والمبيدات بعشوائية لا تعير اهتماما لمعايير ولا لمستويات مقبولة. فالفوضى العارمة في استعمال مبيدات الحشرات ومبيدات الأعشاب عالية السُمِّية لا تقف عند حدود، ما يهدد ليس الأرض والتربة وحدها بالتلوث فحسب، بل يمكن له أيضا أن يتسرب للمياه السطحة والجوفية ليصيبها بالتلوث الخطير، وكذلك أن تتراكم بقاياه في المنتجات الزراعية لتلوث الغذاء، الذي يؤمن قوتنا في البيوت المتواضعة، ويزيِّن موائد القصور الفخمة للطبقات المخملية.
ماذا عن مواردنا المائية التي تتعرض للتلوث والإستنزاف من كل صوب؟ فكل أنواع النفايات لا تعرف لها نظاما للإدارة والمعالجة والتخلص، فتصير مصدرا لتلوث بيئي شامل. مياه الصرف الصحي تلقى في البيئة، أرضا وأنهرا وبحرا. جزء يسير منها يتلقى المعالجات الجزئية دون احتساب لفعاليتها وجدواها، حين يلقى بعضها في سواقي المياه المبتذلة، بعد أن يكون قد خضع للمعالجة الثنائية والتعقيم بالأشعة ما فوق البنفسجية، كما يحصل في محطة المعالجة في النبطية، هل هناك عبث أكثر جنونا من هذا؟ هكذا تدار البلد كلها، ومنطق هدر المال العام يسود في كل جنبات التعامل مع ملفات البيئة، الساخنة منها والأكثر استراتيجية، مثل ملف النفايات الذي سحق اللبنانيين جميعا تحت “جزمة” مافيا الصفقات الكبرى على حساب بيئة لبنان وصحة شعبه وماله العام.
ماذا بقي من بيئة لبنان وخضرته؟ فغاباته عرضة للحرائق العشوائية والمفتعلة، وبحره بات مطامر للنفايات من كل صنف ولون، متقاطعة مع مشاريع ردم البحر ووضع اليد على الأملاك العامة البحرية، التي لم يبق منها إلا النزر القليل، وسلطة نظام المحاصصة الطائفية تكمل على ما تبقى من شطآنه الرملية، أو تخطط لسرقتها ووضع اليد عليها بكافة الحيل والخدع والألاعيب.
ماذا أبقى النظام الطائفي، المنخور حتى العظم بالفساد والصفقات المشبوهة والفضائح المدوية، من بيئة لبنان وموارد لبنان الطبيعية ومياه لبنان وبحر لبنان؟
كل هذا ومحاولات المواجهة الشعبية تعاني من ضعف وتفكك، وهي قد افتقدت لرافعتها القادرة والصلبة والمثابرة، التي جسدتها القوى الشعبية والنقابية واليسارية والوطنية والعلمانية اللاطائفية والقومية التحررية، والقوى المدنية الوطنية التي تسعى من مواقعها المتنوعة والمتباينة والمختلفة إلى تعزيز المواطنة، والسعي للتقدم الاجتماعي والعدالة والحريات، والمحافظة على التراث التاريخي الحضاري، وحماية البيئة، وهي الثروة الحقيقية لشعب لبنان تاريخيا وإلى الأبد، منذ الماضي السحيق وقدما في المستقبل البعيد.
المؤتمر 11 للحزب الشيوعي اللبناني يمكن له أن يشكل، ونأمل له أن يكون، خطوة في اتجاه إعادة الروح إلى قوة شكلت على مدى تاريخ لبنان الحديث، منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الأمس القريب، رافعة القضايا الوطنية والاجتماعية والمواطنية الحقة والعلمانية اللاطائفية بالفكر والقول والعمل والممارسة، ورافعة العدالة الاجتماعية والمقاومة الوطنية وبذل الروح دفاعا عن الوطن والأرض والشعب، وفي ساحات المواجهة مع الفساد والنهب والصفقات ووضع اليد على المال العام والأملاك العامة والثروة الطبيعية من قبل حيتان السلطة ومافياتها.
بيئة لبنان، ضحية الفساد المستشري في سلطة نظام المحاصصة الطائفية والتقسيم المذهبي والقبلي والعشائري والعائلي، تتمسك بخيوط النور المنبعثة من احتمال السير على طريق استنهاض الحركة الشعبية، وبدء ظهور ملامح التعافي على مدماك أساسي من مداميكها، الحزب الشيوعي اللبناني، كرافعة لحركة شعبية واسعة ومتنوعة، تنهض بلبنان من الهوة السحيقة التي أوصله إليها النظام الطائفي المشبع بالانقسام والفساد والعفونة.
بيئة لبنان تبتهل لخلاص لبنان من كارثة ابتلائه بقوى السلطة الطائفية والمذهبية، التي تنحدر بهذا البلد الجميل سحقا وتنهب خيراته وتبدد طبيعته وتدمر بيئته وتهجر شبابه وخيرة أبنائه.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This