زينة ناصر

يحذر أهالي برجا من تحرّكات تصعيدية في حال لم يتم الالتفات إلى صحّتهم وبيئتهم. سيناريو الغضب الشعبي قد يصل الى حد توقيف معمل الجية الحراري عن العمل، وبالتالي، قطع التيار الكهربائي عن مناطق لبنانية عدّة.
سبب التهديد تكرار مشهد الدخان الأسود المتصاعد من المعمل، الذي لم يُغضِب سكان ساحل الشوف فقط، بل أًغضب كل من رأى المشهد “الخطير” الذي يعيش يومياً تحت وطأته، اهالي اقليم الخروب وخصوصاً بلدة برجا ومحيطها، علماً ان سكان هذه البلدة لا يستفيدون من التغذية الكهربائية لمنطقتهم من المعمل.
أقدم المعامل الحرارية الملوّثة في لبنان، لم تجرَ له الصيانة اللازمة على مدى سنوات طويلة، ولم يغلق بعد، رغم تسببه بأنواع عدّة من التلوّث للبيئة المحيطة به، إضافة إلى أمراض في الجهاز التنفسي وحساسية مفرطة تصيب السكان المحيطين.

تقرير: زينة ناصر تصوير ومونتاج: أحمد فرحات

“سنقطع الكهرباء عن لبنان”
greenarea.info زارت برجا التي طالبت بحقوق سكانها في كلّ مرّة كانت تنتهكها الدولة. أخبرنا “البرجاويون” عن التحركات التصعيدية التي سيقومون بها في حال لم يتم إقفال المعمل الذي يقتلهم يومياً، والمراحل التي مرت بها “رحلة المطالبة بالحقوق البديهية المهدورة”.
يؤكد يونس حمية من “شباب من أجل برجا أفضل” لـ greenarea.info انّ “سكان المنطقة يتعايشون مع معمل الجية الحراري منذ فترة طويلة، ومع الملوّثات التي تنتج عنه”، مضيفاً ان “الناس ما عادوا يتحملون هذه المعاناة، سواء لناحية الأمراض التي يصابون بها كبارا وصغارا، وسواء لناحية الحرمان من التيار الكهربائي من المعمل رغم تنشّق ملوّثاته”.
وأشار حمية إلى ان “أهالي المنطقة عموما، وأهالي برجا تحديداً قرروا مواجهة ما هو قائم”، مذكراً بتحّركات سابقة قاموا بها مع آخرين ضمن تحركات “شباب من أجل برجا أفضل”، منذ أكثر من عام ونصف العام، إضافة إلى عريضة شعبية لأهالي برجا طالبوا فيها بوقف الانبعاثات السامة الناتجة من المعمل، وطالبوا فيها أيضا بتزويدهم بالكهرباء.
ولعلّ أحد أبرز الخطوات التي قام بها أهالي البلدة كانت “إقامة دعوى قضائية باسم بلدية برجا والأهالي ضدّ شركة الكهرباء، وأكد حمية أن “ثمة اتصالات أجريت مع مدير الشركة ومع مدير عام كهرباء لبنان كمال الحايك، وزار وفد من أهالي برجا رئيس الحكومة تمام سلام، عارضاً أمامه مشاكل البلدة، لعلّها تلقى حلاً”، وبحسب حمية، فقد وعدهم سلام باستبدال المولدات القديمة بأخرى جديدة.
“منطقتنا منكوبة بيئياً”، يقول حمية، ويعيد التذكير بالاضرار الصحية والبيئية اللاحقة بالمنطقة جرّاء معمل “ترابة سبلين، الكسارات، المقلع، الكجك، شركة الكهرباء”، مضيفاً ان “بيئتنا مهددة يومياً بالمطامر والانبعاثات”.
ومن بعد الانبعاثات التي استفاقت عليها برجا مؤخراً، أكد حمية أن الأهالي قرروا “التحرّك على الأرض، لأننا نريد ان نعيش في بيئة نظيفة وجوّ نظيف”.

معمل السرطان!

barja afdal

أما كمال الخطيب، الذي وصف المعمل بـ”معمل السرطان”!، لا معمل لإنتاج الكهرباء، فقال ان “الخطوات التصعيدية ستكون قطع الكهرباء عن المعمل إن لم يتم التجاوب مع المطالب في الشهرين المقبلين”.
إلا ان الرئيس تمام سلام، وبحسب الخطيب “حاول إسكات أهالي برجا من خلال زيادة ساعات التغذية”، وأضاف ان “ما يسكتنا ليس زيادة ساعات التغذية، ما يسكتنا هو إصلاح المولدات أو استبدالها”.
ولكن هل ستنطلق التحركات على الأرض؟ وهل ستستمر الدعوى، مع أي جهة كانت البلدية الجديدة؟ يردّ الخطيب انّ “هناك مجموعة من الشباب والشابات سيتحرّكون عند أي مسّ بحق من حقوق برجا”.

نموت يومياً… لكن “إيه في أمل”

aysha abed

سكان ساحل الشوف يتعرضون للموت البطيء، فأمراض السرطان والربو تلاحق صغيرهم وكبيرهم، لكن الأمل بحياة أفضل وبيئة سليمة لا يزال قائماً.
وقالت عيشة العبد لـ greenarea.info “استفقنا على دخان أسود، وقال لي حفيدي تعالي انظري السماء تحترق والبحر يحترق”.

adam

وعن تأثرها بالانبعاثات من المعمل، أشارت إلى انها “تعاني من الربو، وبعض أحفادي يعانون الحساسية”، ويخبرنا حفيدها آدم، الذي لم يتجاوز الـ10 سنوات، عن لحظة رؤيته الدخان الأسود المتصاعد، وظنّ ان “الغيوم السوداء تنذر بمطر شديد”، إلا ان والده أخبره ان “هذه ليست بغيوم، بل شركة الكهرباء (عملت هيك)”، بدأ آدم بالسعال، وانتظر حتى عاد من المدرسة إلى منزله حتى يحاول معرفة ما هي هذه “الغيوم السوداء” (الانبعاثات)، وماذا تسبب. “إنها تتسبّب بثقب في طبقة الأوزون”!، يقول آدم.

b2

شكري جانون وبهيج سيف الدين يرددان كلاماً مشابهاً لذلك الذي أكده معظم السكان الذين التقيناهم في برجا، ولا يجدا ان الأمر جديد أو مفاجئاً، ويتخوّفان من الانبعاثات التي تحصل ليلاً، إنما لا أحد يراها، فلا يتم الكلام عنها.

b1

“تعالوا انظروا إلى ما نتعرّض له، إنه موجع للقلب”، يقول لنا جانون، داعياً إلى “التحرّك كما كان يحصل سابقاً من قبل أهالي المنطقة”، إلا انه يقول ان “لا أحد يقيم اعتبارا لوجع الناس”، لكن “الأمل موجود”.
أما بهيج سيف الدين، فحدّثنا عن حالات سرطان لا تُحصى، قائلاً ان “الحالة لا تطاق”. أما بالنسبة للخطوات اللازمة، فيرى أنها من واجب الدولة، لكن “الناس لن تسكت عن حقّها وعن الموت البطيء الذي تتعرّض له”.

قصة معمل الجية الحراري

najiiii

يؤكد مستشار موقع greenarea.info د. ناجي قديح انّ “معمل الجية الحراري هو أحد أقدم معامل الكهرباء في لبنان، وقد أنشىء في الستينيات من القرن الماضي، وخضع عمليات تأهيل مرّات عدّة”، مضيفاً ان “تجهيزاته أصبحت قديمة جداً”.
وأضاف ان “بعثة كهرباء فرنسا حضرت إلى لبنان لوضع مخطط توجيهي لحاجات قطاع الكهرباء في لبنان، وأشارت إلى ان هذا المعمل لا جدوى لإعادة تأهيله، ومن المفضّل ان يقفل ويفكّك وان يقام معمل حديث مكانه، شبيه بمعملي الزهراني ودير عمار”.
اعتماداً على هذه التوصيات للبعثة الفرنسية، تمّ استقدام بواخر تركية لتوليد الكهرباء لتعوّض كمية الكهرباء الذي ينتجها معمل الجية خلال فترة إيقاف المعمل وإيقافه، لإجراء التعديلات والتغييرات التقنية عليه، إن لجهة تأهيله جذرياً أو لجهة بناء معمل جديد مكانه.

سبب الانبعاثات

black smoke1

ولكن ماذا حصل؟ استقدمت البواخر، واستمرّ العمل في معمل الجية على رغم كل المشاكل التقنية الموجودة، وهذا أحد أهم أسباب الانبعاثات التي نلحظها بشكل مستمرّ ويومي.
هذه الانبعاثات السوداء التي تتكرّر مرات عدة يومياً، تشير إلى ان الحرّاقات العاملة في المعمل تتعرّض لتوقّف ولإعادة تشغيل، بحيث انه مع كل إعادة تشغيل نشهد إطلاقا لدخان كثيف أسود يستمر لمدّة طويلة.
وثمة احتمال ثانٍ لتفسير هذه الانبعاثات، يتمثل في استخدام أنواع سيئة من الوقود، ويتم خلطها مع زيوت المحركات منتهية الصلاحية، ممّا يشكّل خطرا مع ارتفاع مستوى التلوّث الناتج عن هذه “الخلطة”، وخصوصاً بغازات الاحتراق والمعادن الثقيلة.

أربعة مصادر “إضافية” للتلوّث في محيط المعمل

kasarat

أما بالنسبة لتلوث الهواء الذي تشهده المنطقة المحيطة بالمعمل، فهو من أربعة مصادر إضافية، وهي البواخر العاملة على مدى 24 ساعة في اليوم، “المزبلة” المحترقة على مقربة من المعمل بشكل يومي، ومعمل سبلين، الذي وبالرغم من وضع الفلاتر مؤخرا التي تحد من انبعاث الأغبرة، ولكنها لا تحد من انبعاثات غازات الاحتراق. أما المصدر الرابع، فهو السير الكثيف على الأوتوستراد، الذي يشكّل مصدراً لتلوث الهواء.

IMG_2073

مخاطر كبيرة على الصحة العامة

الطبيعة الجغرافية للمنطقة، المتمثّلة بوجود البحر ومنطقة جبلية قريبة، تؤدي إلى تكوّن دورة للتيارات الهوائية، يتبادلها نسيم البحر ونسيم البرّ، ويتمّ بنتيجتها تراكم لكميات الملوثات في الهواء الجوّي، وهذا ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة على الصحة العامة، مما يتسبّب بأمراض مزمنة، تنفسية وقلبية، إضافة إلى الحساسية والربو.
برجا الآن، كما سابقاً، مستعدة للانتفاض من أجل حقّها في العيش وسط بيئة سليمة. فهل يستجيب المسؤولون ويقيمون معملاً مطابقاً للمواصفات البيئية والصحية؟ أم سنشهد “انقطاعاً للكهرباء في مناطق لبنانية عدّة بعد شهرين؟”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This