قبل ايام من الاحتفال باليوم الوطني للسلاحف في لبنان، يعاني هذا النوع البحري المهدد بالانقراض من ظروف بالغة السوء ادت الى نفوق العديد منها.
سلحفتان بحريتان نفقتا في يوم واحد على الشاطىء من الكوستابرافا إلى الجية، وبفارق ساعات، فيما رصدت جمعية GreenArea الدولية سحلفاة ثالثة نفقت قبل أيام عند شاطىء عدلون.
وعادة ما يخفي أصحاب المسابح والمؤسسات السياحية البحرية، معلومات تتعلق بالسلاحف النافقة خوفا من إثارة كل ما من شأنه أن يعرض مصالحهم للخطر، وهم يأملون بموسم يعوض بعضا من خسائرهم في ظل تراجع القطاع السياحي بشكل عام، لكن في المقابل، وإذا ما سلطنا الضوء على ما نواجه من مشاكل بيئية وصحية، فذلك من حرصنا على بيئتنا لانها المتنفس السياحي الأبرز، فمواجهة الأخطار تتطلب معالجة الأسباب، لا القفز فوقها، و”ممارسة الضغوط على مواطنين لإخفاء سلحفاة نافقة”، بحسب ما أشار مواطن (آثر عدم ذكر اسمه)، أو طمس حقيقة أن هناك من يرمي النفايات في البحر.
المفارقة التي تسترعي الاهتمام، ان السلحفاة الأولى وجدت في “الكوستابرافا” بين أكوام النفايات، فيما وجدت الثانية على شاطىء الجية جنوبا، أي في المنطقة التي شهدت فضيحة رمي النفايات في البحر قبل نحو أسبوعين، نعلم في هذا المجال أن أسبابا عدة تتسبب بقتل ونفوق السلاحف البحرية، ومنها النفايات ولا سيما أكياس النايلون العدو الأكبر للسلاحف، إذ انها تلتهما ظنا منها أن قناديل بحر، واصطدام المراكب بها، أو أنها تتعرض للنفوق بعد أن تعلق في شباك الصيادين، وعوامل أخرى، تبقى برسم الخبراء، ولكن ألا يستدعي ذلك دق ناقوس الخطر؟!
قد يأخذ علينا البعض أن نفوق سلحفاة ليس بكارثة، لكن في بلد يعيش وسط أزمة النفايات، وتلويث البحر بالصرف الصحي والكثير من الارتكابات بحق البيئة البحرية، فإن نفوق سلحفاة هو مؤشر لوجود خلل ما، فهذا المخلوق البحري الذي تآلف مع صيادين في محمية صور، يسدي لبيئتنا ولقطاعنا السياحي البحري خدمة دون مقابل، إذ يخلصنا من قناديل البحر التي تعتبر غذاءه الأهم، فلنتصور مع أصحاب المؤسسات السياحية كيف سيكون الحال في ما لو انقرضت السلاحف البحرية عن شاطئنا المتوسطي؟ علما أن التعديات على البيئة البحرية تترتب عليها نتائج لا تقتصر على السلاحف فحسب، وإنما تطاول كافة النظم الايكولوجية البحرية.
وتهتم جمعية GreenArea الدولية، وهي مؤسسة دولية غير حكومية مقرها جنيف – سويسرا تاسست مطلع العام 2016 ، بمختلف القضايا المتعلقة بالبيئة في منطقة حوض المتوسط.
وتهدف GreenArea الدولية إلى تمكين الصحفيين البيئيين من دول حوض المتوسط في مختلف أرجاء العالم، ومنح المدونين والصحفيين الأخبار والمعلومات التي يحتاجون إليها، والقدرة على التواصل، والوسائل اللازمة لتمكينهم من توصيل صوتهم. من خلال ورش عمل التدريب، وتطوير المواد المرجعية، والمنصات الأكثر شمولية للإنتاج والتوزيع، وتوزيع المنح الصغيرة، كما تعمل GreenArea الدولية على تأسيس وتقوية الشبكات الخاصة بالصحفيين البيئيين
ونشر انتاجهم في وسائل الاعلام المطبوعة والراديو والتلفزيون ومختلف المنصات الاعلامية عبر الإنترنت، مع التركيز بشكل خاص على أمور مثل التغير المناخي والتنوع الحيوي والمياه والصحة البيئية والمحيطات والموارد الساحلية.
العثور على سلحفاة الجية
فور ورود معلومات الى GreenArea الدولية أن هناك سلحفاة نافقة على شاطئ الجية، توجه متطوع قرابة الحادية عشر ليلا إلى منزل المواطن أحمد الحاج الذي عثر عليها، لكنه أبدى تخوفا في بادىء الامر من الإعلان عن مكانها، وذلك حرصا منه على عدم تهديد موسم السياحة البحرية في الجية، لكنه في وقت لاحق وضع السلحفاة أمام منزله، واتصل بنا قائلا أنها موجودة ولكم حرية التصرف بها. وأشار الحاج إلى أنه عثر على السلحفاة “تنازع عند الشاطىء، وكانت في لحظاتها الأخيرة وبدا الزبد الأبيض على فمها، وما لبثت أن نفقت”.
وعرض رئيس جمعية “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس، استلام السلحفاة لمعرفة سبب نفوقها، حيث تم نقلها الى محمية شاطئ صور. فتولت جمعية GreenArea الدولية نقلها الى المحمية.
معاينة أولية
لحظة إيصال السلحفاة إلى محمية صور الشاطئية، عاينها الدكتور يونس ومدير المحمية حسن حمزة، وأشار حمزة إلى “أن وزن السلحفاة 35 كيلوغراما وطولها حوالي 90 سنتيمترا، وهي من نوع (كاريتا كاريتا) caretta caretta ولا يوجد آثار ضرب أو خيوط شباك صيد عالقة على جسدها من الخارج”، ولفت إلى “وجود نزيف داخلي وقد ظهر ذلك من خلال النزف من الفم.
وقال حمزة: “تبين لنا، بحسب ما أبلغنا من كثيرين، أن شفاطات مياه التبريد تحت معمل الجية الحراري – وهذه نقطة يجب التركيز عليها – هي التي تتسبب بهذه المشاكل، وخصوصا وانها ليست الحالة الاولى التي تسجل كما يؤكد اهالي المنطقة، فهذه الشفاطات قادرة على جذب السلاحف، وتساهم في احداث الضرر في احشائها وتتعرض لنزيف وتنفق، وشفاطات المياه تعمل لاربع ساعات، وهذا الموضوع يجب التأكد منه اكثر، والمطالبة بوضع شبك او اية عوائق تحمي السلاحف من الانجراف نحو الشفاطات”.
من معمل الجية إلى معمل الزوق
ويبدو أن هذه المشكلة قائمة في معمل زوق مكايل الحراري، وهي تعتبر سببا مضافا يعرض السلاحف البحرية للخطر، فقد أشار الدفاع المدني قبل خمسة أيام في الخامس والعشرين من نيسان (أبريل) الجاري، إلى انقاذ سلحفاة ضخمة أسرتها مضخات التبريد في معمل الزوق الحراري.
وجاء في البيان: “تمكنت عناصر من وحدة الإنقاذ البحري في الدفاع المدني، بتاريخ 25 -4-2016، عند الساعة الحادية عشرة والنصف من إنقاذ سلحفاة ضخمة اصطدام رأسها بمضخات التبريد في معمل زوق مكايل الحراري، ولم تعد تتمكن من الافلات. فتولى المسعفون تقديم الاسعافات اللازمة لها، وقام المنقذون بسحبها على بعد كيلومتر من معمل زوق مكايل الحراري حيث أطلقوها في الماء بعد أن تأكدوا أنها بحالة جيدة”.
اليوم الوطني للسلاحف
ورأى الدكتور يونس أن “النزيف الداخلي يمكن ان يكون ناجما عن أسباب عدة، فالسلحفاة البحرية بحاحة للتنفس وربما ثمة ما أعاقها وأدى الى اختناقها”، وأشار إلى أن “النزيف يمكن أن يكون ناتجا عن تفجر اعضائها الداخلية، أو التهام مادة معينة من النفايات او غيرها تسبب بنفوقها”.
وقال يونس: ان نفوق ثلاثة سلاحف بحرية (كوستا برافا، الجية وعدلون)، خلال اسبوع واحد، وقبل أيام قليلة من (اليوم الوطني للسلاحف البحرية)، يؤشر إلى الاخطار الجدية التي تتهدد التنوع البيولوجي للساحل اللبناني نتيجة التعديات الواسعة على الشواطىء، والتي تقضي على موائل السلاحف، وهي باتت محدودة وآخذة في الانحسار، فضلا عن التلوث الواسع الذي يطاول البحر، خصوصا وأن لدينا الكثير من المخاوف لجهة استحداث مواقع طمر على البحر في سياق مشروع معالجة النفايات، ومثل هذا الأمر يشكل تهديداً للسلاحف والأحياء المائية ليس في محيط مواقع الردم فحسب”.
وطالب “بالمسارعة الى تصنيف وحماية الشواطئ التي لا زالت تتمتع بعناصرها وتنوعها البيولوجي ونشاط السلاحف فيها، من الشمال الى الجنوب وبشكل خاص شواطئ الزهراني والصرفند وعدلون والبأبوء (العباسية) وحمى القليلة وشاطئ السلاحف بالمنصوري الذي ترعاه الناشطة البيئية منى خليل والناقورة “، وأضاف: “نحن نطالب وبشكل عاجل بإعلان شاطىء عدلون محمية وايضاً شط البأبوء التابع لبلدة العباسية ورفعنا كتابا في هذا المجال إلى الجهات المعنية ليكونا محميتين شاطئيتين”.