بدأ مصطلح “مهجرو” أو “لاجئو المناخ” بالشيوع بشكل أكبر في الفترة الأخيرة، وكان دوما يطاول الدول الجزرية وتلك الدول المعرضة لتطرف المناخ بدرجة أكبر، ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الظواهر المناخية المتطرفة، تأتي إلى عقر دارنا، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA، وهذا ما أشارت إليه دراسة لباحثين من “معهد ماكس بلانك للكيمياء” the Max Planck Institute for Chemistry في ألمانيا ومعهد قبرص the Cyprus Institute في العاصمة القبرصية نيقوسيا، بأن أعداد لاجئي المناخ سيزداد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مهدِّدا سكان هذه المناطق البالغ عددهم 500 مليون نسمة.
في التفاصيل
وقام الفريق العلمي برئاسة البروفسور الألماني في الكيمياء والفيزياء الجوية Chemistry and Atmospheric Physics جوهانس ليليفيلد Johannes Lelieveld والبروفسور من قبرص اليونانية المختص في العلوم الجوية Atmospheric Sciences بانوس هادجينكولاو Panos Hadjinicolaou، ونشرت في sciencedaily، بدراسة تطور درجات الحرارة خلال القرن الواحد والعشرين، وجاءت النتائج مثيرة للقلق العميق، بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تصبح حارة بشكل يعرض الوجود البشري للخطر، وحتى إذا تم الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما تم الاتفاق عليه في قمة الأمم المتحدة للمناخ في باريس إلى ما دون الدرجتين مئويتين، مقارنة مع ما قبل الثورة الصناعية، فقد لا تكون هذه الحرارة كافية أمام تأثيرات الاحترار المناخي على هذه المناطق، وتداعيات هذا الإرتفاع على بيئتها وسكانها.
وقارنت الدراسة بين المناخ في العام 1986 والعام 2005، فمن المعروف أن درجة الحرارة خلال فصل الصيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حارة للغاية، ولكن من المتوقع أن ترتفع بوتيرة أسرع بمرتين من معدل الاحترار العالمي، ويتوقع العلماء أنه بحلول العام 2050، ستصل درجات الحرارة خلال الصيف والأيام الحارة من السنة في جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى معدلات قياسية تقارب 46 درجة مئوية، وقد تصل بحلول نهاية القرن إلى 50 درجة مئوية، كما أن الحرارة لن تنخفض خلال ساعات الليل تحت معدل 30 درجة مئوية، وليس هذا فحسب، بل ان نسبة الأيام الحارة في هذه المنطقة ستكون أكثر بخمس مرات مما كانت عليه في بداية الألفية الجديدة، وبالفعل فقد تضاعفت درجات الحرارة عما كانت عليه في العام 1970، كما من المتوقع أن تزداد موجات الحرارة بمعدل عشر مرات عما هي الآن، لذا فمع زيادة تلوث الهواء بسبب الغبار الذي تثيره الرياح الصحراوية، فإن الظروف البيئية قد تصبح من الصعوبة بمكان بحيث تجبر الناس على الهجرة إلى بلدان أخرى.
80 يوما حارا بدلا من 16 في العام 2050
وقد بينت الدراسة أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن مدة موجات الحرارة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ستطول بشكل كبير، فبين عامي 1986 و 2005، كانت حارة للغاية، وطالت لفترة تبلغ في المتوسط نحو 16 يوما، أما بحلول منتصف القرن، فسوف تكون حارة على نحو غير عادي لمدة تصل إلى 80 يوما في السنة، أما في نهاية القرن، فقد تصل المدة إلى 118 يوما، وحتى لو انخفضت انبعاثات غازات الدفيئة مرة أخرى بعد العام 2040.
وقال هادجينكلاو “إذا استمرت البشرية بإطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون كما هو الحال الآن، فإن الأفراد الذين يعيشون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتعين عليهك أن يتوقعوا حوالي 200 يوم حار بشكل غير عادي، وفقا لتوقعات النموذج المناخي الذي عملنا عليه“.
وقال ليليفيلد بأنه “مقتنع تماما بأن تغير المناخ سيكون له تأثير كبير على البيئة وعلى صحة الناس في هذه المناطق“، وأضاف أن “تغير المناخ سوف يفاقم الظروف المعيشية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى حد كبير، فموجات الحرارة لفترات طويلة والعواصف الترابية الصحراوية يمكن أن تجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن، وهذا ما سوف يساهم بدفع البشر للهجرة بالتأكيد“.
تلوث الجو بالجزيئات الدقيقة
ونشر فريق البحث أيضا نتائج حول زيادة نسبة تلوث الهواء بالجزيئات الدقيقة fine particulate في الشرق الأوسط، وقد تبين أن غبار الصحراء قد ازداد في الغلاف الجوي فوق المملكة العربية السعودية، العراق وسوريا بنسبة تصل إلى 70 بالمئة منذ بداية هذا القرن، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة العواصف الرملية نتيجة الجفاف ولفترات طويلة، ومن المتوقع أن يساهم تغير المناخ في زيادة نسبة التلوث بالجزيئات الدقيقة، ما سيؤدي إلى تدهور الأوضاع البيئية في المنطقة.
وبينت الدراسة التي نشرت في 23 نيسان (أبريل) 2016، استنادا على أبحاث سابقة وإحصاءات الصحة وبيانات الأرصاد الجوية، أن ثمة علاقة واضحة بين ارتفاع درجات الحرارة ومعدل الوفيات نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية ومن الأمراض الدماغية الوعائية، بما يتفق مع بيانات مماثلة في مناطق أخرى، وتم التعرف على أن التطرف الحراري كسبب متصل بالطقس، يساهم بشكل كبير في الوفيات المبكرة (McMichael et al. 2006; Kovats and Hajat 2008; Gosling et al. 2009; Peterson et al. 2013)، وبالتالي، فإن زيادة معدلات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط تُعَد مصدر قلق كبير (Lelieveld et al. 2014; Zittis et al. 2015)، لا سيما لجهة أن الإجهاد الحراري يمكن أن يتسبب بخسارة كبيرة في إنتاجية العمل (Dunne et al. 2013; Zander et al. 2015). وعلاوة على ذلك، يقال إن تغير المناخ الناجم عن التقلبات الشديدة في الطقس يمكن أن تؤثر على الأمن البشري والهجرة (Barnett and Adger 2007; Piguet et al. 2010; IPCC 2014)، لذا فقد خلصت هذه الإحصائيات والدراسات السابقة وهذه الدراسة إلى أن “الإجهاد الحراري” له عواقب صحية مباشرة، فضلا عن ارتفاع نسبة الأمراض المعدية المعتمدة على تلوث الماء والغذاء نتيجة الحرارة، خصوصا بالنسبة للأشخاص المحرومين والفئات الضعيفة من السكان (IPCC 2014)، وتوقعت الدراسة في الخلاصة أن تغير المناخ وزيادة التقلبات الشديدة في الطقس الحار في منطقة MENA قد يؤدي إلى الركود الاقتصادي والاضطراب السياسي وما يرافقه من تفاقم المحنة الإنسانية والمساهمة في الهجرة، وهو ما بدأنا نشهده الآن فعلا.
كما نشرت مجموعة البحث الإعلامي Research Media تقريرا سنويا شاملا تحت عنوان “تغير المناخ وتداعياته على دول شرق المتوسط والشرق الأوسط” Climate change and impacts in the Eastern Mediterranean and the “Middle East، حول تغير المناخ وتداعياته على المجالات الصحية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية في هذه الدول، وأتى التقرير بخلاصة مماثلة لما توصلت إليه هذه الدراسة.
سيناريوهان للمناخ و26 نموذجا مناخيا
واستخدم ليليفيلد وزملاؤه في الدراسة أول مقارنة لبيانات مناخية من العام 1986 وحتى العام 2005، مع توقعات ناتجة عن 26 نموذج مناخي خلال الفترة الزمنية نفسها، وتبين أن البيانات والتوقعات من النماذج تتوافق بشكل كبير للغاية، ولذا استخدم العلماء هذه النماذج لتوقع الظروف المناخية للفترة ما بين الأعوام 2046-2065 والفترة 2081-2100.
واستند الباحثون في حساباتهم على اثنين من السيناريوهات المستقبلية: السيناريو الأول، ويسمى RCP4.5، يفترض أن الانبعاثات العالمية من الغازات المسببة للاحتباس الحراري ستبدأ بالإنخفاض بحلول العام 2040، والتي من شأنها أن تعرض الأرض إلى ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 4،5 واط لكل متر مربع بحلول نهاية هذا القرن، ويتوافق هذا السيناريو RCP4.5)) تقريبا مع الهدف المحدد في قمة الأمم المتحدة الأحدث للمناخ، وهو ما يعني أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يجب أن تكون محددة إلى أقل من درجتين مئويتين.
ويستند السيناريو الثاني (RCP8.5) أو “سيناريو العمل كالمعتاد” على افتراض أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري، سوف تستمر في الزيادة دون مزيد من القيود، ووفقا لهذا السيناريو، فإن متوسط درجة الحرارة السطحية للأرض ستكون بنسب أكثر من أربع درجات مئوية مقارنة بعصور ما قبل الصناعة.
في الحالتين، من المتوقع أن أعلى ارتفاع في درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون خلال فصل الصيف، عندما يكون الطقس بالفعل حارا للغاية، وليس ذلك خلال فصل الشتاء، وهذا ما هو أكثر شيوعا في أجزاء أخرى من العالم، ويعود السبب في ذلك بالمقام الأول إلى ارتفاع درجة حرارة، بسبب الأثر المضخِّم للصحاري مثل مناطق الصحارى، وفي العادة يتم التحكم في توازن الطاقة السطحية عن طريق الإشعاع الحراري، إلا أن الصحاري ليست مناطق عازلة للحرارة بشكل جيد، مما يعني أن السطح الساخن والجاف لا يمكن أن يتم تبريده بواسطة تبخر المياه الجوفية، لذا فإن ظاهرة الاحتباس الحراري من الغازات مثل ثاني أوكسيد الكربون وبخار الماء ستزداد إنما بشكل غير متناسب.
وبغض النظر عن أي سيناريو، فإن تغير المناخ في منطقة الـ MENA سوف يصبح حقيقة واقعة، فإن ليليفيلد وهادجينكولاو يتفقان على أن “تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى تدهور كبير في الأوضاع المعيشية للناس الذين يعيشون في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وبالتالي، إن عاجلا أو آجلا، قد يجبر كثير من الناس على مغادرة المنطقة“.