يُنظر الى قطاع البيئة على أنه قطاع مستهلك، بمعنى أن هذا القطاع يعتمد بالدرجة الأولى على إنفاق موارد الدولة للمحافظة على البيئة، دون أن يساهم في زيادة موارد الدولة. وقد كانت هذه النظرة السبب في قلة الموارد المالية الحكومية المخصصة للإنفاق على هذا القطاع، فضلا عن النظر إليه على أنه قطاع معيق للمشاريع الإستثمارية أو الصناعية على حد سواء.
إلا إن مفهوما حديثا أخذ بالظهور على الساحة البيئية – خصوصا بعد تزايد الإهتمام بالبيئة – ألا وهو التنمية البيئية: بمعنى كيف يمكن توظيف القطاع البيئي لزيادة موارد الدولة؟
ويُقصد بـ (التنمية البيئية) تحقيق أفضل إنتاجية في قطاع البيئة قياسا على ما هو متاح من موارد وإمكانيات، وصولا إلى الحد الذي يشكل فيه قطاع البيئة رافدا دائما للدخل القومي عموما.
بمعنى أن الهدف هو استثمار الموارد البيئية لرفد خزينة الدولة بموارد مالية كافية، وتحويل قطاع البيئة إلى قطاع منتج بدلاً من كونه قطاعا مستهلكاً. ويتحقق ذلك من خلال اعتماد أساس قانوني سليم، يشجع على استثمار الموارد البيئية بشكل يحافظ عليها، وينمِّيها بنفس الوقت.

الأساس القانوني للتنمية البيئية

يتطلب تحقيق التنمية البيئية وضع أساس قانوني سليم، يشجع على استثمار الموارد البيئية على النحو التالي:
– إعتماد مبدأ التدرج في الجزاء، بحيث يكون الجزاء جسيما كلما كان الضرر جسيما، فإلقاء كمية محدودة من الملوثات إلى البيئة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتساوى في الجزاء مع إلقاء كمية كبيرة، أو إلقاء مجموعة من الملوثات الخطرة أو الشديدة السمّية.
– الإبتعاد عن مبدأ الجزاء الباهظ، حيث تعمد الكثير من القوانين العربية إلى فرض جزاء باهظ على كل من يخالف القوانين البيئية، مما يدفع المواطن إلى محاولة الإلتفاف على القانون بدلا من احترامه. بل إن الجزاء الباهظ يعمق الشعور بأن مفهوم حماية البيئة هو مفهوم معيق للاستثمار الإقتصادي. إن فرض غرامة بالملايين لن يؤدي إلى ردع المشاريع التجارية، بل سيولد لديها دافعاً للإلتفاف حول القانون بكل الوسائل المتاحة.
– اعتماد مبدأ المكافأة المتمثل بالنص على بعض الإعفاءات الضريبية للمشاريع الملتزمة بالمحددات البيئية، أو تقديم تسهيلات مصرفية وائتمانية للمشاريع الملتزمة بالشروط البيئية.
فهدف القانون مثلاً هو إزالة النفايات وليس فرض غرامة على من يلقي النفايات.

المشاريع البيئية

القانون البيئي المتوازن هو الذي يشجع على المشاريع البيئية، والتي عادة ما تبدأ على شكل مشاريع متوسطة الحجم، مثال على ذلك، تصنيع تقنية الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء، كاستخدام الطاقة النظيفة، كالطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. فإنتاج وتصنيع لوائح توليد الطاقة الشمسية يُعد من أبسط وأسهل المشاريع البيئية، كأن تقوم وزارة العلوم والتكنولوجيا بوضع نموذج لتصنيع التقنيات النظيفة بيئيا، أو إلزام وزارة الصناعة والمعادن بتصنيع هذه التقنيات وتوفيرها. إن مشروع الطاقة الشمسية يمكن أن يوّظف ملايين الأيدي العاملة، بل يمكن إيجاد ورشة تدريب لتهيئة الكوادر العاملة، كما يمكن استحداث مشاريع تدوير تعتمد على إعادة استخدام النفايات الصناعية، فمهما كانت الصناعات بدائية، فهي تلقي نفايات، ويمكن استحداث مشاريع متوسطة الحجم لإعادة تدوير هذه النفايات، وبهذا يتم استثمار الموراد البيئية لتحقيق دخل ومورد لخزينة الدولة.

الخاتمة

تتحقق التنمية البيئية من خلال اعتماد قانون بيئي يؤمن المحافظة على عناصر البيئة، فضلا عن تطويرها على اعتبار أن التنمية البيئية هي جزء لا يتجزأ من تنمية موارد البلد ككل، وعلى اعتبار أن التنمية البيئية يمكن أن تشكل موردا ثابتا من موارد الدولة، وبشكل يتحول معه القطاع البيئي الى قطاع منتج، فضلا عن اعتباره مساهم أصيل في رفد الدخل القومي.

* وزيرة بيئة سابقة – العراق

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This