بغض النظر عما ستحمله عملية الانتخابات البلدية والاختيارية، لن تستطيع هذه المناسبة ان تغير شيئا في المشهد السياسي-البيئي في لبنان. فجولة وحماسة لمدة محددة لوضع البرامج والترشح لن يأتي بالتغيير، تماما كما ان “طائر خطّاف واحد لا يأتي بالربيع”.
كما سبق ان ذكرنا في أكثر من مناسبة، خصوصا في نقدنا للحراك المدني الذي لم يتحرك الا عندما اشتمّ رائحة النفايات وخرج بشعار “طلعت ريحكتم”… كذلك يمكن تقييم حماس بعض المتحمسين من “المجتمع المدني” قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات البلدية لطرح برامج والمشاركة في الترشح لهذه العملية لاسيما في العاصمة بيروت. فالادعاء بالتغيير واقتراح برامج ووجوه وقوى بديلة… يتطلب أكثر من برنامج.
حتى البرامج نفسها، لا يمكن ان تطرح في لحظة انتخابية ما، مهما بلغت أهميتها ومهما بلغت درجة التعطش لها في ظل التمديد لمجلس النواب وعدم انتخاب رئيس للجمهورية. البرامج لا تأتي لمجرد اجتماع ناشطين ومتحمسين من اختصاصات وتجارب مختلفة والاتفاق على المشاركة في الانتخابات. هي تحتاج لوقت طويل ومراكمة أفكار ونضالات واحتكاكات مع الناس، تبدأ قبل فترة طويلة من مواعيد الانتخابات ولا تنتهي معها. هي بحاجة الى إطار فكري وسياسي وتنظيمي اشمل، شبيه بالأطر الحزبية التقليدية، ولكن بإنتاج فكري (جديد ومختلف مستوحى من تغير الوقائع) وإطار تنظيمي مرن، يمكن ان يفرز مرشحين معروفين من القاعدة الحزبية ومن مؤيدين ومواطنين مهتمين بالشأن العام، تم مناقشتهم في ندوات ونشرات ومواقع الكترونية ومواقع تواصل وتم اختبارهم وبناء جدران او ادراج من الثقة معهم، حجرة حجرة ولفترة ليست بقصيرة.
كما على الإطار الفكري ان يتضمن إعادة تفكير وتعريف الكثير من المفاهيم ومنها السلطة والديمقراطية والدولة ودورها وحقوق الانسان والتنمية … وغيرها الكثير التي تحتاج الى ان تعني معان جديدة، تأخذ بالاعتبار متغيرات أساسية ومنها انعكاسات كل خيار اقتصادي واجتماعي على البيئة والتي لم تعد امرا تفصيليا في حياتنا المعاصرة، وحقوق الأجيال الاتية التي يفترض ان تعيد النظر بمفهوم حقوق الانسان نفسه وتمديده الى ابعد الحدود…. على ان يكون بين برامج هذه الأحزاب الجديدة موضوع مشاريع قوانين جديدة ذات صلة كقوانين الانتخابات النيابية والبلدية والتي تحتاج الى تعديل باتجاه النسبية، مع توسيع وتعديل فكرة اللامركزية. مع التأكيد ان المعركة المركزية هي إعادة بناء الدولة المركزية القوية والعادلة وإعادة تحديد دورها في الاقتصاد وحفظ الحقوق وتأكيد مبدأ فصل السلطات… وعدم استسهال فكرة اعتبار اللامركزية او الانتخابات البلدية هي مدخل التغيير، لان القاعدة تقول، ان اللامركزية في ظل دولة مركزية ضعيفة تنتج الفوضى، وان وجود دولة مركزية مدنية قوية وعادلة ينتج لامركزية ناجحة ومفيدة. فهل نذهب الى الأصعب والأكثر استدامة، ام نستسهل دائما الأسرع في الظهور والاسرع في الضمور، كما في حملات الأخيرة حول النفايات التي انطلقت من معاناة وحاجات حقيقية، ولكنها في الحصيلة، ساهمت في زيادة الشعور بالإحباط بدل ان تزيد من جرعات الامل وامكانيات التغيير نحو الأفضل؟!
حبيب معلوف