أغرته منذ الصغر هواية الصيد الليلي المعروف بـ “النش”، فبات يقضي ساعات الليل الطوال في الأحراج والبراري ذات المسالك الصعبة، يلاحق الحيوانات البرية في مغامرات لا تخلو من الخطر، هدفه اصطياد الخنزير والغرير والنيص، أو التقاطها حية عبر افخاخ واقفاص صنعها على طريقته، هو المواطن حمودي خداج الذي نجح في الوصول الى العديد من مغاور هذه الحيوانات وسط الهضاب الصخرية، وتمكن من خداع الكثير منها فجعلها تدخل الى قفصه – السجن طوعا، لينقلها الى مزعته المستحدثة عند الطرف الغربي لبلدة حاصبيا، والتي تكاثرت فيها العديد من الحيوانات والطيور، وباتت تحوي اعدادا كبيرة من النياص والخنازير، اضافة الى طيور الحمام والدجاج والفري وما شابه.

“هذا العمل محفوف بالخطر”، يقول خداج، لكنه لا تزال يستهوي العشرات من الصيادين الذين يعملون على ملاحقة مثل هذه الحيوانات البرية، التي لا تتحرك سوى في العتمة، لتقع في شراك الصيادين الذين يستعينون بكلاب مدربة وقوية لملاحقتها أو الوصول الى أوكارها، ويتفنن هؤلاء للإيقاع بطرائدهم عبر اساليب متعددة، ومنها المصيدة الحديدية، الفخ أو الحفر العميقة التي تسجن الطريدة بداخلها حتى قدوم الصياد لاقتيادها، وفي مقدمتها النيص أو الغرير.

نيص في باحة مزرعة حمودي خداج في حاصبيا -باسل ابو حمدان

نيص في باحة مزرعة حمودي خداج في حاصبيا – باسل ابو حمدان

النيص يقول خداج “تغريه ثمرة الفاكهة التي توضع داخل مصيدة حديدية، تركز عند مدخل مغارته، قبل ان يكتشف بانها طعم، سيجعله ضحية خدعة ناجحة، اعدها له احد الصيادين، فيدخل النيص ليلتهم الفاكهة فيجد نفسه حبيسا بين قضبان حديديةـ ويصبح بالتالي طريدة سهلة لمن يتلذذ بطعم لحمه أو ليضعه في مزرعته”، ويضيف “بات لدي حوالي الـ 70 نيصا تتكاثر كل فترة بمعدل 10 نياص، انها تجارة مربحة، والإقبال عليها في تصاعد، ونبيع النيص ما بين 100 و 200 دولار، والزبائن باتوا من كافة المناطق اللبنانية”.
مصيدة الحيوانات البرية، حسب ابو عادل احد الصيادين “عبارة عن قفص حديدي بطول حوالي المتر وعرض النصف متر، أقفل بقضبان حديدية من جوانبه، وابقي احد طرفيه مفتوحا على شكل باب بجرار، يدخله الحيوان بهدف التهام الطعم الذي يكون عادة تفاحة أو اجاصة أو حبة بطاطا، وهذا الطعم يعلق على صنارة، مربوطة الى احد طرفي قضيب حديدي، ربط بطرفه الآخر الباب الفخ الذي سيقفل بسرعة عند اي حركة يحدثها الحيوان، ليصبح محجوزا بداخله، فتكون فرصة سانحة لأصحاب المصيدة ليسيطروا عليه بسهولة”.

مجموعة نياص داخل مزرعة خداج في حاصبيا- باسل ابو حمدان

مجموعة نياص داخل مزرعة خداج في حاصبيا- باسل ابو حمدان

وعن كيفية تحديد مغاور الطريدة ومنها الغرير أو النيص وفترة صيده، يقول جمال احد هواة “النش”، ان “فترة الصيد تبدأ عادة مع مطلع تشرين الأول (أكتوبر)، ولمدة 3 اشهر، يكون خلالها النيص بشكل خاص سمينا، بعد موسم صيف تناول خلاله الفاكهة والخضار، وتحديد مغاور النيص يتم خلال جولة نهارية في مناطق حرجية وصخرية صعبة المسالك، ويدل على هذه المغاور بعض الريش وبقايا النيص، وعند تحديد مدخل المغارة يتم نصب المصيدة، بعد اجراء عملية تمويه، ومع اصطياد النيص الأول يكبر التفاؤل باصطياد رفيقه من المغارة نفسها، لانه وحسب ما يعرفه الصيادون، فإن مغارة النيص تكون مسكونة بزوج (انثى وذكر)”.
شريف من هواة النش، يشير إلى أن “سلاح هذا الصيد التقليدي يقتصر على السكين والعصا والفنار والكلاب المدربة جدا، وان دخول المصيدة الى هذا الصيد ربما كان انجازا، ساهم الى حد كبير بتطور هذه الهواية، التي كان الكلب ولا يزال فيها هو العنصر الاساسي في كشف مخابئ الحيوانات الصغيرة وملاحقتها، ومن ثم محاصرتها حتى يتمكن الصياد من قتلها بعصاه القوية، حيث ان النيص لا تقتله سوى ضربة عصا على انفه وكذلك الغرير”.
يعتبر ابو عامر 75 عاما، من قدامى صيادي “النش” الذي وعلى الرغم من تقدمه في العمر، مستمر في ممارسة هوايته، وبحوزته روزنامة يعود تاريخها الى خمسة عشر عاما خلت، تحدد وبشكل يومي تاريخ ذهابه الى الصيد، ومن كان برفقته، وعدد الكلاب التي ساهمت في كل رحلة، وعدد الحيوانات التي تم اصطيادها، وبلغ مجموع ما اصطاد وحسب هذا الجدول في روزنامته 560 نيصا و240 غريرا و5 خنازير برية، ومن خلال خبرته الطويلة في هذا المجال يعتبر بأن لحم “النيص من افضل اللحوم المعروفة في العالم، خصوصا وانه لا يأكل الا الخضار والفاكهة النظيفة”.
صيادو النش في هذه المنطقة الحدودية، لا يردعهم في حركتهم الليلية سوى الخوف من القنابل العنقودية التي خلفها الاحتلال الاسرائيلي، في المناطق الحرجية التي تعتبر افخاخا لهم.
ولا ينص قانون الصيد البري في لبنان على السماح بصيد النيص،او غيرها من الحيوانات البرية. وتشمل طرائد الصيد للحيوانات التي اقرها المجلس الأعلى للصيد البري في 10 / 9/ 2012 حيوان الارنب البري ولقد نص القرار على ان الكمية المسموح بصيدها 5 طرائد في كل رحلة صيد، اضافة الى حيوان الخنزير البري ولقد نص القرار نفسه على ان الكمية المسموح بصيدها غير محددة.
لكن ممارسات الصيد العشوائي في لبنان تطال العديد من الحيوانات البرية ومن بينها النياص وهو نوع مميز من الثديات بات من الانواع التي تحتاج الى دراسة للتأكد من اعدادها وما اذا كانت تواجهة بداية التهديد بخطر الانقراض، خصوصاً ان الزحف السكاني باتجاه المناطق الحرجية والمرامل والكسارات والحرائق وغيرها من انواع التعديات العشوائية تساهم في فقدان موائل الثديات في لبنان وبالتالي انخفاض اعدادها. ويعاقب ينص قانون الصيد البري في لبنان، بالحبس حتى شهر وبغرامة توازي خمسماية الف ليرة او بإحدى هاتين العقوبتين، وبسحب رخصة الصيد من سنة الى ثلاث سنوات، كل من ضبط: وهو يمارس الصيد خارج الموسم او الأوقات التي يسمح الصيد فيها. ومحرزا طرائد مصطادة خارج مواسم واوقات الصيد. وهو يصطاد في اراضي الغير دون موافقة اصحابها او اصحاب الحقوق عليها، او في اماكن يوجد فيها مزروعات او اغراس شجرية لا تزال غلتها عليها او محاطة بسياج مقفل يحول دون اتصالها بالاراضي المجاورة، او رغم وجود اللوحة المنصوص عليها بمنع الصيد.
كما تنص المادة العاشرة من قانون الصيد البري على انه يمنع في كل فصول السنة انتزاع الاعشاش او أخذ او تلف او بيع او شراء او نقل او التقاط او إيذاء بيوض او فراخ او صغار الحيوانات والطيور البرية. كما يمنع تصدير بيوض او فراخ سائـر انواع الطيور والحيوانـات البريـة وصغار الحيوانات ذات الاوبار كما يحظر احتباس الحجال البرية.. لكن اثناء مناقشة القانون في المجلس النيابي عام ٢٠٠٤، وبضغط من تجار السلاح وعدد من المنتفعين استثنى بيع الطيور وبيض الطيور والحيوانات البرية المرباة في المزارع ، وتحت هذه الذريعة يعمد عدد من تجار اللحوم الى اصطياد الحيوانات البرية ومن ضمنها النياص ، في المزارع ويعاد بيعها باعتبارها حيوانات مزارع، وهو ما يعد التفاف ومخالفة للقانون الذي لم تعمد الضابطة العدلية الى تطبيقه بشكل جدي منذ اقراره، الامر الذي يفاقم من جرائم الصيد التي تهدد التنوعي البيولوجي في لبنان حيث يسجل سنوياً صيد ما يزيد عن ٢.٣ مليون طائر.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This