صنّفت “منظمة الصحة العالمية” الاكتئاب في العام 2009، على أنه رابع أكبر مسبب للانقطاع عن العمل في العالم، فيما رجّحت أن يحتلّ المركز الثاني في العام 2020. ويعتبر الطب الحديث أن أسباب الاكتئاب الأساسية تتوزع بين عوامل جينية وأخرى اجتماعية، فقد يرث المرء من أهله استعداداً جينياً مسبقاً للإصابة بهذه المرض، فتظهر عوارضه لديه عند تعرضه لأي حادث أو عائق في الحياة، بينما تفرض الظروف الاجتماعية أحياناً على بعض الأشخاص الوقوع ضحية الإحباط بسبب الضغوط الهائلة التي يتعرضون لها.

كما تعتبر الضغوط المتأتية عن العمل من أبرز العوامل الاجتماعية التي تدفع الناس للاكتئاب. وفي هذا السياق، تقول ميشيل سعادة، وهي ناشطة متخصصة في علم النفس الاجتماعي للعمل (Psychologie du Travail)، أنّ “الاكتئاب في العمل هو حالة نفسية وليس مرضاً، ويسببه أمران أساسيان، الإرهاق والشعور بعدم الرضا”. وتضيف أنّه “حين يشعر الموظّف بهذين العاملين يكون أمامه خياران: إمّا تغيير العمل أو الاكتئاب”.

في حالة الإرهاق، تشير سعادة الى أنّ “الضغط المتولّد من كثافة العمل، وعدم القدرة على التعامل مع متطلّبات العمل ومع الموظّفين أو الإدارة، وانتفاء الطرق للتنفيس عن حالة الاحتقان التي قد تصيب الموظّف، تجعله يتّجه في بعص الأحيان الى اليأس. في هذه الحالة، (يستهلك) المرء نفسه في العمل، وهو ما يسمّى بالـ Burnout”.

من ناحية أخرى، تضيف سعادة، أن “معظم الأشخاص يعيّرون أنفسهم بمنجزاتهم (Professional Identification)، وحين يشعر المرء أنّه لا ينجز، أو انّه لا يلقى اعترافاً بما حقّقه، فإنّ ثقته بنفسه تختفي ليأخذ اليأس مكانها، وهذا ما نقصده بعدم الرضا أو الـ Dissatisfaction”.

وحول سبل مكافحة ظاهرة الاكتئاب في أماكن العمل في بلد مثل لبنان، وما إذا كان ثمّة اجراءات تمّ اتّخاذها، تقول سعادة: “في البداية، يجب التأكيد على أنّ لا دور للدولة في هذا المجال بعد. أمّا في القطاع الخاص، فإنّ بعض الشركات الكبرى بدأت باستقطاب متخصصين في علم النفس الصناعي وعلم النفس الاجتماعي للعمل لايجاد حل لهذه المشاكل، لكنّ الطريق لا زالت طويلة. فلنأخذ مثلا موضوع المسؤولية المجتمعية (Corporate Social Responsibility)، معظم الشركات بدأت تتجه نحو انشاء قسم يهتمّ بهذه القضية، لكن المفارقة أن معظم هذه الشركات تستخدم المسؤولية المجتمعية بغية الترويج لنفسها لا للقيام بواجباتها تجاه المجتمع. وإن عدنا الى صلب هذا العنوان، نجد انّ دورَ هكذا أقسام يجب ان يكون داخليا، بحيث يركّز على موظّفي الشركة وحاجاتهم ويجعلهم جزءا من هذه المسؤولية أولا، بدل توجيه المسؤولية المجتمعية تجاه الخارج”.

ختاما، تؤكّد سعادة أنّ على القطاعين العام والخاص في لبنان أن يصلا الى قناعة جوهرية مفادها أنّ العامل هو رأسمال منتج، بمعنى أنّه دون العامل أو الموظّف ليس ثمّة إنتاج، ولذا يجب الاكتراث لحالة الموظّف النفسية، ويجب تحفيزه، فكلّما كان مرتاحا، كلّما زاد حجم انتاجه، وهذا ما أثبتته دراسات عديدة.

تضيف سعادة أنّ مجتمعاتنا تعيش أزمة ثقافية تتعلّق بالنظرة الى علم النفس ومعالجة الحالات الاجتماعية، ولذا “فالحلّ يكون بنشر الوعي والتغيير الجذري بثقافتنا التي تقول أنّ كلّ من استشار عالم نفس هو مجنون… يجب علينا أن نتقبّل التغيير وأن نبدأ من أنفسنا”.

في حين يحدد الأطباء مجموعة من المؤشرات التي تدل على تعرض المرء للإحباط والاكتئاب، بينها فقدان الشهية والشعور بالعزلة وفقدان الاهتمام بالمحيط والتعب، فإنّ دراسة “الجمعية الأميركية لطبّ النفس” تشير الى بعض أبرز الأعراض، وهي: الحزن الذي لا يتغير من يوم لآخر، البكاء دون سبب واضح، القلق، النزق أو التوتر، اضطراب النوم، التعب وقلة الهمّة، النسيان وقلة التركيز، أفكار عدم الأهمية وفقدان الأمل.

أمّا بالنسبة للحلول، فإنّ مجرد التكلم عن المشاعر غالبا ما يكون مساعدا في حد ذاته. العديد من الناس الذين يعانون من هذه الحالة يكون الاكتئاب لديهم خفيفا لدرجة أنّهم يشعرون بالتحسن حالما يتكلمون عن مشاكلهم لشخص آخر.

المعالجة الأفضل تعتمد على نمط الاكتئاب والاحتياجات الخاصة للشخص المصاب. هناك نوعان أساسيان من العلاج: أولا المعالجات النفسية بالكلام، مثل ايجاد حل للمشاكل، المعالجة المعرفية السلوكية او أشكال أخرى من العلاج النفسي. وثانيا، العلاج بأدوية مضادات الاكتئاب. كلا النوعين يعطى لفترة شهور. يمكن استعمال كل منهما على حدة أو كليهما معا. وكما هو الحال في معظم الحالات النفسية الشائعة، فإنّ غالبية الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب سوف يشفون بشكل كامل ويستطيعون العودة للعمل ثانية كالمعتاد.
للاطلاع على الموضوع أكثر:
http://www.asanet.org/journals/JHSB/Dec14JHSBFeature.pdf
https://www.thestar.com/life/health_wellness/2015/10/07/workplace-depression-often-unrecognized-study.html
http://mashable.com/2015/05/21/millennials-depression-work/#JyQ0mHPzg5qq

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This