نشرت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة 12 أيار (مايو) تقرير بعنوان “قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية للمناطق المحيطة حول تلوث الهواء – تحديث 2016” WHO’s Urban Ambient Air Pollution database ‐ Update 2016، وهو عبارة عن أربعة ملفات، تشتمل على المادة الأساسية للتقرير، بيانات لمجموعات الدول، ملخص للتقرير والطرق المستخدمة في حسابات التلوث.
تقديم صورة لنوعية الهواء
جمع التقرير في نسخته للعام 2016 قاعدة بيانات جودة الهواء في المناطق الحضرية من حوالي 3000 من المستوطنات البشرية، في 103 دول للسنوات بين العام 2008 و 2015، ويتراوح حجم هذه المستوطنات من بضع مئات من السكان إلى أكثر من 9 ملايين، ولكنها في معظمها مناطق الحضرية يشار إليها عموما إما بمصطلح “المستوطنات البشرية” أو “البلدات والمدن”.
وأوضح التقرير أن هذه البيانات لا تعكس الإحصاءات الرسمية للدول، وأن الأرقام قد جُمعت لتضمن المقارنة، وأنه يمكن للدول أن تضيف أرقام أحدث وأكثر دقة.
وتضمنت مصادر البيانات التقارير الرسمية الوطنية/دون الوطنية، ومن مواقع وطنية/دون وطنية على الإنترنت ومن الهيئات الوطنية ذات الصلة لقياسات الـ PM10 أو PM2.5، والـ PM10، وهي الجسيمات الصغيرة particulate matter بقطر 10 ميكرومتر أو أقل، أما PM2.5 فهي الجسيمات الصغيرة بقطر 2.5 ميكرومتر أو أقل، وتوصف PM2.5 عموما بـ “الجسيمات الدقيقة”، وللمقارنة، فإن قطر شعرة الإنسان تقدر بـ100 ميكروميتر، بمعنى أن 40 جسيما من فئة PM2.5، يساوي قِطر شعرة واحدة.
كما استخدمت في التقرير القياسات للشبكات الإقليمية التالية: الهواء النظيف لآسيا Clean Air Asia عن قارة آسيا، وقاعدة بيانات نوعية الهواء Air quality e-reporting database، والتقارير الإلكترونية من الوكالة الأوروبية للبيئة the European Environment Agency لأوروبا، أما في حالة غياب البيانات من المصادر السابقة، فإن بيانات من (أ) وكالات الأمم المتحدة، (ب) وكالات التنمية، (ج) المواد من الدوريات العلمية، و(د) القياسات الأرضية التي جمعت في إطار العبء العالمي لمشروع الأمراض the framework of the Global Burden of Disease project.
ويشكل تلوث الهواء بالعديد من الملوثات الأساس المنطقي للعديد من الأمراض، حيث تستطيع هذه الجزيئات الدقيقة اختراق الجهاز التنفسي بشكل عميق، وبالتالي تشكل خطرا على الصحة، لجهة زيادة معدل الوفيات الناجمة عن أمراض والتهابات الجهاز التنفسي، وسرطان الرئة وبعض أمراض القلب والأوعية الدموية.
ويعتبر قياس المعدل العام السنوي للجزيئات الدقيقة بقطر دون 10 و2،5 ميكروميتر، من الوسائل المتبعة لقياس تلوث الهواء بشكل يومي، وجمعها لتقييمها بشكل سنوي، وفي حال عدم وجود هذه القياسات، تستعمل قياسات على فترة من السنة بشكل استثنائي.
وقد ذكرت القياسات على النحو المنصوص عليه في المراجع الأصلية، أو كمتوسط قياسات محطات رصد المدن، بهدف تقديم صورة لنوعية الهواء والذي يُعد ممثلا كبيرا للتعرض البشري للأمراض، كما استخدم قياس للنسب في المناطق الحضرية كخلفية لقياسات المدن والمناطق السكنية والتجارية والمناطق المختلطة، وثمة أماكن تم وصفها بأنها من “النقاط الساخنة” hot spots أو المناطق الصناعية، ولم تدرج إلا إذا كانت ضمن تقارير إحصائيات مدن معينة ولم يمكن فصلها.
ويأتي هذا الإختيار تماشيا مع هدف احتساب قيم تمثيلية للتعرض البشري، وغالبا ما تقاس مواقع البقع الساخنة لغرض الحصول على القيم القصوى للمدن والمناطق الصناعية، واعتبرت هذه المناطق الأقل تمثيلا للتعرض لجزء كبير من سكان المدينة، وتم تعيين هذه “النقاط الساخنة” من قبل التقارير الأصلية، أو تم تعديل التقارير بسبب الطبيعة الاستثنائية الخاصة بالدول (على سبيل المثال الطرق المزدحمة بشكل استثنائي… الخ)، بينما يؤدي حذفها إلى التقليل من مستويات تلوث الهواء في المدن، واستخدمت البيانات من مختلف المصادر المتاحة للمدينة، إلا أنه أدرجت أحدث البيانات والمصادر الموثوق بها منذ العام 2008 في قاعدة البيانات فقط، لكن الغالبية العظمى من البيانات هي أكثر حداثة، ومن العام 2013.
وللتأكد من اكتمال البيانات، فالمدن المحتوية على قياسات PM10 فقط من مستويات PM2.5 احتسبت من قيمة PM10، بقياس تركيز عوامل تحويل وطنية لنسب القيم، إما عن طريق تقديرات محددة من قبل الدولة المعينة، أو المعدل بالنسبة لعدد السكان للمدينة المعينة.
معدلات تلوث عالية
وجد التقرير أن أكثر من 80 بالمئة من الناس الذين يعيشون في المناطق الحضرية التي ترصد تلوث الهواء، يتعرضون لمستويات منخفضة في جودة الهواء تتجاوز الحدود المقررة من منظمة الصحة العالمية، وفي حين أن كافة مناطق العالم تتأثر بمعدلات تلوث عالية، فإن السكان في المدن ذات الدخل المنخفض هم الأكثر تأثرا.
ووفقا لأحدث قاعدة بيانات جودة الهواء في المناطق الحضرية، فإن 98 بالمئة من المدن في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، مع أكثر من 100 ألف نسمة، لا تلبي المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية لنوعية الهواء، ومع ذلك، فإن هذه النسبة تنخفض إلى 56 بالمئة في الدول مرتفعة الدخل.
وفي العامين الماضيين، فإن قاعدة البيانات التي تغطي حاليا 3 آلاف مدينة في 103 دولة، قد تضاعفت تقريبا، مع قيام مزيد من المدن بقياس مستويات تلوث الهواء والاعتراف بالآثار الصحية المرتبطة بها.
ومع تراجع نوعية الهواء في المناطق الحضرية، فإن خطر الإصابة بالسكتات الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة، والأمراض الحادة والمزمنة وأمراض الجهاز التنفسي، بما في ذلك الربو، تزداد بالنسبة للذين يعيشون في تلك المناطق.
وقالت المديرة العامة المساعدة لمنظمة الصحة العالمية لصحة العائلة والمرأة والطفل WHO Assistant-Director General, Family, Women and Children’s Health الدكتورة فلافيا بويسترو Flavia Bustreo ان “تلوث الهواء هو السبب الرئيسي للأمراض والوفاة، ومن الأخبار السارة أن المزيد من المدن تكثف الجهود لمراقبة جودة الهواء، لذلك عندما تتخذ الإجراءات اللازمة لتحسينه تصبح البيانات القديمة كمؤشر لتقدمهم”، وأضافت أنه “عندما يغلف الهواء القذر مدننا، فإن شرائح السكان، لا سيما الأكثر ضعفا في المناطق الحضرية وهم الأصغر والأكبر سنا، والأفقر، هم الأكثر تأثرا”.
الاتجاهات السائدة لتلوث الهواء العالمي
تمكنت منظمة الصحة العالمية من مقارنة مستويات الجسيمات الصغيرة والدقيقة PM10 و PM2.5 في 765 مدينة من 67 دولة، خلال فترة خمس سنوات، ما بين العام 2008 و 2013، وتشمل الجزيئات من نوعيتي PM10 و PM2.5 على مركبات السلفات sulfate والنيترات nitrates والكربون الأسود black carbon، والتي تتغلغل عميقا في الرئتين لتصل إلى القلب والأوعية الدموية، متسببة بأعراض خطيرة على صحة الإنسان، وتم تحليل البيانات لمعرفة الإتجاهات المناطقية.
وفي ما يلي الإتجاهات الأساسية من العام 2008 إلى 2013:
-رغم التحسن في العديد من المناطق، فثمة زيادة في مستويات التلوث العالمي بنسبة 8 بالمئة.
-وجد بالعموم أن مستوى تلوث الهواء كان الأقل في الدول المتقدمة، ولا سيما في أميركا، أوروبا ومنطقة جنوب المحيط الهادئ.
-وجد أن أكبر مستويات لتلوث الهواء كانت في الدول ذات مستوى دخل منخفض ومتوسط في منطقة شرق المتوسط، وجنوب شرق آسيا، تتجاوز المعدلات التي حددتها منظمة الصحة العالمية بخمس إلى عشرة أضعاف، تتبعها الدول ذات الدخل المنخفض من منطقة غرب المحيط الهادئ.
-في الدول ذات مستوى الدخل المنخفض والمتوسط في منطقة شرق المتوسط، وجنوب شرق آسيا، والدول ذات الدخل المنخفض من منطقة غرب المحيط الهادئ، ارتفع مستوى تلوث الهواء بنسبة 5 بالمئة في أكثر من ثلثي المدن.
-يبقى قياس التلوث في أفريقيا بشكل متفرق وضئيل للغاية، إلا أن البيانات أثبتت انه أعلى من المتوسط، واشتملت البيانات الحالية المجموعة من أفريقيا على ضعف العدد عن الإحصائيات التي تمت سابقا.
تخفيف التأثير على صحة البشر
يعتبر مستوى التلوث بالجزيئات الصغيرة والدقيقة للهواء المحيط أو الخارجي Ambient air pollution كمعدل سنوي annual mean للجزيئات الدقيقة أو PM2.5 بما يساوي أكثر من 10 ميكروغرام لكل متر مكعب μg/m3، أو كمعدل يومي (كل 24 ساعة 24-hour mean) فهو 25 ميكروغرام لكل متر مكعب، أو من الجزيئات الصغيرة PM10 ما يعادل أو فوق 20 ميكروغرام سنويا أو 50 ميكروغرام يوميا، ويُعد من أكبر المخاطر البيئية على الصحة العامة، ويتسبب بأكثر من 3 ملايين حالة وفاة مبكرة في كافة أنحاء العالم سنويا.
وقالت مديرة منظمة الصحة العالمية، WHO Director إدارة الصحة العامة، والمحددات البيئية والاجتماعية على الصحة Department of Public Health, Environmental and Social Determinants of Health الدكتورة ماريا نيرا Maria Neira: “يزداد تلوث الهواء في المناطق الحضرية بمعدل ينذر بالخطر، ما يحدث آثارا خطرة على صحة الإنسان”، وأضافت: “وفي الوقت نفسه، يرتفع مستوى الوعي وتتجه مزيد من المدن لمراقبة نوعية الهواء، وعندما تتحسن نوعية الهواء، فإن أمراض الجهاز التنفسي والأمراض المتصلة بالقلب والأوعية الدموية تنخفض عالميا”.
وتعتبر معظم مصادر تلوث الهواء في المناطق الحضرية خارجة عن إرادة الأفراد وتتطلب إجراءات من المدن، فضلا عن صانعي السياسات الوطنية والدولية لتعزيز النقل النظيف، وسبل أكثر كفاءة في إنتاج الطاقة وإدارة النفايات.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من نصف المدن التي تم رصدها في الدول ذات الدخل المرتفع، وأكثر من ثلث من الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، قد خفضت مستويات تلوث الهواء بأكثر من 5 بالمئة في غضون خمس سنوات.
ولفت التقرير إلى مجموعة من الاستراتيجيات المتاحة وبأسعار معقولة لتخفيض تلوث الهواء، ومنها: الحد من انبعاثات المداخن الصناعية، زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ترتيب أولويات النقل السريع، استحداث شبكات ممرات للمشي وركوب الدراجات في المدن.
وأشار منسق الإجراءات لبيئات صحية(IHE) Interventions for Healthy Environments إدارة حماية البيئة البشرية (PHE) Department of Protection of the Human Environment في منظمة الصحة العالمية الدكتور كارلوس دورا Carlos Dora إلى أنه “من المهم للمدينة والحكومات الوطنية العمل على جعل نوعية الهواء في المناطق الحضرية والصحة والتنمية من الأولويات”، وقال “عندما تتحسن نوعية الهواء، فإن تكاليف الرعاية الصحية من الأمراض المتعلقة بتلوث الهواء pollution-related ينخفض، وتزداد إنتاجية العمال ومتوسط العمر المتوقع، كما يجلب التقليل من تلوث الهواء ميزات إضافية للمناخ، ويمكن أن يصبح جزءا من التزامات البلدان في معاهدة المناخ”.
وتوفر منظمة الصحة العالمية بالعموم إرشادات حول جودة الهواء مع التوجهات العالمية للحدود القصوى لملوثات الهواء الرئيسية التي تشكل مخاطر صحية، وأشارت الإرشادات إلى أن الحد من التلوث بالجسيمات الصغيرة (PM10) بخفض النسبة من 70 إلى 20 ميكروغرام لكل متر مكعب، يمكنه خفض الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء بما يقرب من 15 بالمئة.
وتبني منظمة الصحة العالمية قاعدة بيانات جودة الهواء في المناطق الحضرية على نظم مراقبة نوعية الهواء كمصدر، يمكن الاعتماد عليه للبيانات في أجزاء مختلفة من العالم، وينبغي تشجيع ودعم الجهود الوطنية لتأسيس نظم وعمليات رصد ممثلة لنوعية الهواء.
قاعدة البيانات مع موجز للنتائج والمنهجية المستخدمة لجمع المعلومات، فضلا عن قاعدة البيانات للمجموعات القطرية للمنظمة، يمكن الإطلاع عليها عبر هذا الرابط التالية:
http://www.who.int/phe/health_topics/outdoorair/databases/cities/en