بدأت تتكشف تبعات المخاطر التي تتهدد الشعاب المرجانية في العالم، جراء ابيضاضها وموتها نتيجة تغير المناخ و“تحمض المحيطات” Ocean acidification، وعوامل عدة، وتتوالى الدراسات في هذا المجال، وآخرها، دراسة أعدها فريق من العلماء من أستراليا والسويد، نشرتها مؤخرا مجلة Proceedings of the Royal Society B طاولت “الحاجز المرجاني العظيم” the great Barrier Reef في أستراليا، الذي يواجه بحسب الدراسة، واحدا من أسوأ ابيضاض للمرجان في التاريخ، مع تضرر بلغ نحو 93 بالمئة من هذا الحاجز المصنف على قائمة مواقع التراث العالمي لـ “اليونسكو“.
ووجد الباحثون أن “ابيضاض الشعاب المرجانية” Coral bleaching وموتها، يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة وخطيرة جدا على تعلم أسماك الشعاب الصغيرة كيفية تجنب الحيوانات المفترسة، وهذا ما يؤثر سلبا ليس على الأسماك فحسب، وإنما على الشعاب المرجانية نفسها، لأنها ربما تمنع المستعمرات الحية من التجدد، خصوصا وأن الشعاب المرجانية تمثل نظما إيكولوجية غنية للغاية، حيث توفر ملاذا لمئات الآلاف من الكائنات البحرسة.
وتجدر الاشارة إلى أن هناك العديد من الضغوط على الشعاب المرجانية على مستوى العالم، وأصبحت الأماكن التي كانت تعرف على أنها “حدائق مرجانية” coral gardens جميلة تمتلئ بالهياكل المرجانية الميتة التي تغطيها الطحالب، والناتجة عن ابيضاض الشعاب المرجانية، في ظاهرة باتت تؤرق العلماء.
التأثير على آلية تعلم الأسماك
ويحدث ذلك عندما تسبب درجات حرارة المحيطات الدافئة إجهادا حراريا، ما يجعل الشعاب المرجانية تطرد الطحالب الصغيرة المعروفة باسم “زوزانتيلا” zooxanthellae التي تعيش داخل أنسجتها وتمد الشعاب بغذائها ولونها، ومن دون الطحالب ينكشف الهيكل الأبيض “العظمي” للمرجان، ويؤثر تغير الموائل على الكيفية التي تتفاعل بها الحيوانات، ووجدت الدراسة التي نشرت في مجلة Proceedings of the Royal Society B أن موت الشعاب المرجانية وتدهورها يؤثر على استجابة “أسماك الدامسل” damselfish للمواد الكيميائية المنبهة، والتي تشير إلى وجود حيوانات مفترسة جائعة.
وأوضح البروفسور مارك ماكورميك Mark McCormick الذي يدرس أسماك الشعاب المرجانية في “جامعة جيمس كوك” James Cook University قائلا: “تستخدم الأسماك الصغيرة المواد الكيميائية كإشارة إنذار يطلقها جلد الذين تعرضوا للهجوم للمساعدة في تحديد الحيوانات المفترسة الجديدة، ومن خلال شم رائحة أو رؤية أصدقائهم المصابين تستطيع الأسماك تحديد أي الحيوانات التي تشكل خطر لتجنبها في المستقبل“، وهنا خطورة المشكلة، لأنه عند موت الشعاب المرجانية وتغطيتها بالطحالب، تتغير مظاهر حاسة الشم للشعاب ما يؤثر على آلية تعلم الأسماك.
فقدان تنوع أسماك الشعاب المرجانية
ووجد فريق البحث الأسترالي – السويدي أن رائحة الزميل المصاب مع رائحة الحيوان المفترس تعلم “أسماك دامسل” damselfish تجنب الحيوانات المفترسة الجديدة أثناء وجودها في الشعاب المرجانية الحية، في حين أن نظائرهم الموجودين في المرجان الميت لا يستجيبون ولا يمكنهم تحديد الحيوان المفترس، ومن المثير للاهتمام وجود أنواع أخرى تعيش على المرجان الميت، ويمكنها تحديد الحيوان المفترس باستخدام إشارات المواد الكيميائية بغض النظر عما إذا كان المرجان حي أو ميت.
وتقول الباحثة في علم الأحياء البحرية في “جامعة أوبسالا” Uppsala University، أونا لونستيد Oona Lönnstedt: “تتم إعاقة عملية تجنب الحيوانات المفترسة في بعض الأنواع بسبب تدهور الشعاب المرجانية، ما يهدد بفقدان تنوع أسماك الشعاب المرجانية، وتحتاج العديد من أسماك الشعاب المرجانية موائل صحية توفرها فقط الشعاب المرجانية“، وتضيف: “إذا غطى المرجان الميت على إشارات المواد الكيميائية المستخدمة في تحديد الحيوانات المفترسة سيواجه تجدد الشعاب تهديدا خطيرا“.
وخلص الباحثون إلى أن “الحاجز المرجاني العظيم يعاني من أسوأ حالة ابيضاض للمرجان في تاريخه، مع تراجع الغطاء المرجاني عن غالبية الشعاب“.