نأخذ الرمال ونستغلها في مجالات عدة، وأهمها قطاع البناء، طالما أنه موجود على الشواطئ وفي الصحاري، وليس ثمة من يراقب ويعاقب، ولا سيما على شواطئنا وفي جبالنا الغنية بالرمال في لبنان، والتي تناوب عليها المتاجرون بها عبر تهريبها سرا، وهذا ما هو قائم الآن في أكثر من منطقة، فتحولت بعض جبالنا ومواقعنا الطبيعية أقرب إلى “الميتة” وسط تشويه صادم، كشاهد على ما يقترفه الطمع والجشع البشريين بحق الطبيعة، أمام أنظار المسؤولين والسياسيين.
سرقة رمال الشواطئ في جامايكا
إلا أن الأمر ليس مقتصرا على لبنان فحسب، لا بل هو شائع في كافة أنحاء العالم، فأثناء بحثه أسباب تآكل الشاطئ في منطقة نيغريل Negril في جامايكا Jamaica قبل حوالي ست سنوات، فإن ردود الأهالي على أسئلة العالم باسكال بيدوزي Pascal Peduzzi في إحدى القرى عن أسباب تآكل الشاطئ الرملي قد تركته في ذهول. وعلى الرغم من تكنولوجيا النمذجة المكانية الفائقة الدقة high-tech geospatial modeling وأدوات الاستشعار عن بعد remote sensing tools التي كان يستخدمها لتفقد الاضرار، لم يكن أحد ليصدق أسباب التآكل على الساحل الغربي للبلاد، وقال السكان المحليون أن المافيات المحلية وهم رجال مسلحون يأتون إلى الشاطئ بعد منتصف الليل، يأخذون أكياس من الرمال ويبيعونها لبناء مبانٍ جديدة بهدف تطوير شاطئ البحر.
وقال بيدوزي، وهو مدير العلوم في قسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة والإنذار المبكر والتقييم: “لقد صدمت بأن الناس يقاتلون من أجل الرمال“، وأضاف: “لقد عملت لأكثر من 20 عاما في قطاع البيئة، ولكن جاءت سرقة الرمال بمثابة مفاجأة لي“.
استعمالات عدة
صمدت الرمال أمام اختبار الزمن، كمادة بناء، واستخدم قدماء المصريين وبلاد ما بين النهرين ما قبل العام 3500 قبل الميلاد الرمال التي تتألف في الغالب من حبيبات السيليكا الغنية، بعد طحن الرياح والماء للصخور، في تصنيع الزجاج، أما اليوم، فالبناءون في كافة أنحاء العالم يستخدمون هذا النوع من الموارد الطبيعية الموجود في المحاجر والأنهار والبحيرات والمحيطات، لتصنيع العديد من المواد الخاصة بالبناء بما في ذلك الطلاء والاسمنت، وقال بيدوزي “مع طفرة البناء العالمية وتكنولوجيا التكسير الهيدروليكي للنفط والغاز في الولايات المتحدة، فقد بلغ الطلب على الرمال عنان السماء“.
ووفقا لهيئة المسح الجيولوجي الاميركية، فإنه في العام 2014 تم استخراج 196 مليون طن من الرمال والحصى في كافة أنحاء العالم، وقال بيدوزي: “بعد الماء، فإن الرمل والحصى من الموارد الطبيعية التي تستخدم بشكل أكبر في كل شيء، من المصافي الخاصة بحمامات السباحة، وضمن خلطة سبائك المعادن وفي آبار النفط، فضلا عن شاشات الهواتف الذكية ومعاجين الأسنان“.
ما هي الرمال؟
الرمال من المواد الحبيبية والجزيئات المعدنية، وتتكون بشكل طبيعي من الصخور، وتُعَّرف حسب الحجم، بأنها أدق من الحصى gravel وأكثر خشونة من الطمي silt، ويمكن للرمل أن يشير أيضا إلى الفئة التكوينية للتربة أو نوع التربة، فالتربة الرملية هي أي تربة تحتوي على أكثر من 85 بالمئة من حجمها وكتلتها من جزيئات الرمل.
ويختلف تكوين الرمال اعتمادا على مصادر الصخور والظروف المحلية، ولكن المكون الأكثر شيوعا للرمال في المناطق القارية الداخلية والساحلية غير الاستوائية هو السيليكا (ثاني أوكسيد السيليكون، أو SiO2)، وعادة ما يكون على شكل مادة الكوارتز، أما النوع المكون الثاني الاكثر شيوعا للرمل فهو كربونات الكالسيوم (CaCO3)، على سبيل المثال الأراغونايت aragonite، وتم تكوين معظم الأراغونايت على مدى النصف مليار سنة الماضية، من خلال أشكال مختلفة من الحياة، مثل المرجان والمحار، وهو الشكل الأساسي من الرمل الموجود في المناطق التي سيطرت الشعاب عليها في النظام البيئي لملايين السنين مثل منطقة البحر الكاريبي، إلا أن هناك أنواع رمال عدة، تتكون من الصخور الموجودة في مناطق معينة في العالم مثل رمال الجيبسوم gypsum sand البيضاء في المكسيك، ورمال الأركوز Arkose التي تتكون من حت الغرانيت، ورمال الماغنيتيت magnetite السوداء الناتجة عن حت الصخور البازلتية البركانية، وهناك أيضا رمال خضراء تحتوي على مركبي الكلور والغلاوكونايت Chlorite-glauconite، كما تختلف الرمال في هندسة ذراتها الناتجة عن تأثير الزمن وما يستغرقه حت الذرات نتيجة تعرضها للتغيرات الجوية.
القيمة المادية للرمال
قدرت قيمة سوق الرمال والحصى (البحص) بشكل عام في الولايات المتحدة بـ 8،3 مليار دولار أميركي في العام الماضي، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الاميركية، و2،5 مليار دولار في المملكة المتحدة في العام 2013، وفقا لرابطة المنتجات المعدنية في المملكة المتحدة، ومن المتوقع أن يرتفع 5،5 بالمئة سنويا وحتى العام 2018.
أما في لبنان حاليا، فإن سعر متر الرمل 20 دولار أميركي ومتر البحص 18 دولار ومن الممكن أن يرتفع سعر الرمل ليصل إلى 30 دولار بسبب زيادة الطلب وقلة المرامل الموجودة، ولأن معظمها ممنوعة من العمل، كما أن المكان أبعد لاستخراج الرمل مقارنة بالبحص، ما يترتب أسعار نقل أكثر، ومعظم استخراج الرمل يتم بطرق غير قانونية، وأيضا خلال الليل طبقا لأحد المستثمرين في مجال البناء في لبنان رفض الكشف عن اسمه.
وصف سوني راندهاوا Sonny Randhawa، نائب الرئيس المسؤول عن الأبحاث في قطاع الطاقة في شركة D.A. Davidson، وهي شركة استثمار مقرها ولاية أوريغون، أن “سوق الرمال كانت مملة للغاية لسنوات“، وأضاف “إلا أنه في السنوات القليلة الماضية فإنه يمكن وصف سوق الرمال بأنها تشبه وليمة أو مجاعة، خصوصا في الولايات المتحدة“.
تفاوت الطلب العالمي
ينتشر الطلب على الرمال بشكل غير متساو في أنحاء العالم، وفي هذا السياق فقد استخدمت الصين رمالا في السنوات الأربع الماضية أكثر مما استخدمته الولايات المتحدة في القرن الماضي، ولا سيما مع ازدهار البناء في الصين والهند، ما زاد الطلب على الرمال في تلك الأسواق، وعلى الصعيد العالمي، تمثل الصين خمس الواردات الرملية في العالم، وفقا لفرع الإحصاءات التجارية التابعة للأمم المتحدة UN Trade Statistics.
وقال بيدوزي: “نظرا للتطور المحموم في بناء السدود والطرق والمباني والمصانع الجديدة، استخدمت الصين كمية أكبر من الرمال في السنوات الأربع الماضية وأكثر مما استخدمته الولايات المتحدة في القرن الماضي“، وأضاف: “تراكم الصين كميات هائلة من الرمال على الشعاب لإنشاء جزر جديدة وتوسيع موطئ قدم لها في بحر الصين الجنوبي“.
في هذه الأثناء، فإنه في المملكة المتحدة، ومع انخفاض الحاجة إلى الرمال في الأبنية الجديدة، ونجاح استعمال المواد المعادة التدوير، انخفض الطلب على الصخور والحصى والرمل بنسبة تصل إلى 25 بالمئة أقل من مستويات العام 2007، وفقا لجمعية المنتجات المعدنية في المملكة المتحدة UK Mineral Products Association.
وفي الولايات المتحدة، أدى ارتفاع التكسير الهيدروليكي أو fracking إلى شهية كبيرة في استهلاك الرمل، وفي العام 2013، كان انتاج الرمل لاستخدامها في آبار التكسير أعلى 19 مرة مما كان قبل عقد من الزمان، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الاميركية United States Geological Survey، حيث تنطوي العملية على حقن الماء والرمل والمواد الكيميائية بشكل أفقي أسفل بئر محفور على بعد آلاف الأقدام تحت سطح الأرض في تشكيلة الصخور المطلوبة لاستخراج النفط أو الغاز الطبيعي.
في حين أن سوق الرمل قد تبع النمو الاقتصادي الإجمالي في الولايات المتحدة، فإن الطلب على الرمال للتكسير frac sand تابع تقلبه كما هو الحال مع ارتفاع أسعار النفط، وقال راندهاوا “من العام 2011 إلى عام 2014 تضاعف الطلب على frac sand من 24 مليون طن إلى 59 مليون طن، ولكن انخفض بعد ذلك في العام الماضي إلى 50 مليون طن“.
الإمارات العربية المتحدة
وقال باسكال بيدوزي: “حتى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استوردت بقيمة 456 مليون دولار من الرمل والحجر والحصى في العام 2014، وفقا للأمم المتحدة“، وأضاف: “على الرغم من كون الإمارات العربية المتحدة في قلب الصحراء، فباستيراد الرمل بنيت دبي، لأن رمال الصحراء التي تشكلها الرياح غير صالحة للبناء“.
بالنتيجة، وأمام هذا الطلب المتزايد، ومع الاستنزاف البيئي للرمال في أصقاع الأرض، فقد يكون من المجدي أن تساهم التكنولوجيا، في ابتكار مواد بناء صديقة للبيئة، تمكننا من حماية هذه الثروة المميزة، وتوقف قضم معالم الأرض وتحويلها إلى تضاريس مشوهة.
ومن المشاهد غير المألوفة للرمال ما تناقلته وكالات الأنباء خلال الأسبوع الماضي وهو فيديو لنافورة في المملكة العربية السعودية: