تلقت جمعية Green Area الدولية نداءً من الناشط السوداني طيب طاهر، يسأل فيه عن الطريقة لاعادة طائر لقلق وصل الى السودان، ويحمل في رجله حلقه تحمل عبارة بولندا ورقمها 137، ولقد بادرت الجمعية الى إخطار السفارة البولندية في بيروت، و”المجلس العالمي لحماية الطيور” Birdlife International وجمعية Grupa Ekologiczna البولندية حول هذه الحادثة، على امل ان تتم الاستجابة لنداء هذا الناشط السوداني، الذي وعلى عكس الكثير من الاشخاص، أبدى حرصا على هذا الطائر، فيما كثيرون يعمدون الى قتل وتعذيب الطيور المهاجرة وحجزها والتباهي بالتقاط صور لاعمال الابادة الجماعية التي تنفذ بحقها، على امتداد رحلة عودتها من موطنها الشتوي في افريقيا الى موطنها الصيفي في اوروبا، وعلى وجه الخصوص الى بولندا.
كما يستمر الاعتقاد الخاطئ بأن الطيور البرية، التي يعثر في ارجلها على حلقات واجهزة تعقب، تستخدم للتجسس، حيث يصبح قتل هذه الطيور “انجاز وطني” (تركيا 2011، السعودية 2012، غزة 2013، لبنان 2013)، في حين ان المطلوب تسليط الضوء على مخالفة هذه الاعمال لعدد من الاتفاقيات الدولية الملزمة بمنع صيد الطيور العابرة والمهاجرة.
ويستضيف وادي البحر الأحمر هجرة أكثر من 2 مليون طائر عبر المنطقة، مع أسراب ضخمة من الطيور الحوامة التي تهاجر بعشرات الآلاف في فصل الشتاء الى أفريقيا للوصول إلى مواقع تعشيش خصبة في أوروبا وآسيا الوسطى، وبالعكس على طول ثاني أكبر مسار لهجرة الطيور في العالم.
وعادة ما يتم وضع الحلقات في ارجل الطيور من قبل المراكز البحثية المتخصصة بالحياة البرية، بهدف مراقبة الطيور المهددة بالانقراض ومعرفة أنماط عيشها ومناطق تكاثرها.
ويعتبر اللقلق “أيقونة” الطيور في عدد من دول أوروبا الشرقية، لما يسديه من خدمات للمزارعين في القضاء على الحشرات التي تهدد محاصيلهم الزراعية، فضلا عن أنه خلال هجرته، يسدي خدمة للمزارعين أيضا كونه يقتات في طريق هجرته على زواحف وحشرات تلحق أضرارا بالمواسم الزراعية.
https://www.youtube.com/watch?v=ecz-n8UQL4o
وتشكل دول مصر والاردن وفلسطين ولبنان جزءا من مسار حفرة الانهدام – البحر الأحمر، ثاني أهم مسار لهجرة الطيور المحلقة المهاجرة على مستوى العالم، إذ يعبر سنوياً ما لا يقل من 1.5 مليون طائر محلق مرتين سنوياً خلال فصلي الهجرة في الربيع والخريف، وتشمل هذه الطيور 37 نوعاً من الجوارح واللقالق وابو منجل، خمسة منها مهددة بالانقراض على مستوى العالم. وتتعرض العديد من مجتمعات الطيور المهددة بالانقراض خلال فترة الهجرة الموسمية على هذا المسار إلى العديد من المخاطر التي يتسبب بها البشر، ويعد الصيد من أهم هذه المخاطر.
ويقتل عشرات الملايين من الطيور سنوياً بشكل غير شرعي في كافة أنحاء دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وفقا لتقرير علمي اصدره قبل اسبوعين “المجلس العالمي لحماية الطيور” Birdlife International.
ويكشف التقرير حقائق مقلقة حول العدد الهائل من الطيور التي يتم قتلها من خلال الصيد العشوائي وغير الشرعي وغير المنظم، ويقول التقرير ان هناك عشرة دول سجلت النسب الاعلى من قتل الطيور، بينها لبنان حيث يقتل سنوياً ما يزيد عن 2.6 مليون طائر.
ويشير التقرير إلى أن حوالي 248 طائرا في الكيلومتر المربع يقتل سنوياً في لبنان، وهناك 327 نوعا من انواع الطيور المقيمة والمهاجرة في لبنان، 59 بالمئة من انواع هذه الطيور يتعرض لكافة انواع الصيد الجائر.
ويقول التقرير ان عادات الصيد العشوائي منتشرة بكثرة في لبنان، أبرزها الصيد في الليل والصيد بالدبق والشبك والأشراك، وفي المدن والقرى ومحلات التنزه والحدائق العامة والمحميات الطبيعية والاماكن المصنفة تراثياً، والصيد في الاراضي الخاصة، وعرض الطرائد المصطادة خارج السيارات وعلى الطرقات العامة، وترصّد الحجال والاحتيال عليها بجذبها من خلال استعمال آلات التسجيل التي تصدر أصواتاً شبيهة بأصوات الطيور والحيوانات. والمطاردة بواسطة السيارة والانوار الكاشفة، والصيد في المناطق الجبلية عندما تكسوها الثلوج بكاملها. ومن ابرز الطرائد التي يتم اصطيادها بأعداد كبيرة في في لبنان المطوق والفري وأبو قلنسوة.
والبارز في التقرير تسجيل نسب مرتفعة من ممارسات الصيد العشوائي في الدول الغارقة في النزاعات الاهلية والحروب مثل سوريا وليبيا، لكن واقع الحال ليس بأفضل في العديد من الدول الاوروبية ايضاً.
ويشير التقرير الى ان اعمال القتل العشوائي للطيور في مصر سجلت ارقاماً هي الاعلى في المنطقة، حيث يقتل سنوياً ما يزيد عن 5.7 مليون طائر، ما يجعل هذا البلد المكان الاخطر على طيور دول حوض البحر المتوسط المقيمة والمهاجرة.
ويقول التقرير ان “منطقة المنزلة” في دلتا النيل هي واحدة من ثلاث أخطر مناطق على الطيور، حيث تسجل فيها اعمال الصيد العشوائي لملايين الطيور سنوياً.
وتأتي ايطاليا في المرتبة الثانية بعد مصر من حيث اعداد الطيور المقتولة، حيث سجل التقرير قتل ما يزيد عن 5.6 مليون طائر في السنة، كما سجل التقرير بأن منطقة Famagusta في جزيرة قبرص، هي من المناطق الاسوأ من حيث نسبة القتل العشوائي للطيور.
ومن بين الدول الاوروبية التي اشار اليها التقرير، اليونان، حيث يقتل سنوياً 700 الف طائر، وفرنسا 500 الف طائر سنوياً، وكرواتيا 500 الف طائر، والبانيا 300 الف طائر. وفي حين لم تنضم البانيا الى قائمة الدول العشر الاسوأ، الا انها من بين الدول الاعلى بنسبة قتل الطيور في الكيلومتر المربع الواحد حيث يقتل سنوياً حوالي 108 آلاف طائر.
وكان موقعنا greenarea.info قد ساهم في رعاية مبادرة لتتبع طائر اللقلق “بول” في رحلته الموسمية، عبر مسار هجرته من بولندا الى افريقيا، وهو الطائر الذي يحمل اسم الناشط البيئي بول أبي راشد، الذي زار بولندا العام الماضي بهدف التعاون مع الجمعيات التي تعمل على حماية طيور اللقلق الذي يعد الطائر الوطني في تلك البلاد. وبحسب المعلومات المتوفرة فإن هذا الطائر، وفي رحلة عودته من افريقيا الى اوروبا، قبل اسبوع، توقف جهاز التعقب الذي يحمله عن العمل فوق الجولان السوري المحتل، الامر الذي يؤشر الى انه قد تعرض للصيد او للاسر.
ويستمر موقع greenarea.info في رفع الصوت عاليا منذ انطلاقته، للتنبيه من المجازر التي تطاول هذه الطيور المهاجرة فوق أحد أهمّ الممرات التي تسلكها طيور اللقلق، ومن بينها لبنان، ولا سيما من خلال دعمه مسابقة التصوير التي أقيمت برعاية السفارة البولندية في بيروت في العام 2015، والتي انتقل الفائز فيها السيد ميشال صوان الى بولندا بهدف تطويق ألف طائر لقلق لدراسة مسارات هجرتها من أوروبا الى أفريقيا مروراً بلبنان.
ويخوض سكان قرية زيفكوفو في بولندا تجربة جميلة ومميزة مع طيور اللقلق، حيث تحمي هذه القرية طيورها التي يتخطى عددها في الصيف عدد سكانها الذين يؤمنون بأنها تجلب الحظ والسياح، وأيضا الاطفال بحسب الأساطير البولندية القديمة. وهذه القرى الواقعة شمال بولندا على مرمى حجر من الحدود مع كالينينغراد، تعول على طيورها لاستقطاب السياح ومكافحة النزوح من الأرياف. ويبذل القرويون ما في وسعهم لاستضافة هذه الطيور البيضاء الكبيرة التي يعتبرها الاوروبيون الشرقيون وسكان الشمال جالبة للحظ. وقد وجدت طيور اللقلق في هذه المنطقة جنة على الارض، فأكثر من 15 ألف زوج من طيور اللقلق البيضاء يصل كل سنة إلى هذا البلد الغني بالبحيرات والمستنقعات. وتضم بولندا 50 ألف طائر من هذا النوع، أي 20 بالمئة من مجموع طيور اللقلق في العالم، بحسب السلطات المحلية.
يذكر أن بولندا طلبت رسميا من لبنان العمل للسماح لطيور اللقلق بعبور سماء لبنان والعودة الى أراضيها للتكاثر بأمان، لافتة الى أن هناك صورة سيئة مأخوذة عن بعض اللبنانيين الذين يصطادون طيور اللقلق المهاجرة ويعرضونها على صفحات الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي للتفاخر بمهاراتهم! ووعد وزير البيئة بعد لقائه سفير بولندا في لبنان بمتابعة القضية، مؤكدا أن “صدور قانون النيابة العامة البيئية الذي خصص محامين عامين بيئيين لشؤون البيئة سيضبط المخالفات وسيتم التعاون مع البلديات لمنع هذه الظاهرة، وشجعه على وضع اللقلق في بعض المناطق في لبنان، مثل بنشعي من اجل التوعية على اهميته”.
وقد تأسست جمعية Green Area الدولية مطلع العام الحالي 2016، وهي مؤسسة دولية غير حكومية مقرها جنيف – سويسرا، وتهدف الى الاهتمام بمختلف القضايا المتعلقة بالبيئة في منطقة حوض المتوسط. لا سيما قضية التنوع البيولوجي والانواع المهددة بالانقراض، وهي تتابع قضية طائر اللقلق في السودان، على أمل ان يلتحق بالسرب الذي كان يهاجر معه من خلال نقله الى بلوندا واعادة دمجه مع الطيور الموجودة هناك.
كما تعمل جمعية Green Area الدولية على تمكين الصحفيين البيئيين من دول حوض المتوسط في مختلف أرجاء العالم، ومنح المدونين والصحفيين الأخبار والمعلومات التي يحتاجون إليها، والقدرة على التواصل، والوسائل اللازمة لتمكينهم من ايصال صوتهم. من خلال ورش عمل التدريب، وتطوير المواد المرجعية، والمنصات الأكثر شمولية للإنتاج والتوزيع، وتوزيع المنح الصغيرة، كما تعمل Green Area الدولية على تأسيس وتقوية الشبكات الخاصة بالصحفيين البيئيين، ونشر انتاجهم في وسائل الاعلام المطبوعة والراديو والتلفزيون ومختلف المنصات الاعلامية عبر الإنترنت، مع التركيز بشكل خاص على أمور مثل التغير المناخي والتنوع الحيوي والمياه والصحة البيئية والمحيطات والموارد الساحلية.