باتت العولمة تحتل حيزا كبيرا من التجارة العالمية، ما أدى إلى هيمنة الشركات الكبرى العابرة للقارات على الأسواق عبر الإتفاقات العالمية مثل الغات” General Agreement on Tariffs and Trade (GATT)، ما حقق نموا كبيرا لهذه الشركات بطابعها الرأسمالي، ما أثر بشكل سلبي على الأعمال الإنتاجية والزراعية والصناعية والتجارية الصغيرة في الدول النامية، وانعكس ازديادا للفقر والعوز واتساع الفوارق بين طبقات المجتمع المختلفة، وحال دون تحقيق التنمية المستدامة والعيش الكريم في الدول الفقيرة والنامية.

ومن هنا، يأتي مفهوم ودور التجارة العادلة، واليوم العالمي للتجارة العادلة 2016″ WORLD FAIR TRADE DAY 2016 الذي يحتفل به العالم في يوم السبت الثاني من شهر أيار (مايو) والذي صادف يوم 14 أيار (مايو) من هذا العام، وكمبادرة من منظمات عديدة منها منظمة التجارة العادلة العالمية” WORLD FAIR TRADE ORGANIZATION INTERNATIONAL (WFTO) كرد فعل على السيطرة العالمية على التجارة، باعتبارها عامل تغيير هام، لجهة تأمين حلول ملموسة في القضاء على الفقر، ووسيلة جيدة لتحقيق التنمية المستدامة، والأهم من ذلك كله، فإن التجارة العادلة تعزز العدالة الاجتماعية.

مهرجان التجارة العادلة في العالم

واحتُفل بهذه المناسبة في كافة أنحاء العالم، وسط التأكيد على دور التجارة العادلة وما تمثل من مساهمة ملموسة لمكافحة الفقر والاستغلال، خصوصا نتيجة تغير المناخ والأزمة الاقتصادية التي كان لها الأثر الأكبر على السكان الأكثر ضعفا في العالم، وأكدت الأزمة العالمية الحاجة إلى اقتصاد عادل ومستدام محليا وعالميا، وأن على التجارة أن تساهم في تقديم سبل المعيشة المستدامة من خلال تطوير فرص لصغار المنتجين والمحرومين، وقد ساهم الملايين من المنتجين والتجار ورجال الأعمال وصانعو السياسات، بدعم المنظمات والمتطوعين ما دعم النمو الكبير في التجارة العادلة على الصعيد العالمي.

ومن الوسائل المتبعة تسويق منتجات المزارعين والمنتجين في الدول النامية في أسواق الدول الكبرى، وذلك بخفض عدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك، على أن يدفع المستهلك ما بين 5 الى 10 بالمئة إضافية على قيمة المنتج، وذلك بهدف دعم وتمكين وتعزيز سبل حياة المنتجين، وذلك بتسليط الضوء على ما يعاني منه هؤلاء من التهميش، وعدم قدرتهم على الحصول على الدعم المالي والإعلامي، من أجل تحسين أحوالهم العامة ودعم استقلاليتهم.

واحتفلت منظمة التجارة العادلة العالميةهذا العام بتكوين سلسلة بشرية وإظهار الأشخاص الذين يحدثون فرقا، وهو الشعار الشامل الذي اتبعته المنظمة منذ العام 2015 وحتى العام 2017، وهو كن عاملا من أجل التغيير” Be an Agent for Change.

liban en france fair trade lebanon

تغيير إيجابي

كلمة Be في الجملة بمعناها اللفظي تعني كنباللغة العربية، وهنا تتجاوز هذا المعنى اللفظي، ذلك أن استخدامها ليس لجذب الإنتباه فحسب، وإنما كدعوة للمشاركة الفعلية، أما كلمة an Agent فتعني لفظيا عامل، وهذا العامل قد يكون شخصا أو شيئا، يتخذ دورا نشطا وفعالا، ويقوم بدور فاعل وفعال، إن كان فردا يكون مستهلكا، منتجا، أو من جماعات الضغط، منظما لحدث معين، شركة، متاجر بالتجزئة، مجتَمَعا أو بلدة، وبالمقابل إن كان شيئا، فقد يكون قطعة ملابس، شال، أو علبة من القهوة على سبيل المثال، وهذا ينبغي أن يعالج في التواصل، لأن هذه العوامل المختلفةيمكن أن تلعب دورا حاسما في رفع مستوى الوعي بالقضايا وتوفير حل من خلال المنتج بحد ذاته.

وفي هذا السياق، فإن مصطلح عامل من أجل” Agent for يختلف بشكل كبير عن عامل لـ” Agent of، وذلك بأن هذه العوامل يمكن أن تدعم التغيير، من خلال تأثير أعمالهم على تشجيع التغيير. أما التغيير change المقصود، فهو التغيير الإيجابي في معيشة المنتجين، في مواقف المستهلكين، في السياسات التجارية، وفي نُـهُج الأعمال وتجار التجزئة.

مجموعة التجارة العادلة العالمية

تأسست مجموعة التجارة العادلة العالمية، في العام 1988، وتمثل مقاربة بديلة للتجارة التقليدية القائمة، وتعد أكبر نظام للتجارة العادلة في العالم معترف بها، وتخدم أكثر من 1،65 مليون من صغار المزارعين والمنتجين في العالم، يشاركون في امتلاك نظام التجارة العادلة، ويتكون نظام التجارة العادلة الدولي من المنظمات والأعضاء المنضوية، ويتمثل بماركات تجارية تؤكد على مبادئ التجارة العادلة بين المنتجين والتجار، فضلا عن تشكيل استراتيجية عالمية للعمليات التجارية عبر ثلاث قارات، ورغم ذلك فإن التجارة العادلة لا تزال بعيدة عن تحقيق هدفها الطموح، ويتمثل في عالم، تكون فيه التجارة أداة حقيقية في توازن الفرص ووسيلة لدمج الجميع.

أما استراتيجية هذه المجموعة فهي تغيير التجارةتغيير للحياة، المزمع اتباعها من العام 2016 وحتى العام 2020، مع تحديد رؤية حول كيفية قيام تجارة أكثر عدلا، يمكنها تقديم مساهمات ذات مغزى للمشاكل العالمية.

وقال رئيس مجلس التجارة العادلة الدولية ماريكي دي بينا Marike de Pena، إذا كنا راغبين في سد الثغرات الموجودة في المجتمع، يجب علينا دفع التجارة الى خدمة المزيد من الناس،وأضاف ثمة تفاؤل كبير في أعقاب إطلاق الأهداف الإنمائية المستدامة The Sustainable Development Goals (SDGs)، ومؤتمر الأطراف الناجح في باريس COP 21، ونحن نهدف إلى جعل التجارة العادلة أداة هامة في تحقيق هذه الالتزامات العالمية“.

وتقوم الاستراتيجية الجديدة للمجموعةعلى خمسة أهداف هي:

1-استحداث فوائد لصغار المزارعين والعمال.

2-تعميق الأثر المرغوب من خلال الخدمات والبرامج.

3-بناء أسواق التجارة العادلة.

4-التأثير على سياسات الحكومات.

5-بناء نظام عالمي قوي لدعم اتجاهات التجارة العادلة.

وشعار تغيير التجارةتغيير للحياةهو نتاج العمل التعاوني الواسع النطاق، والجهد لدمج الأفكار والآراء من الأفراد من كافة أنحاء نظام التجارة العادلة في العالم، بحيث يساهم المزارعون والعمال والتجار والعلامات التجارية، والمنظمات غير الحكومية والمستهلكين بالتوصل إلى رؤية حول كيفية توجيه التجارة العادلة، والتغير نحو الأفضل والتوصل إلى التأثير الأحسن.

في لبنان

تأسست جمعية التجارة العادلةFAIR TRADE LEBANON في لبنان عام 2006، ونشأت بإرادة وطموح بعض اللبنانينن بتغيير حياة الفلاحين في المناطق الزراعية النائية، وهي عضو في منظمة التجارة العادلة العالمية، ومن أهدافها، تأمين فرص عمل في الريف اللبناني ما يؤدي الى وقف الهجرة الريفية، ويساعد الناس على التمسك بأرضهم من خلال مساعدتهم في تأمين العيش الكريم وذلك بشراء إنتاجهم.

وأظهرت الجمعية حجم الإمكانات الكبيرة في المناطق الريفية والنائية في لبنان لجهة الموارد الطبيعية والطاقات البشرية، وأهم المشاكل التي يعاني منها سكان هذه المناطق هو افتقارهم الى الوسائل المادية واللوجستية التي تمنعهم من تسويق إنتاجاتهم المتعددة، فضلا عن استخدام الوسائل الحديثة من إعلام وشبكة الإنترنت التواصل الإجتماعي للتعريف عن أنفسهم، وتقوم الجمعية بنشاطات متنوعة لمساعدتهم في تطوير إنتاجهم، ليكون مطابقاً لمعايير معينة تفرضها الدول المستوردة ليصار إلى تصدير الإنتاج إليها.

وتوقع الجمعية مع المنتجين اتفاقيات، يلتزم فيها المنتِج بتأمين المنتَج وفق المعايير المطلوبة، وبالمقابل تلتزم الجمعية بشراء المنتجات وفق الأسعار العادلة، وبهذا تستطيع تصريف الانتاج، وتساعد على رفع مستوى المنتجين من مزارعين وصناعيين، فضلا عن إضفاء سمعة طيبة للمنتجات اللبنانية، والتعريف على المهارات اللبنانية المختلفة.

بدأت جمعية التجارة العادلةفي لبنان عملها مع عدد من التعاونيات الموجودة أصلا، ولكنها غير فاعلة، ليصل عدد التعاونيات المتعاملة مع الجمعية الى 17 تعاونية، تخدم كل منها من 70 وحتى 400 مزارع وحرفي.

وقد شهد عمل الجمعية تطورا في المبيعات عبر تطبيق مفهوم التجارة العادلة، حيث كان حجم المبيعات في البداية لا يتجاوز 40 ألف دولار، بينما وصلت عائدات المبيعات في العام 2014 إلى مليوني دولار، مع أهداف مضاعفة الأرقام في العام 2016، وليس ذلك فحسب، بل ان هدف الجمعية هو التنوع والنوعية في النشاطات، منها نشاط أقيم مؤخرا في سوبرماركت كارفور Carrefour بعنوان الأسبوع اللبناني Lebanese Week من 29 نيسان (أبريل) حتى 9 أيار (مايو)، فضلا عن التحضير لنشاط في دير سانت جورجفي بلدة القليعات في الخامس من حزيران (يونيو) ويشتمل على نشاطات عدة لجميع أعضاء الأسرة.

النساء المستفيدات الأكبر

وتتعاون الجمعية مع التعاونيات والجمعيات بهدف الوصول إلى عمل جماعي بناء ومستمر، ويساعد بزيادة الإنتاج وتنوعه وتطوره، لجهة النوعية كما يساهم في بناء الثقة والإلتزام الأخلاقي بين الأفرادوتعتبر النساء المستفيدات الأكبر من المشاريع المختلفة، كونها تساهم بتمكين المرأة وتعزيز قدراتها الإنتاجية، وتوفير دخل خاص يساهم باستقلالها المادي والمعنوي، فمعظم التعاونيات المشاركة مع الجمعية هي تعاونيات نسائية، وتسهل الجمعية بتوفير دخل مناسب للمرأة ما يثبتها في أرضها ويعزز ثقتها بنفسها، ويساهم بدفع تكاليف المعيشة المرتفعة باستمرار واستثمار المدخول الإضافي برفع مستوى معيشتها ومعيشة أسرتها من تعليم وغيره.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This