هي شامة على خدِّ المتوسط، أو نجمة ترصَّعُ فضاءه وتُبقي للبحرِ فسحةَ أن يحتفلَ بِقدْرٍ كبير من الفرحِ بنورها المضطرم بعدُ في حنايا الذاكرة وفي مسام الروح، عصية على النسيان كأسطورة، وباسقة كحلم، إنها “منارة” مدينة صور حارسة الصيادين وتميمة حب وأمان يهتدي إليها الجمال، بعد كانت “رفيقة” الباحثين عن رزقهم في المدى الأزرق البعيد.
ولكي لا تصبح نسيا منسيا مع نورها الذي خفت منذ أكثر من أربعين سنة مضت، بقيت منارة صور صامدة، تقاوم عوامل الزمن والاهمال، تروي سيرة البحر وحكايا البحارة الذين عبروا في ذاكرة ضوء إشاراتها البرتقالية المتلاحقة.
وانطلاقا من أهميتها التاريخية والثقافية كأقدم رمز حضاري، جاء مشروع “مدفار منارات المتوسط” ليلطم بأمواج جهوده الممولة من الاتحاد الاوروبي صخور الإهمال، ويعيد للمتوسط إرثا صُوْرِياً كان لا بد من إعادة إحيائه، خصوصا وأن هذا المشروع يهدف الى إعادة الحياة لمنارات البحر الأبيض المتوسط، واستعادة تسع منارات تاريخية وفوانيس بحرية في ايطاليا تونس ولبنان وفرنسا، وبدأت هذه الاهداف تتحقق من خلال مجموعة من المشاريع، منها ترميم المواقع الرائدة، وتفعيل المناطق الساحلية الاقل حركة سياحيا، وتشجيعها للمحافظة على تراثها كثروة لا تقدر بثمن.
هوية لمنارة صور
وللإطلال على هذا المشروع التقى greenarea.info المسؤولة عن تنفيذ المشروع الذي سُمّي “مدفار” سارة السوقي، فأشارت بدايةً إلى أنه “ممول من الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج التعاون عبر الحدود والذي يشمل أربع منارات في كل من ايطاليا، تونس وفرنسا، بالإضافة الى منارة صور”.
وانطلق العمل في المشروع منذ نحو سنتين عندما دخلت بلدية صور في أكثر من مشروع حول العالم بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، وكان من بينها الإضاءة على كيفية ترميم منارة صور والمنارات الموجودة في دول حول البحر الأبيض المتوسط، وأوضحت السوقي أن “تسميته (مدفار) تعني الخطة لترميم المنارات في دول بحر الأبيض المتوسط”، وأن المشروع “تصل ميزانيته الى مليار وسبعمئة وسبعين ألف وأربعمئة وستين يورو، ولبلدية صور ما يعادل 300 ألف يورو منها”.
وقالت: “إن هذا المشروع ينقسم الى مراحل عدة تبدأ بوضع هوية لمنارة صور، خصوصاً وأن مجموعة المنارات الموجودة في لبنان ليس لها هوية، وفي الغالب لا أحد يعرفها، من هنا كان لا بد من تجديد هوية منارة صور التي تم تشييدها عام 1910 على يد المهندس الفرنسي موريس باشا، لكن مع التطور ومرور الزمن لم يُحافظ عليها”.
وإذ أشارت إلى أن “الفكرة كانت فريدة من نوعها خصوصاً وأن مدينة صور لها تاريخ وحضارة قديمين”، أكدت السوقي أن “كل دولة عملت على مناراتها وحافظت عليها على مدار السنين أمّا منارة صور فقد أهملت”، بالرغم من أن منارة صور هي الوحيدة التي يوجد فيها بيت “فهناك عائلة تسكنها وقد ورثتها عن أجدادها”.
قيمة تاريخية
وأضافت: “تتبع منارة صور لوزارة النقل والأشغال العامة وعملنا يتم بموافقتهم، وقد تمت كتابة فكرة الموضوع الذي أخذ ست سنوات بسبب وجود صعوبات عديدة مثل البحث الدقيق والطويل، ورغم ذلك وصلنا لمرحلة معرفة جزء بسيط عن المنارة من اجل كتابة تاريخها، وكذلك الانتظار سنة لأخذ الموافقة من الجهة الأمنية باعتبار أن الوقت لم يكن ملائماً على صعيد واقع الدولة وقتذاك”.
تجدر الإشارة إلى أن منارة صور مبنية على برج صليبي، ولها قيمة تاريخية مضاعفة، وأشارت السوقي إلى أن “المهلة الزمنية للمشروع تنتهي في حزيران (يونيو) 2016، والبداية مع المرحلة الأولى تمثلت في ترميم المنارة لتصبح مركزاً يمكن الدخول إليه من قبل السياح”.
بحسب علي شمعوني البحار العتيق، فإن “ضوء المنارة هو جزء من ذاكرة المدينة، وكان لنا بمثابة مرشد ينبئ باقترابنا من البر، وكانت تحذرنا من التلاطم بالصخور الموجودة في محيطها”، شمعوني اكد لـ greenarea.info “أن للمنارة تاريخا يستحق المحافظة عليه من خلال صيانتها وترميمها”، آملا ان “تعود اشاراتها لتضيئ محيطه وترشد السفن القادمة”.
ابو الياس يوسف فاخوري الثمانيني قصدناه إلى منزله كصياد عتيق ليخبرنا عن المنارة كما عايشها، عبر عن سعادته بمشروع ترميمها، وقال: “كانت ترشدنا في رحلاتنا إلى قبرص وفلسطين”، كان هو يرشدن بسفراتن ع قبرص وفلسطين أكد لـ greenarea.info أن “مشروع الترميم بعث السرور في قلبي”، وقال: “إن المنارة كانت إلى اهميتها في إرشاد السفن والمراكب تمثل قيمة معنوية، فالمنطقة باتت تعرف باسمها ووجودها اصبح جزءا من معالم صور”، واكد أن “هذا المشروع من شأنه تحفيز السياحة وبالتالي انماء المنطقة”.
حكاية للأطفال
وزودتنا السوقي وبشكل حصري بكتيب من اعدادها وتنفيذها، هو عبارة ملخص حكاية للأطفال عن المنارة، وسيوزع على المدارس الرسمية بهدف مساعدة التلامذة على استكشاف تراثهم البحري، وتتحدث الحكاية عن جمال وهو من سكان مدينة صور ووالده كابتن، وفي الـ 2006 تتعرض مدينة صور للدمار فيسافر جمال، لكنه يتوه في الغربة ويحاول العودة الى صور، يلتقي بطريقه مع سلحفاة بحرية التي أيضاً تحكي قصتها وكيف هجرت موطنها بسبب الصيادين الذين يقتلونها للتغذي على دمها “المفيد برأيهم”، وهنا يزور الاثنان منارات فرنسا وايطاليا وتونس الى أن يصلوا لبنان، وتتحقق أمنية جمال ويتم ترميم منارة صور التي هي خلاصة “مشروع مدفار”.
والهدف من هذه الحكاية المصورة بيئي بالدرجة الأولى، يهدف إلى توعية الأطفال، وإبراز أهمية المنارات في نفس الوقت.