لم نستطع حيال استغاثة مربي الأبقار من كافة المناطق اللبنانية وما يتهدد مصالحهم ولقمة عيشهم، إلا متابعة قضيتهم العالقة وسط وعود عرقوبية لم تثمر حلولا ناجعة حتى الآن، وفي متابعة لموقعنا greenarea.info، والذي تناول تنمية هذا القطاع من منظور جندري لجهة تمكين المرأة، لنجد أننا نغوص في معاناة كبيرة يواجهها هذا القطاع الحيوي والهام في لبنان، كانت أكبر مما يمكن تصوره.
وطلبنا مقابلة من وزير الزراعة، إلا أن تواجده خارج البلاد حال دون ذلك، وطلب مستشاره الزميل نبيل أبو غانم إرسال الأسئلة المطلوبة، ليتم الإجابة عليها، وأتانا الرد من رئيس مديرية الثروة الحيوانية إلياس إبراهيم، مع العلم أن لجنة شاملة ممثلة للمزارعين كانت قد اجتمعت معه كما أسلفنا في ما نشرناه سابقا، كما أن وزير الصناعة حسين الحاج حسن، وعد بمعالجة هذه المشكلة ولم يحصل أي تطبيق لما أقره الإجتماع، ولا لوعود وزير الصناعة حتى تاريخه، وتوالت الإتصالات بموقعنا من مربي الأبقار بهدف إيصال أصواتهم ومعاناتهم، وترجمة الوعود والبيانات على الأرض.
المعاناة شمالا
وتواصلنا في الشمال مع وجيه الخواجة، وهو مالك لمزرعة أبقار تضم 140 رأسا، فقال أن “السوق يواجه مشكلات وأهمها التهريب، وخصوصا الأجبان البلدية، التي تغرق السوق، وتأتي مع شاحنات الخضار”، وناشد “قيادة الجيش اللبناني إيقاف هذه المواد، ومنع تهريبها، فلا يمكن لقيادة الجيش التساهل بأمر يخص معيشة الناس، كما لم تتساهل بتهريب مواد أكثر خطرا (السلاح والمتفجرات)”.
وقال فادي شحادة (صاحب معمل أعلاف ومستورد أدوية بيطرية) أن “القرارات الصادرة عن الوزارة مهمة للغاية، إنما التطبيق على الأرض لم ينفذ بالطرق الصحيحة، فلا المعامل تلتزم، ولا يمنع استيراد وتهريب الأجبان من الخارج المنافسة للأجبان المحلية، والخطوة الأساسية تتمثل في إلزام الجميع بعلم وخبر، يتم التأكد منه في الجهات المختصة تجنبا لإغراق الأسواق بهذه الأجبان”، وأضاف أن “قطاع الحليب ومشتقاته يستوعب 40 بالمئة من الإنتاج المحلي، ويبقى 60 بالمئة يجب استيرادها، والواقع أن نسبة الإستيراد تتجاوز حاليا الـ 150 بالمئة، فالأولوية للوزارة يجب أن تكون للمزارع اللبناني، وما نجده نتيجة الواقع الحالي، هو أن (الموس برقبتنا)، وسندافع عن لقمة عيشنا، فإن لم يدافع الوزير عنا، فمن يستطيع؟”، وأشار إلى أن 70 بالمئة من المزارعين في الشمال، يستفيدون من قروض كفالات ويعجزون عن سداد الدفعات تحت وطأة الأسعار المنخفضة”، ولفت إلى أن “حليب UHT (المبستر والمعلب) يغرق الأسواق، ونحن سلسلة واحدة نستمر باستمرار الجميع، فما يضر المزارع يضرنا، وكذلك ما يضر الحلاب والمعمل، وبالتالي فعلينا تقييد استيراد هذا المنتج أيضا”.
… وبقاعا
قال المهندس الزراعي خير الجراح المختص بالإنتاج الحيواني من الجامعة الأميركية في بيروت، ومالك مزرعة أبقار في البقاع أن “وضع المزارع لا يحسد عليه، وخصوصا المزارع الصغير، وعملية الإستيراد تتم بعلم وخبر، دون اعتمادها الآلية المتبعة وتتمثل بتوجيه كتاب إلى المدراء الإقليميين للتأكد من اتجاه البضاعة ومكان استعمالها، وتنتهي أحيانا لدى التجار والمعامل الصغيرة الذين يُغرقون السوق بالمنتوج القليل الكلفة ويضربون الإنتاج ذات النوعية”.
واشار الجراح إلى أن “استيراد الحليب في روسيا وباكستان أصبح يخضع لمعايير صارمة لجهة الجمارك وخلافه، ويا ليت أن تحذو وزارتنا حذوهم”، وأجاب عند سؤالنا عن أنباء للتحرك بأن ” الموضوع ليس محسوما، وإن كان العديد من المزارعين يطالبون به، ويميلون إليه، ولكن لدينا موعد مع وزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي أكد على أخذه هذا الملف على عاتقه منذ أكثر من أسبوعين، وننتظر هذا الموعد لنشهد على ما حصل فيه من تطورات”، وأضاف “اختلفت الظروف كليا عما كان عليه الوضع أيام الوزير الحاج حسن، فقد انخفض سعر كيس حليب البودرة من 120 دولار لكل كيس (25 كيلوغرام) إلى 65 دولار، فضلا عن أن هذا يؤثر على منتجاتنا من ناحية النوعية فالكثير من منتجات حليب البودرة تباع على أنها حليب طازج ما يعرض منتجاتنا لسمعة سيئة لجهة الجودة والنوعية”.
ومن جهة أخرى، ناشد الجراح هيئة الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، “النظر إلى أحوال المزارع اللبناني، والعمل على شراء المنتجات المحلية لصالح من اضطرتهم الحرب للنزوح من أهلنا في سوريا، وبهذا يساهمون في تمكين وتعزيز أوضاع هذه الشريحة المهددة من المواطنين، واستعمال المواد المنتجة محليا، وبهذا يحافظون على البيئة بذات الوقت، بتخفيض النقل وأجوره وأسعار المشتقات النفطية المستهلكة أيضا”، وأضاف “المزارع اللبناني جزء من دورة إقتصادية كاملة، فإن لم يستطع المزارع أن يشتري لضعف إمكاناته المادية، فسيتأثر كامل السوق التجاري بكافة أنواعه، ويزيد من الضائقة الإقتصادية التي تعاني منها كافة شرائح المجتمع”.
رد وزارة الزراعة
واتصلنا بمدير الثروة الحيوانية في المديرية العامة للزراعة الدكتور الياس ابراهيم الذي أكد لـ greenarea.info أن “أبواب الوزارة والمديريات الإقليمية التابعة لها، مفتوحة لجميع المواطنين لتلقي الشكاوى والملاحظات”، كما أشار إلى أن “الوزارة تابعت الموضوع منذ البداية، وتعمل بضغط كبير وبالتنسيق مع وزارات عدة وعلى عدة خطوط ومنها تتبع الأجبان وتهريبها”.
وناشد “المزارعين ابلاغنا عن اي شكوك بوجود هذا النوع من المنتجات”، وأكد أن “الوزارة وكما وعدت في بيانها المشترك مع الوزارات الأخرى، تتابع الأمر ولو أنه ليس بالسرعة المطلوبة للنقص في العدد والعتاد، ويمكن للمزارع المتابعة مع وزارة الإقتصاد أيضا عبر الخط الساخن الخاص بهم، أما بخصوص حليب البودرة فالموضوع معقد، وتوجد الكثير من الأصناف من عبوات، وأما الأنواع المستعملة في المصانع فأؤكد أن الكمية خلال الخمس وحتى قبل الست سنوات مضت ما ازدادت، وإن كنا ندرس وضع رسوم ليصبح سعره قريب من اسعار الطازج، ونعمل بشكل حثيث على تتبع Tracking للطلبيات إلا أن العملية يمكن متابعتها في المعامل الصغيرة، ومن الصعوبة فعل ذلك في حالة المعامل الكبيرة”، وقال “تنقصنا المختبرات للتأكد من استعمال المعامل للحليب الطازج أو البودرة، فضلا عن الإضافات من الزيوت النباتية”.
وأضاف إبراهيم “نحن نبحث عن حلول دائمة ومستدامة، وبالنسبة للأجبان فلم نزيد من عملية الإستيراد، ولكن السوق يشهد جمودا، كما أن التهريب واسعاره المتدنية تصيب الأسواق بالجمود، وبالنسبة للحليب البودرة فهناك استعمال كبير له في مجال الشوكولا والبوظة والقشطة، وكما نتابع اللبنة الصب التي يتم صناعتها في الخفاء والمنتجات المسماة بلدية وتصنع من حليب البودرة من معامل (تحت الدرج)، خصوصا في منطقة البقاع الغربي، لذا نرجو من الجميع المساهمة معنا في ضبط هذه المعامل المخالفة، وكما أن هذه المنتجات تحوي موادا كيميائية نخشى ضررها على الصحة”.
ولفت إبراهيم إلى خطوات وزارة الزراعة في دعم هذا القطاع وقال: “هناك 7 مصالح إدارة إقليمية، ونعمل على مساعدة المزارعين المسجلين باللقاحات لتحصين الأبقار، والمطهرات، والمبيدات وسوائل تعقيم الحلابات، كما نقوم بدورات تدريبية وارشادية متتابعة حول كيفية تربية الأبقار والحلب وغيره للحصول على أفضل جودة ونظافة ونوعية، ونهيب بكل مزارع تسجيل اسمه ليحصل على هذه المساعدات”.
وختم بأن “الوزارة تشعر مع المزارعين، وبالتعاون معها لرصد التهريب وغيره من المخالفات، مع التأكيد على بقاء اسم المزارع مجهولا في حال الإبلاغ”.
لقاء وزير الصناعة
تصوير: ادريس مليتي/ مونتاج: أحمد فرحات
وتوجهت مجموعة من مربي الأبقار من مناطق البقاع والشمال مع فريق greenarea.info الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم للقاء وزير الصناعة حسين الحاج حسن، للتشاور معه بخصوص ما يعانونه من تدني أسعار الحليب ومشتقاته بسبب إغراق الأسواق بالحليب البودرة المستورد والـ UHT، والجبنة المستوردة والمهربة، ولمعرفة ما تمت متابعته لجهة تطبيق القرارات الصادرة عن الإجتماع بين الوزارات المعنية في الرابع من أيار (مايو).
ودعا المجتمعون الوزير لدعمهم للعودة بالأسعار إلى أيام كانت عليه في أيام الوزارة السابقة، وما يمكنه مساعدتهم به لدعم هذا القطاع.
وبدوره، أكد الحاج حسن أن صلاحياته في هذا المجال معروفة، وأن هذا الأمر من صلاحيات وزارة الزراعة، وأن محضر الجلسة التي حضرها وانعقدت منذ ستة عشرة يوما، لم تصله من وزارة الزراعة حتى الآن، ودعا المزارعين للتواصل مع وزارة الزراعة وإلى مساءلة الوزير حول ما تم إنجازه في هذا المجال، وحض المزارعين على أخذ الأمر على عاتقهم والتصرف بما تمليه مصالحهم.
خطوات تصعيدية
يتجه المزارعون لخطوات تصعيدية أمام مواقف وزارة الزراعة الملتبسة، ولفت عدد كبير منهم إلى مصالح شخصية تلعب دورا في إستيراد هذه الكميات الهائلة كما يقولون، والتي أكد العديد منهم أنها أكثر مما يحتاجه لبنان ويستهلكه، وأنه لا تكفي فترة ستة أشهر لتصريف ما تم تخزينه من هذه المنتجات، وأن الوزارة مقصرة معهم، بل وكأنها تحاول القضاء على هذا القطاع نهائيا.
وبالمقابل ناشد المعنيون وزارة الصناعة ملاحقة تصريف الحليب البودرة في المصانع، ومدى مطابقة منتجات المصانع للمواصفات، فضلا عن مصادر هذا الحليب، عدا عن وزارة الإقتصاد والإهتمام بمتابعة ملف استيراد حليب البودرة، وإجراء خطوات حازمة لمنع طلبات الاستيراد، إلا لموجبات يتم التوافق فيها بين الوزارات المعنية، وقد نستطيع الحفاظ على هذا القطاع الحيوي وحماية أفراده مما يواجههم من مستقبل مجهول.