لوحظت أعراض تغير المناخ العالمي في البحرين، وتمثلت في زيادة درجات الحرارة الوسطى خلال الستين سنة الماضية بحوالي درجة مئوية واحدة، وفي زيادة معدل الظواهر المناخية المتطرفة، مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع سطح البحر، وسيؤثر ذلك سلبا على نظام إدارة الموارد المائية بشكل مباشر أو غير مباشر.

هذا ما بعض ما خلصت إليه دراسة أنجزت بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” UNDP في جامعة الخليج العربيفي البحرين تحت عنوان تأثير تغير المناخ على الموارد المائية: تقييم قابلية التأثر والتكيف“.

ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل إلى زيادة الطلب على المياه في القطاعين البلدي والزراعي، وأن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى زيادة معدل غزو مياه البحر المالحة للمياه الجوفية، وكذلك التأثير على مداخل ومخارج محطات التحلية، وأيضا مخارج محطات معالجة مياه الصرف الصحي بسبب غمرها بمياه البحر.

قطاع المياه والتكيف

تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الدراسات غالبا ما يشدد على قطاع المياه، خصوصا وأنه قطاع متلقٍّ لتأثيرات تغير المناخ، ويتم قياس هذه التأثيرات لاقتراح أساليب التكيف مع هذه التأثيرات، كما يوحي عنوان الدراسة، وقد تم النظر بالفعل في دور قطاع المياه في تخفيف الانبعاثات الغازية، فقطاع المياه يستهلك نسبة عالية من الطاقة الأولية في البحرين تصل إلى 30 بالمئة، وتصل في بعض دول مجلس التعاون الخليجيإلى اكثر من 45 بالمئة، وهي طاقة أحفورية مصحوبة بانبعاثات غازية عالية.

هذه النسب، تضع قطاع المياه ضمن القطاعات الرئيسية المفترض التركيز عليها، بحسب الدراسة، لتخفيض استهلاك الطاقة والانبعاثات الغازية المصاحبة لها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ثلاثة إجراءات إدارية رئيسية، الأول يتمثل في رفع كفاءة المياه وترشيد استهلاكها ليقل معدل استهلاك الطاقة، وبالتالي الانبعاثات الغازية، والثاني يتطلب رفع كفاءة الطاقة في قطاع المياه لتقليل استهلاك الطاقة في العمليات الحالية، أما الإجراء الثالث فيتركز حول إحلال الطاقات المتجددة بدلا من الطاقة الأحفورية في قطاع المياه.

كما أن إجراءات التخفيف، تمثل أهمية استثنائية بالنسبة للبحرين، كما سائر دول العالم، لا سيما بعد اعتماد اتفاقية باريس COP21 التي تم التوصل إليها في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في العام 2015، حيث تم الاتفاق المبدئي على تحويل المساهمات المعتزمة والمحددة وطنياً (INDCs) للدول إلى المساهمات المحددة وطنياً (NDCs)، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق معدل ما قبل الثورة الصناعية، وتحقيق صافي صفر انبعاثات من غازات الدفيئة بحلول العام 2100.

تخفيف الاجهاد المائي

ولحظت الدراسة أنه سينتج عن زيادة استهلاك المياه ارتفاع في معدلات الصرف الصحي الناتجة، ما سيؤدي إلى مشكلة صرف هذه المياه إلى البيئة البحرية في حال عدم موازاة سعة محطات المعالجة لهذه التطورات، وكذلك الحال بالنسبة للقطاع الزراعي حيث ستزداد كميات الصرف الزراعي، وقدر الباحثون هذه التأثيرات باستخدام المحاكاة الديناميكية، ويتم بناء نموذج رياضي يحاكي النظام الحالي لإدارة الموارد المائية بمكوناته المختلفة من مصادر واستخدامات، وحساب مستويات الطلب بسبب تأثيرات تغير المناخ عليه حتى العام 2030، فيما نظروا في أفضل السبل لإجراءات التكيف وتخفيف الاجهاد المائي في البحرين، وفي الحالتين تم حساب التكاليف المصاحبة المتمثلة في تكاليف انتاج وتزويد المياه ومعالجتها المالية المباشرة والاقتصادية والبيئية.

وبينت النتائج أن تكاليف ارتفاع درجة الحرارة لتغير المناخ على القطاع البلدي فقط ستؤدي إلى إضافة 92 مليون دولار أميركي على تكاليف تزويد المياه، و630 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون انبعاثات غازية، و40 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وللتكيف مع الأوضاع المستقبلية وتخفيض التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية، اقترحت الدراسة عددا من الخيارات والتدخلات الإدارية الاستراتيجية لتلبية الطلب على المياه حاليا ومستقبلا، وجميعها تقع ضمن رفع كفاءة المياه سواء في جانب العرض أو جانب الطلب، ومن أهمها في القطاع البلدي، خصوصا لجهة تخفيض معدلات التسرب من الشبكة العامة، استخدام الأجهزة المرشدة للمياه ووضع قوانين للمباني تعمل على ترشيد المياه، ومراجعة التعرفة الحالية للمياه، ورفع الوعي المائي في المجتمع.

القطاع الزراعي

وفي القطاع الزراعي سيكون هناك اهتمام للتحول نحو طرق الزراعة الحديثة، والتوسع في استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة، وفي القطاع الصناعي استخدام مياه الصرف الصحي في العمليات الصناعية التي لا تحتاج لمياه ذات نوعية جيدة، مثل غسل الرمال وقطاع البناء والتبريد.

وخلصت الدراسة إلى أن تغير المناخ يشكل العديد من التحديات الإضافية لإدارة الموارد المائية في البحرين، إلا أنه يتيح أيضا العديد من الفرص، بما في ذلك الإصلاحات المؤسسية لقطاع المياه والسياسات المائية.

واوصت الدراسة بأنه في هذه المرحلة الحرجة لظروف الموارد المائية في هذا البلد الخليجي، فإنه يتحتم عليه صياغة سياسة واستراتيجية واضحة وشاملة ومتكاملة للموارد المائية، من أجل إدارة موارده المائية بكفاءة، والحصول على درجة كبيرة من الاستدامة.

كما ينبغي أن تأخذ هذه السياسة والاستراتيجية في الاعتبار العلاقات المتداخلة بين المياه والطاقة والزراعة، بسبب الترابط القوي بين هذه القطاعات الثلاث، وقد انتقلت البحرين في هذا الاتجاه بخطوة مهمة من خلال إنشاء مجلس الموارد المائية مؤخرا، كنوع من الترتيب المؤسسي الهام لإنشاء البيئة الممكنة والمؤاتية لإدارة المياه فيها، والذي من المتوقع أن يكون له دور أساس في التصدي للتحديات التي تواجه قطاع المياه الحالية والمستقبلية، بما في ذلك تأثير المناخ.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This